ليلة القبض على “الماتادور”

الجماهير ترقص على أنغام «جيبوها يا لولاد» وفرحة هستيرية عمت أرجاء قطر ظل الجمهور يترقب مباراة إسبانيا بشغف وحماس ورغبة في مواصلة إبهار العالم، وتأكيد أن صحوة المنتخب الوطني في مونديال قطر 2022 لم تأت صدفة، أو ضربة حظ، بقدر تحقق نتيجة تحصيل حاصل، لما أظهره أشبال المدرب وليد الركراكي من حضور جيد، في منافسات المجموعة السادسة. لم يفقد المشجعون المغاربة الأمل في الحصول على تذاكر المباراة، رغم كل الإكراهات، التي رافقت عملية توزيعها من قبل الجامعة، بعدما حصلت على 5 آلاف تذكرة، دون أن تفي بالغرض المطلوب. ورغم قرب ملعب المدينة التعليمية من محطة «ميترو» الأنفاق، ومركز المؤتمر الإعلامي، إلا أن الجماهير المغربية فضلت التنقل إليه في الساعات الأولى، رغبة منها في تفادي الازدحام وطول الانتظار، كما اعتقد كثيرون. والحال أن الأجواء مختلفة تماما والحماس منقطع النظير، والترقب والانتظار يحبسان الأنفاس، أما وسائل النقل، فمتوفرة وعديدة. إنها إحدى معالم الفرجة في قطر. مشجعون خارج الملعب ظل العديد من المشجعين ينتظرون فرصة الدخول إلى الملعب، لمساندة المنتخب الوطني أمام نظيره الإسباني، لعدم توفرهم على التذكرة، رغم كل المجهودات المبذولة من قبل الجامعة لتمكينهم من حضور المباراة. «ما يمكنش ما نحضروش الماتش»، عبارة رددها مشجعون في محيط الملعب، بعدما فشلت كل محاولاتهم لولوجه، بسبب تطويقه بتعزيزات أمنية، وتشديد المراقبة في جميع أبواب الملعب، بالاعتماد على أحدث الوسائل التكنولوجية. فبينما تمسك بعضهم بإمكانية الحضور، حتى ولو تطلب منه الأمر اقتناءها بمبلغ مضاعف، بما أن المباراة مصيرية في التأهل إلى ربع النهائي، لجأ أخرون إلى المقاهي الموجودة على بعد 500 متر عن الملعب، من أجل متابعتها. شغف وحماس عرفت الطرقات المؤدية إلى ملعب المدينة التعليمية حركة غير عادية، وارتفعت حرارة الحماس ثلاث ساعات قبل انطلاق المباراة، وتوافد المشجعون على ميترو الأنفاق، الأكثر إستعمالا من قبل جمهور المونديال في مختلف الجنسيات، فقط لأنه يضمن الراحة والسرعة أثناء التنقل. لم تتوقف هتافات المشجعين المغاربة أثناء توجههم إلى الملعب، حتى وهم يدركون أن المهمة لن تكون سهلة على الإطلاق، لقوة المنافس وخبرة لاعبيه في مثل هذه التظاهرات الكروية الكبرى. وارتفعت حرارة هتافات المشجعين بأسماء اللاعبين لحظة الإعلان عنها من قبل منشط المباراة الواحد تلو الآخر، فيما أطلقوا صافرات الاستهجان أثناء دخول لاعبي منتخب إسبانيا أرضية الميدان. ظل الجمهور وفيا لطريقة تشجيعاته، بدأها بصفير استهجان، أملا في إرباك المنافس، ثم بعبارات «جيبوها يا لولاد». إنها شعارات وأهازيج أضحت معروفة ومتداولة في المونديال، وأكثر من ذلك مستحبة من قبل لاعبي المنتخب، ومدربهم وليد الركراكي، لتأثيرها الإيجابي على رفع معنوياتهم ودعمهم في مثل هذه المباريات المصيرية. شعارات تصدح هتف الجمهور باسم المنتخب ولاعبيه لحظات قليلة، بعد دخوله أرضية الميدان في حدود الخامسة عصرا بالتوقيت القطري، كما