ظل شريكا للإعلام والمجتمع المدني وفن خطابته أهله ناطقا رسميا باسم المديرية العامة للأمن هو رجل تواصل بامتياز وبالفطرة، خلق ثورة في التعريف بمفهوم الأمن الجديد قبل عقد من الزمن، أهله ليكون ناطقا رسميا باسم المديرية العامة للأمن الوطني زمن ظهور ظاهرة "التشرميل". وجعل ابن مدينة وادي زام المجتمع المدني والإعلام شريكين أساسيين في تجسيد هذا المفهوم لتحقيق الأمن المشترك، سيما بالعاصمة العلمية للمملكة، التي ودع فاعلوها الجمعويون هذا المسؤول بالدموع، وبعد حصوله على التقاعد بات يشرف بدوره على جمعية بمسقط رأسه تعنى بكرة القدم. ترك والي الأمن عبد الإله السعيد الذي أحيل قبل سنة على التقاعد، بصمات لا تنسى وسط المنتسبين للإعلام والصحافة والمجتمع المدني، بعدما ظل يتقن فن التواصل مع هؤلاء، سيما في العقد الأخير من عمله. تسلق السعيد المزداد في بداية ستينات القرن الماضي بوادي زم، رتبا في سلك جهاز الأمن على مدى حوالي ثلاثة عقود، ختمها بتوليه واليا لأمن فاس، ومنها حصل على التقاعد، حيث اشتغل رئيسا للشرطة القضائية بمكناس، كما اشتغل بالأمن الجهوي بتازة ليتم تعيينه على رأس المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالبيضاء. حينما انتشرت فيديوهات ما سمي "التشرميل" في 2014 بالبيضاء، وما تلاها من ضجة وسط الرأي العام الوطني والدولي، سطع نجم السعيد، حينما قدم مجموعة من الأسلحة المحجوزة ضمنها سيوف "الساموراي" بولاية أمن البيضاء وبحضور الشرقي اضريس، الوزير السابق المنتدب في الداخلية وبوشعيب ارميل، المدير العام للأمن الوطني، قبل أن ينتقل للمناسبة إلى تمثيل المديرية العامة للأمن الوطني في أحد البرامج الحوارية بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة التي احتضنها فندق بالرباط، حيث ظهر لأول مرة باسم الناطق باسم المديرية العامة للأمن الوطني، وبعدها بات مدافعا عن الأمن على مستوى القنوات الرسمية وغيرها. اشتغل السعيد أثناء إشرافه على المصلحة الولائية للشرطة القضائية بأكبر مدينة بالمغرب، على تلبية مطالب الصحافيين والإعلاميين أثناء مواكبتهم لمختلف الأحداث التي تشهدها العاصمة الاقتصادية بين الفينة والأخرى سيما الجرائم المعقدة، وأظهر حسا كبيرا لدى الصحافيين بقدرته على تلبية مختلف الطلبات دون التشهير بالمتابعين أو المشتبه فيهم، حيث كان يختار مفاهيم ومصطلحات قانونية حتى لا يؤثر على سرية التحقيقات أو قرينة براءة المتهم أمام القضاء. ورغم تكليف ديوان والي الأمن لشابات يتوفرن على سلك الماستر في التواصل، ظل ينوب عنهن في الرد على مختلف الاستفسارات والطلبات المقدمة من قبل رجال الإعلام والصحافة. بعد تعيينه واليا على أمن فاس، ساهمت التجربة التي اكتسبها ابن مدينة الشهداء في التواصل بالفطرة لجعل المجتمع المدني شريكا أساسيا في محاربة الجريمة والتحسيس بمدى خطورتها، ووصل التنسيق والتواصل ذات مرة إلى احتشاد مختلف الفعاليات المدنية بالعاصمة العلمية للمملكة أمام باب مقر ولاية الأمن، للتضامن مع شرطيين أصيبا بجروح خطيرة، خلال تدخل شخصي لإيقاف عشرة أشخاص. وخرج والي الأمن عن صمته بعد احتشاد العشرات من الفاعلين، ليؤكد أن هذه المبادرة تعكس الثقة المتبادلة بين المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية، معتبرا أن هذه المؤسسة تعتمد مفهوم الأمن الجديد القائم على الشفافية والوضوح والانفتاح على محيطها "وهو ما يحقق لنا الأمن المشترك" يقول السعيد. حينما فاجأت المديرية العامة للأمن الوطني، إطارها السعيد بالإحالة على التقاعد، دون فتح باب التمديد له إسوة بباقي الشخصيات الأمنية التي خدمت الوطن بإخلاص وتفان، ودعت الفعاليات المدنية والإعلامية الوالي بالدموع، بعدما ظل مصدرا لهم في الأخبار الموثوقة ومتفاعلا مع مطالب الجمعيات في توفير الأمن ببعض النقط السوداء والتدخل المستعجل لإيقاف المجرمين. بعد حصوله على التقاعد في يوليوز من السنة الماضية، عاد السعيد إلى مسقط رأسه بجماعة أولاد فنان بقبيلة السماعلة دائرة وادي زم، للاستقرار فيها، وبحثا عن إراحة نفسه، ليشرف على جمعيات مدنية، حيث أظهرت فيديوهات قبل ثلاثة أشهر تأطيره لشباب في ملتقيات كروية، وهو يشجعهم على المزيد من العطاء، كما ظهر يوزع جوائز على الفريق الفائز. ولا يجد هذا المسؤول المتقاعد حرجا في التردد على الأسواق الأسبوعية ومرافقة أبناء بلدته والجلوس إلى جانبهم في المقاهي الشعبية وأكل "السفنج"، وأيضا استغلال أراضي والده المتوفى قبل سنتين في الفلاحة. عبد الحليم لعريبي