صعوبات قانونية وتقنية تعترض المشروع والتحدي الأكبر يتمثل في تركيز نظام معلوماتي متطور بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني (*) إن رقمنة المحاكم حاجة ملحة فرضتها المتغيرات العالمية حتى تواكب منظومة العدالة المغربية للتطور المعلوماتي، علما بأن ميثاق إصلاح منظومة العدالة الصادر في يوليوز 2013 نص على مجموعة من التوصيات، من بينها التوصية رقم 9 التي نصت على وضع أسس محاكم رقمية في أفق 2021 تكون منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، من أجل الرفع من النجاعة القضائية وتحسين جودة خدماتها . ويشمل أيضا مخطط المحكمة الرقمية، عدة برامج، منها إنجاز "البوابة الإلكترونية المندمجة للولوج إلى العدالة"، و"تعميم التبادل الإلكتروني للوثائق"، و"التدبير اللامادي للملفات القضائية"، و"اعتماد التقنيات الرقمية في تدبير الجلسات"، و"رقمنة المقررات القضائية وتنفيذها"، مما قد يساهم في دعم الولوج إلى العدالة، والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها المحاكم، ومن تقريب الإدارة القضائية من المتقاضين و كافة المتدخلين في ميدان العدالة، لمواجهة تحديات العصر و أيضا الأزمات غير المتوقعة كأزمة جائحة "فيروس كورونا "التي تسببت في تأخر الجلسات ومختلف الإجراءات المرتبطة بها قبليا أو بعديا، وأحيانا توقف المحاكم. وإذا كانت وزارة العدل وباقي المتدخلين في مجال العدالة قامت بمجهودات جبارة في باب إصلاح القضاء وتحديث الإدارة القضائية ، فإن هدف تحقيق مشروع المحاكم الرقمية لازالت تعترضه عدة إكراهات وصعوبات قانونية وتقنية، خاصة أننا على مشارف نهاية 2022 ولم تحدد بعد أسس المحكمة الرقمية . لذلك لابد من وقفة تأمل وتقييم للحصيلة لمعرفة ما تم تحقيقه في مجال وضع هذه الأسس، أخذا بعين الاعتبار الأهداف الإستراتيجية والمؤشرات التي تم وضعها مسبقا، حتى نعرف أين يكمن الخلل بالضبط لتجاوز الصعوبات. جدير بالإشارة في هذا الخصوص إلى أن العمل بمحكمة رقمية يستجيب لمتطلبات العدالة والمتقاضين، في أفق تحسين عملية التقاضي وتقوية النجاعة القضائية انسجاما مع التعليمات الملكية، التي ما فتئت تؤكد على انخراط مكونات العدالة في ورش التحول الرقمي ، كما جاء في الرسالة الملكية بتاريخ 21 أكتوبر2019 للمؤتمر الدولي بمراكش بدورته الثانية حول "العدالة والاستثمار" بضرورة تبني لامادية الإجراءات وللمساطر القضائية والتقاضي بانخراط كل مكونات العدالة في ورش التحول الرقمي. وقبلها الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الأولى للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش بتاريخ 02 أبريل 2018، التي أكدت على دعم فعالية وشفافية الإدارة القضائية، باستثمار ما تتيحه تكنولوجيا المعلوميات. ورغم وجود ترسانة قانونية هامة تدعم ركائز المحكمة الرقمية، كالقانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والقانون رقم 09.08، المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، والقانون رقم 07.03 ﺑتتميم مجموعة القانون الجنائي، في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، و القانون رقم 13.31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، والقانون رقم 04.20 المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الالكترونية، والقانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، والقانون رقم 43-20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الالكترونية، والقانون 55.19 المتعلق بتبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية، والقانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية، فإن هذه القوانين غير كافية لوضع أسس محاكم رقمية مالم يتم وضع تصميم مديري Shéma Directeur Informatique، ناجع وفعال، يحدد الإجراءات التقنية والمعلوماتية للشروع في وضع أسس المحكمة الرقمية،لأن التصميم الذي تم اعتماده في هذا الخصوص لم يحقق الأهداف والنتائج المرجوة. ويرجع ذلك ، في اعتقادي، إلى ثلاثة عوامل رئيسية أذكرها كالتالي: 1- المعطيات غير مهيكلة (عبارة عن وثائق: أحكام و قرارات وغيرها) تتطلب وقتا طويلا لمعالجتها معلوماتيا إن لم نقل لسنوات عديدة لاستغلالها في الحواسيب، 2- تشتغل المحاكم باللغة العربية، قد لا تفهمها برمجيات الحواسيب في كثير من الأحيان، مما يحتاج إلى تقنيات عالية، لا يوفرها إلا الذكاء الاصطناعي، 3 – العدد الهائل للملفات التي تحال على الحاكم والتي تعد بالملايين سنويا. وعلى هذا الأساس، فإن تحديد أفق مشروع المحكمة الرقمية في غضون 2021 لم يكن مبنيا على معطيات تقنية وعلمية، ما جعل هذا الهدف غير محقق. ونحن الآن على مشارف نهاية 2022، ومازال المشروع متعثرا. وإذا كانت السلطة الحكومية المكلفة بالعدل قد حققت تقدما نسبيا على المستوى الرقمي في ما يتعلق بخدمات السجل العدلي والسجل التجاري، وخدمة حجز المواعيد بمحاكم المملكة، والأداء الإلكتروني للغرامات ومخالفات السير، مثلا، أو النتائج المهمة التي تحققت في مشروع المحاكمات عن بعد، فإن هناك تحديات كبرى تنتظرها كي تتوفق في وضع أسس المحاكم الرقمية، قبل نهاية الولاية الحكومية الحالية. وأكبر تحد هو تطوير وتركيز نظام معلوماتي متطور لرقمنة الأحكام و الملفات والأرشيف وإحكام أرشفتها إلكترونيا، وتركيز بنية تحتية معلوماتية عالية الأداء والجودة ، وهذا لن يتحقق إلا بإعادة النظر في "التصميم المديري المعلومياتي" الذي ينبغي أن يقوم على مقومات الذكاء الاصطناعي. (*) مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية