أرهقت كثرة المتابعات التأديبية عددا من القضاة، الذين اعتبروا أن هناك أخطاء يمكن معالجتها بطرق غير التأديب، الذي يؤثر بشكل سلبي على نفسية القاضي، خاصة بسبب طول المسطرة التي قد تنتهي إما بالبراءة أو حتى بعقوبات بسيطة. وأكد عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، ارتفاع منسوب مساءلة قضاة عن أخطاء مهنية تصحح، في الأصل، عبر طرق الطعن القانونية، وليس عن طريق المسطرة التأديبية، صونا لأمنهم الوظيفي الذي هو أساس استقلالية القضاء، خصوصا أن هامش الخطأ، في ضوء عدد القضاة الممارسين والضغط الذي يعانونه، يظل كبيرا، إذ كلما ازداد العمل ازدادت معه الأخطاء، والعكس صحيح، وهذا أمر طبيعي معاش. وأضاف رئيس النادي، في تصريح لـ "الصباح"، أن القضايا المحكومة من لدن قضاة المملكة تجاوزت أربعة ملايين قضية، ورغم كبر هذا الرقم، فهو لا يشمل العديد من الأوامر الصادرة عن قضاة الحكم، كالأحكام التمهيدية وأحكام غرفة المشورة الصادرة في النزاعات المتعلقة بتنفيذ المقررات القضائية وبتأويلها، كما لا يشمل أوامر قضاة التحقيق، ولا ملتمسات ومذكرات قضاة النيابة العامة، وإذا ما احتسبت هذه الأعمال ضمن مجموع ما أصدره قضاة المملكة، لا شك سيتجاوز عقبة خمسة ملايين مقرر قضائي بملتمسات النيابة العامة ومذكراتها، وهو رقم مهول معبر عن حجم المجهودات التي يقوم بها القضاة بالمغرب، ويزداد هوله عندما يستحضر الخصاص الحاصل في صفوف القضاة، إذ لا يتجاوز قضاة الأحكام ثلاثة آلاف قاض وقاضية، بينما لا يتجاوز قضاة النيابة العامة ألف قاض وقاضية. ويظهر هذا الوضع درجة الضغط الذي يشتغل فيه القضاة، مضيفا أنه إلى جانب المتابعات التأديبية، لوحظ، أيضا، التأخر في صرف ما يستحقه القضاة من تعويضات -على قلتها- رغم إقرارها منذ سنوات، وهو ما يخل بالتوازن الواجب إقامته بين العمل والتحفيز عليه من أجل التخفيف، ولو معنويا، من الضغط المصاحِب له، ناهيك أن بعض المهام القضائية يقوم بها القضاة خارج أوقات العمل وتظل دون تعويض، وهو ما يخالف مجمل الإعلانات والمعايير الدولية ذات الصلة. واعتبر رئيس النادي أن ما بات القضاة يستشعرونه هو ميل كفة الواجبات على الحقوق، مع أن لهم حقوقا كثيرة يتعين الاهتمام بها وضمانها وتطويرها، كما أن لهم بعض المصالح المشروعة البسيطة التي تتطلب، فقط، إرادة حقيقية لإقرارها وصونها وتدعيمها وإذكائها، تماشيا مع نص الدستور وروحه، مضيفا أن رصد مثل هذه المؤشرات وغيرها، يحتم على كل من موقعه، التدخل لمعالجتها بما يدعم ويعزز استقلالية القضاة، من جهة، ويساهم في الحفاظ على الكفاءات داخل القضاء والتقليل من حالات مغادرته، من جهة أخرى. كريمة مصلي