القمار… “حالمون” يلاحقون السراب

شبح يتربص بالأطفال والكهول بتواطؤ مع فئات من صناع الرأي توسعت سوق القمار في السنوات الأخيرة إلى درجة أنها أصبحت تستهدف القاصرين والشباب، بعدما كانت في البداية مقتصرة على بعض الأشخاص «المغيبين»، الباحثين عن الربح السريع، ويعتقدون أن الحظ يمكن أن يبتسم لهم يوما، قبل أن يكتشفوا في لحظة من مراحل عمرهم، أنهم كانوا يلاحقون السراب فقط، وأنهم أصبحوا مدمنين على المقامرة، ويدمرون أنفسهم وأسرهم. الجديد في موضوع القمار، أن الشركات أصبحت تستهدف فئات كانت إلى عهد قريب بعيدة كل البعد عن هذا المجال، من قبيل الشباب والأطفال، كما أن أشكالا جديدة من القمار دخلت على الخط، من قبيل المراهنة على مباريات كرة القدم، وباقي الرياضات من كرة اليد والتنس وكرة السلة وغيرها. قاصرون مقامرون يتعرض القاصرون المغاربة لأكبر عملية «غسل دماغ»، من قبل فنانين ومشاهير مغاربة، الذين يوهمونهم بإمكانية ربح المال، عن طريق توقع نتائج مباريات كرة القدم، على مواقع إلكترونية تابعة لشركات مقامرة أجنبية، دون مراعاة للضمير، في وقت لا تأبه فيه السلطات بمنع هذا النشاط المشبوه. ووجد عدد من القاصرين أنفسهم ضحايا إدمان القمار، خاصة أن المباريات لا تنتهي، ما أدى إلى مشاكل كبيرة داخل الأسر، إذ أن عددا من القاصرين يستعملون البطائق البنكية لآبائهم وأمهاتهم، من أجل تعبئة حساباتهم على موقع الشركة، من أجل المراهنة على فرقهم المفضلة. وبالنسبة إلى طريقة اللعب، فتقتصر على إنشاء حساب داخل الموقع، يمكن صاحبه من المراهنة على المباريات، والمقامرة بالقدر الذي يرغب فيه من المال، ابتداء من 5 دراهم مغربية، وهناك من يلعب بعملات أجنبية، من قبيل الأورو والدولار. وحصنت هذه الشركات أنفسها بحركة ذكية، تتمثل في ضرورة التوفر على حساب بنكي من أجل التسجيل، رغم أنها على علم أن هذه الطريقة يسهل التحايل عليها، إذ هناك من يستعمل البطائق البنكية لأحد أفراد الأسرة دون علمه، إذ يكتفي بإدخال رقم الحساب والرمز السري في ظهر البطاقة، ويضخ في الحساب القدر المناسب من المال. مشاهير متورطون تورط الكثير من صناع الرأي في إيهام متابعيهم بالربح السهل، ويتعلق الأمر بمشاهير بمختلف ألوانهم، من مغنين وممثلين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى اليوتوبرز أصحاب القنوات، الذين يقدمون فقرات إعلانية عن هذه المواقع، ويحرضون الأطفال الذين يشكلون قاعدة هرم متابعيهم. وبالنسبة إلى الطريقة التي يحرض بها هؤلاء المشاهير متابعيهم، فتكمن في تمكينهم من مكافآت، إذ هناك ما يسمى «كود برومو» أو الرمز الترويجي، الذي تمنحه الشركة للمؤثر، ويمكن الأشخاص الجدد على الموقع، الذين جاؤوا عن طريقه من مكافأة، وهو بمثابة فخ ينخرط فيه هؤلاء من أجل أموال الإعلانات التي تدفعها شركة القمار. وتتقاطر أموال شركات القمار على «صناع الرأي» المغاربة مثل حبات المطر، إذ استغلوا بحثهم عن المال وضعف ثقافة الضمير لدى جزء كبير منهم، من أجل إغراء القاصرين باللعب، حتى أصبح طفل دون العاشرة يراهن بدوره، في غفلة من الآباء والدولة. وأما الذين يرفض أهلهم تمكينهم من بطائقهم البنكية، فيلجؤون إلى طرق أخرى مختلفة، إذ هناك مجموعات على مواقع «تليغرام» «المشبوه»، وفيسبوك وإنستغرام، تجمع المقامرين، وهناك أشخاص يوفرون للقاصرين خدمة تعبئة الحساب، مقابل منحهم المال «الكاش»، مقابل عمولة معينة، ويضخون المال في الحساب عن طريق بطائق الوسطاء. وهناك الكثير من المؤثرين المغاربة الذين يرفضون الدعاية لشركات القمار، بسبب حفاظهم على قدر من الضمير تجاه المجتمع والأطفال، بل إن البعض يحذرهم، غير أن الأغلبية لا تبالي، ويهمها فقط مكاسب الإعلان، التي حولتهم إلى باعة الوهم لأبناء المغاربة، في وقت يفترض فيهم نشر قيم وأفكار سليمة، لا أن يعلموا الأطفال القمار والمراهنات. طوابير الحالمين لم تتوسع دائرة زبائن شركات المقامرة في المواقع الإلكترونية فحسب، بل ارتفع عددهم في الواقع أيضا، إذ هناك فئة أخرى تفضل النوع، الذي يتم تعبئته يدويا، في نقاط بيع تلك البطائق، التي يراهن فيها متابعو كرة القدم على وجه الخصوص. وأصبحت نقاط البيع منتشرة في جل الأحياء، إذ يقتني المقامرون تذاكرهم في نقاط بيع التبغ، وتجدهم منهمكين في ملء خانات غريبة، لا يفهمها إلا اللاعبون والشركات التي تبيع تلك البطائق، إذ يستغرب كل من يدخل هذه المحلات من سلوك اللاعبين، إذ ينغمسون في أجواء اللعب وتعبئة الخانات، إلى درجة يبدو فيها اللاعب منفصلا عن الواقع، وعقله محتجز داخل الخانات. وفي بعض نقاط البيع، أصبحت هناك طوابير للراغبين في الحصول على بطائق اللعب، إذ منهم من يضطر للانتظار في طابور إلى أن يحين دوره، طمعا في الربح، الذي يمكن أن تجود به الأقدار مرة، وتمنعه مرات كثيرة. والأدهى أن بعض الشركات التي تعمل في مجال المراهنة في المغرب، تسوق بعض المنتوجات الخاصة بالأطفال، الأمر الذي دفع بالقاصرين أيضا إلى ولوج عالم القمار، ويقتنون تلك البطائق من نقاط بيع التبغ، ويقومون بتعبئتها بدورهم ويصطفون إلى جانب الكهول الحالمين بالربح في الطوابير سالفة الذكر. عصام الناصيري

القمار… “حالمون” يلاحقون السراب

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الموسم الثاني من "دبي بلينغ" على "نتفليكس"

آلام المفاصل... المعاناة المستمرة

مقالات ذات صلة