تغنى بالمغرب والنشيد الوطني وأسماء اللاعبين. كان يريد ترك بصمته في هذه المباراة، لإيمانه أن الخسارة ستخرج منتخب بلاده نهائيا من المسابقة، وهو الأكثر عددا مقارنة مع الحضور الإسباني، الذي كان محتشما. وكان له ما أراد، بعدما زأرت الأسود من قلب الدوحة، وأسقطت «الماتادور» في أمسية خالدة حبست أنفاس العالم. وبدت المباراة، كما أنها تجرى في أحد ملاعب المملكة، على غرار المباريات الثلاث السابقة، مع اختلاف شاسع في جودة الملاعب، وأناقتها وتصاميمها الرائعة وحسن التنظيم ومرونة الاستقبال، إذ تزين ملعب المدينة التعليمية بقمصان المنتخب الوطني وقبعات تتضمن العلم الوطني، فظهراللون الأحمر والأخضر والأبيض طاغيا ومستفزا لجماهير الإسبان، لأنهم كانوا أقل عددا وحماسا. فرجة المدرجات بينما انشغل اللاعبون بالتركيز داخل أرضية الميدان، وبذل كل ما لديهم، من أجل خطف التأهل إلى ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخ الكرة المغربية والعربية، كان المشجعون يصنعون الأفراح بمدرجات ملعب المدينة التعليمية، من خلال تقديم صورة رائعة عن تأثيره، ليس فقط لحضوره الوازن والمكثف فحسب، بل لطريقته المتواصلة في التشجيع، وتفاعله الإيجابي مع هجومات اللاعبين، خصوصا تلك التي كان يقوم بها بين حين وآخر حكيم زياش وسفيان بوفال ويونس النصيري وعبد الصمد الزلزولي. انطلقت هتافات»الله الله ...جيبوها يالولاد» مباشرة بعد انطلاق المباراة، رغبة من الجمهور في تشجيع اللاعبين، رد فعل على استحواذ منتخب إسبانيا على الكرة، دون أن تشكل خطورة كبيرة على الحارس ياسين بونو، ثم أطلق هتافات «دابا دابا فالفيلي»، لحظة تأهب أشرف حكيمي لتنفيذ ضربة خطأ مباشرة. لم تتوقف الجماهير عن مؤازرة اللاعبين وشحن هممهم، إذ أطلقت عنان أصوات حناجرها «اللي ما تبومبا ماشي مغربي»، و»جيبوها يا الولاد»، وغيرها من الأهازيج، التي ميزت الجمهور المغربي عن غيره، أبرزها شغفه وحماسه وحبه لمنتخب بلاده، وحضوره المؤثر في معظم مباريات المونديال، عدا بعض المؤاخذات التي سجلت عليه أثناء توزيع التذاكر على مشجعين من قبل الجامعة والسفارة المغربية المعتمدة في قطر. الأسود تزأر لم يمهل الأسود نظراءهم الإسبان أكثر من 15 دقيقة، ليزأروا ويعلنوا استعدادهم للذهاب بعيدا في المونديال، المقام أول مرة على أرض عربية. وجد منتخب إسبانيا نفسه عاجزا عن فرض أسلوبه المعتمد على «تيكي تاكا»، أو اختراق الجدار الدفاعي للأسود، بسبب يقظة لاعبي المنتخب وحسن انتشارهم واستعدادهم الذهني الرائع. بدا لاعبو المنتخب كما لو أن المباراة نهائية، مستعدين لهزم المنافس في أي لحظة، ومتسلحين بمؤازرة 45 ألف مشجع وتشجيعاتهم، وشعارهم «سير...سير...