قلـوب تخفـق بالآهـات

الهم اليومي يشغل الشباب عن تحريك المشاعر الدفينة ويأسر حلمه في بناء أسرة لم يعد في قلوب الكثيرين متسع لتدفق دفء الحب في شرايينها، بعدما ضاقت بهموم الحياة وويلاتها في زمن قتلت الأزمة بمختلف تجلياتها، بذور المشاعر الجميلة ولو كانت عذرية، ليبقى الإنسان أسير هم يومي لا يحصر اهتمامه في غير "القفة" وكيفية تدبر مصاريفها الباهظة، بعدما ألهبتها أسعار لم يستثن ارتفاعها مادة مما يستهلكه. "ما بقى لي غير الحب. مصاب نتكافى غير مع المصروف"، عبارة تكاد كل الألسن ترددها سمفونية لا تطرب وتزيد الأفئدة ضيقا وانشغالا بغير ما يبهجها. أما العشق والهيام فمات بموت القدرة الشرائية لمواطن تحولت حياته إلى حرب يومية، يخوضها في مواجهة الغلاء وارتفاع المعيشة وضيق ذات اليد المغلولة بقلة المدخول وحيل الحياة. يقول الإعلامي زكريا الشريكي إن أزمة الأسعار المصاحبة لقلة فرص الشغل، فرضت حجرا قسريا على رغبات الشباب في الحب والاستقرار العاطفي والعائلي والدخول إلى مؤسسة الزواج، بل "ختمت على قلوب من تواعدوا يوما ما باللقاء"، متسائلا بحسرة "كيف يكون اللقاء في جو ضبابي عنوانه قلة ذات اليد وضيق الحال؟". لقد "أصبحنا أمام ظواهر اجتماعية كثيرة ناتجة عن هذا الارتفاع الكبير وغير المعقول في الأسعار"، تقول زميلته إيمان الفناسي، مشيرة إلى ارتفاع نسبة العنوسة وسط الإناث، كما الطلاق خاصة في فئة الشباب، "الظاهرة التي لا يمكن عزلها عن الأزمة الاقتصادية"، مؤكدة أن القلوب لم تعد تخفق بالحب، بل تخفق بآهات تختصر ما يعتصرها. إن الحب والسعي لبناء مؤسسة الزواج، أصبح شيئا صعبا و"مهددا أكثر من أي وقت مضى من طرف هذه الطفرات الاقتصادية" يقول زكريا، مشيرا إلى أن "من ينوي اقتحامها يكوى بلهيب الأسعار، ومن هو داخلها لا يهدأ له بال بحثا عن حلول ناجعة لإرساء سفينة الأسرة في بر الأمان، خوفا من عاصفة الطلاق وما يتبعها من مشاكل". أرقام الطلاق الصادمة "تثير الخوف والرعب وتجبرنا على ربطها بالحالة المادية الصعبة التي يعيشها مجتمعنا"، يقول الطالب أيوب يغنيك، مؤكدا أن "الأمر بدأ مع كورونا واستفحل بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحب ذلك من ارتفاع صاروخي للأسعار، جعل المرء عاجزا عن كسب قوت يومه والحفاظ على بيته من التفكك". ويضيف أيوب بحسرة "أمراض من هنا، بطالة من هناك، وقساوة متزايدة في تحقيق لقمة العيش، كل هذا بات يثقل كاهل المواطن المغربي، ويعرض استقرار علاقاته العاطفية للخطر، وينفي حتى نسبة وجودها من الأساس"، ما جعل القلوب منشغلة بالهموم أكثر وتضيق بها لحد الاختناق والإلهاء عن الخفقان حبا ولوعة واشتياقا. ويواجه الشباب صعوبات كبيرة في حال تفكيرهم في الحب وتأسيس أسرة "ليس اليوم فقط، بل منذ سنوات وإن كانت السنوات الأخيرة أكثر قسوة، بعدما أصبح الشباب مطوقا بارتفاع الأسعار، تزامنا مع انخفاض الأجور أو انعدام الشغل والدخل" تقول إيمان الفناسي، مؤكدة نفور نسبة من الشباب من الحب والزواج بسبب ذلك. وإذا كان الحب ليس مكلفا ماديا اللهم من خفقان القلوب ولو كذبا، فإن "الزواج يتطلب مصاريف ومسؤولية والتزامات تفوق قدرة الشباب العاجز عن بناء أسرة والاستقرار شبه مستحيل" حسب إيمان، لأن "جيلنا تعرض لحملات مادية أعمت بصيرته وبات ميزان قيمة الفرد عنده في قيمة رصيده البنكي" يؤكد الطالب أيوب يغنيك. ويقول أيوب إن بناء أسس أسرة صغيرة التي اعتاد أن يفر الفرد بجوارحه إليها، "بات مستعصيا لدى الغالبية ما دامت الماديات هي الفيصل" في غياب الحيل الكفيلة بتدبر هذه الماديات في زمن شح فيه الدخل وانحصرت فرص الشغل بشكل غير مسبوق وطغت الماديات حتى على العلاقات البشرية وعند إبداء الرغبة في الحب والزواج. إن لكل إنسان "عواطف يبتغي لها مستقرا ومأوى يقيها شر الانحرافات"، لكن "في رحلته الفطرية بحثا عن الحب والزواج، يصطدم بصرح من القوالب التي بناها المجتمع وقيّد نفسه بها" يقول زكريا الشريكي، متحدثا عن سوق شغل شحيح يحول بينه وبين من ارتضاها شريكة له، يبني معها عشا زوجيا دافئا لا يتأثر بتقلبات الحال والعواطف. حتى وإن "بلغت القلوب الحناجرَ، أطلقت أسعار المواد الأساسية رصاصة الرحمة معلنة عن نهاية مشاعر كانت تبحث عن سكن لها، وفشل مشروع زواج ظل رهين الأحلام والأماني" يقول زكريا بنبرة شاعرية تختصر حاله وحال الآلاف من الشباب ممن سكتت قلوبهم عن الكلام المباح في الحب، وانشغلت بالثرثرة في الهم اليومي القاتل لرغبات القلوب. حميد الأبيض (فاس)

قلـوب تخفـق بالآهـات

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

“سان فلانتان” ... نهايات في محاكم الأسرة

عيد بباقات النعناع

مقالات ذات صلة