بقلم: ذ. صلاح الدين الشنقيطي(*) شهدت بلادنا في الأسبوع الماضي انعقاد الاجتماع 12 رفيع المستوى بين المملكتين المغربية والإسبانية، والذي تكلل بالتوقيع على عدد الاتفاقيات تهم مجالات متنوعة للتعاون، إضافة إلى مذكرات للتفاهم. وإذا كانت الحصيلة الرقمية للاجتماع كبيرة ومشجعة، وغنية في الآن ذاته، فإن الرسائل السياسية ذات أهمية أيضا، فهذا اللقاء يأتي بعد ثماني سنوات عن آخر لقاء، كما يأتي بعد القرار الإسباني الشجاع بالاعتراف بمغربية الصحراء، وبدعم مقترح الحكم الذاتي، كما أنه جرى بعد قوس الجفاء الذي أعقب ما يسمى بحادثة "بن بطوش". هذا الاجتماع الذي تم تحت إشراف رئيسي الحكومتين المغربية والإسبانية، ومشاركة حكومية ومن القطاع الخاص من الجانبين، تميز أيضا بالمكالمة الهاتفية لصاحب الجلالة، والتي عكس بلاغ الديوان الملكي مضمونها المشيد بالمرحلة الجديدة التي دخلها التعاون المغربي الإسباني والآفاق الواعدة التي يصبو إليها. لقد عاشت إسبانيا تحت ضغط كبير، من قبل جنرالات الجزائر، ومحاولة عقابها وثنيها عن قرارها التاريخي، وتعرضت للعديد من المساومات في ملفات الغاز والاستثمار، ووارداتها في محاولة لتأليب الرأي العام عليها، لكن هذه الحكومة الواعية بالرهانات المرتبطة بالمنطقة، قاومت كل ذلك، وفرضت مناقشة علاقتها مع "الهوك"، في معزل عن علاقاتها مع المملكة المغربية انطلاقا من مبدأ عزيز في العلاقات الدولية وهو "السيادة". لا يخفى أيضا أن هذا اللقاء يأتي في سياق خاص تمر به العلاقات المغربية الفرنسية، لاسيما بعد توصية البرلمان الأوربي، التي تعد سابقة في تدخل هذه المؤسسة في شأن السلطة القضائية لدولة ترتبط معها برابط الشراكة الاستراتيجية، وما تسرب من أن يد فرنسا لم تكن بعيدة عن مثل هذه التوصية، وعلى الخصوص في سياق الحديث عن صفقة عسكرية بينها وبين مستعمرتها السابقة، والتي تراهن عليها باريس بالنظر للعائد المالي منها في وقت تعيش فيه أوربا على وقع أزمة اقتصادية بسبب تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا. لهذه الأسباب، وبالنظر لهذه السياقات، يستمد هذا الاجتماع أهميته وراهنيته، في أنه يعزز الشراكات التي تربط المغرب بدول أوربية قريبة جغرافيا، وهناك دائرة كبيرة للمشترك بينهما، ولكون هذه الدول لا تقيم فصلا بين مصالحها الاقتصادية ومواقفها السياسية، وهو ما انتقدته بلادنا غير ما مرة، وعبر عنه صاحب الجلالة في أكثر من خطاب، فضلا عن استعدادها للدفاع عن هذه العلاقات في وجه الابتزاز التي أصبح الخيار المتبقى لديبلوماسية وريثة لثقافة الحرب الباردة؛ إن محور الرباط - مدريد، يمكن أن يتطور، ويتسع عبر الانفتاح على محاور أخرى كالرباط - برلين...وستدفع هذه المحاور، إلى تضييق الخناق على من يصف نفسه بالشريك التاريخي الوحيد، وسيدفعه لا محالة إلى مراجعة أوراقه، والعودة إلى منطق التاريخ والمصالح المشتركة، ومن الرهان على الدول الناجحة المستقرة التي ترسم ملامح مستقبلها بكل ثقة. إن أنوار باريس لا تتوقف على الغاز الجزائري، ولا يمكن تمويلها من صفقة مشبوهة للأسلحة، فأنوارها مستمدة من تاريخ حقوق الإنسان وحماية الحريات، ومسيرة الديمقراطية، وهي خصائص مفقودة في الحليف الظرفي ماضيا وحاضرا ومستقبلا... (*) عضو مجلس النواب