جيبوها يالولاد». هتافات أضفت احتفالية استثنائية على الملعب، وأبهرت العديد من الضيوف والصحافيين الأجانب، كما هو حال صحافي أرجنتيني، الذي تساءل «هل هذا الجمهور هو نفسه في ملاعب الكرة بالمغرب»، ثم أضاف، كما لو أنه يجيب عن السؤال «إنه رائع ومبهر فعلا، وشبيه بجماهير بوكاجونيور». بونو... عريس الليلة عمت فرحة هيستيرية أرجاء الملعب ومدرجاته، بمجرد إعلان الحكم الأرجنتيني فرناندو راباليني نهاية المباراة، بتأهل الأسود إلى ربع النهائي بفضل الضربات الترجيحية، التي برع فيها الحارس ياسين بونو، بعد التصدي لمعظمها ببراعة نادرة وسرعة بديهة خارقة، ليؤكد أنه من بين أفضل حراس العالم، حتى إنه نال الإشادة من المدرب الإسباني لويس إنريكي. حظي بونو باستقبال الأبطال في المنطقة المختلطة والندوة الصحافية، وتلقى التهاني من كل حدب وصوب، نظير ما قدمه من بسالة وتدخلات ناجحة ويقظة، قل نظيرها، معلنا استعداده للدفاع عن لقب أفضل حارس في المونديال، كيف لا يكون، وشباكه لم تتلق سوى هدف واحد في أربع مباريات. فرحة هستيرية كادت الجماهير تصاب بالجنون، لحظة تسجيل أشرف حكيمي الضربة الترجيحية الأخيرة، بطريقة «بانيلكا»، ليطلق رصاصة الرحمة على منتخب إسبانيا، الذي أصيب لاعبوه بذهول ودهشة، قبل أن يغادروا الملعب مطأطئي الرؤوس، على غرار مدربهم إنريكي. أما اللاعبون المغاربة فهرولوا تجاه المدرجات لتحية المشجعين والتنويه بما أسدوه طيلة المونديال، ثم سجدوا شكرا لله، قبل أن يواصلوا الاحتفالات مع مدربهم، الذي رفعوه على الأكتاف، كما تعانقوا مع باقي أعضاء المنتخب الوطني. أما فوزي لقجع، رئيس الجامعة، فبدا منتشيا بتأهل تاريخي، غير مسبوق، لتتواصل الأهازيج والاحتفالات بمستودع الملابس. كانت السعادة واضحة على وجوه لاعبي المنتخب الوطني، وهم يمرون بالمنطقة المختلطة، عقب المباراة التاريخية، دون التردد في التحدث عن تأهلهم غير المسبوق، مصرين أنهم سيواصلون المسير بالروح والعزيمة والإصرار، حتى يسعدوا المغاربة والعرب على حد سواء. أما الجماهير، فغادرت ملعب المدينة التعليمية بسعادة لا توصف، ولسان حالها يقول «سنكرر هذا الإنجاز أمام البرتغال في ربع النهائي». قطر تتغنى بالأسود قضت جماهير المنتخب الوطني ليلة بيضاء في الدوحة، والمناطق المجاورة لها، وتحديدا بسوق واقف والكورنيش ودرب لوسيل، احتفاء بالإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني، عقب الإطاحة بإسبانيا في ثمن النهائي. واحتفل مشجعو المنتخب جنبا إلى جنب مع أشقائهم العرب، ممن حضروا المباراة، خصيصا لدعم ومؤازرة الأسود، بما أنهم الأمل الوحيد للعرب في المونديال، بعدما توقفت رحلة قطر والسعودية وتونس عند محطة المجموعات. يقول سعودي «إننا سعداء بما حققه المغرب في المونديال، ونأمل في بلوغ المربع الذهبي، ونحن له مساندون، إلى أن يبلغ مسعاه. أنه شرف المغرب والعرب في هذه البطولة». عاش سوق واقف ليلة استثنائية امتزج فيها الغناء والرقص مع ترديد هتافات من قبيل «سير...سير» و»ديما مغرب»، وهي الاحتفالات التي شارك فيها مشجعو مختلف الدول العربية، إضافة إلى مناصرين من الأرجنتين والبرازيل. إنجاز: عيسى الكامحي وتصوير: عبد المجيد بزيوات (موفدا "الصباح" إلى قطر)

ليلة القبض على “الماتادور”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار المونديال

الركراكي: فخورون بملكنا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات