تزايد حالات الانقطاع الكلي عن الدراسة والظاهرة تتفاقم في العالم القروي والنسب مخيفة تعد ظاهرة الهدر المدرسي من المشكلات التي تعانيها معظم الدول في مجال التربية، ومن المواضيع المهمة المطروحة للنقاش والبحث في مجال علوم التربية والتكوين. وظل الهدر المدرسي منذ أمد بعيد إحدى الخصائص الهيكلية التي تطبع المنظومة التعليمية الوطنية، إذ تعد هذه الآفة من أكبر المعيقات التي تعرقل تطور العملية التعليمية والتعلمية بجميع مراحلها، ما يؤثر سلبا على مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة بالوسط القروي والمناطق النائية، والأحياء الشعبية المهمشة والفقيرة بالوسط الحضري، حيث تنتشر بشكل مخيف. ويتسبب الهدر المدرسي في نتائج خطيرة، مثل انتشار الأمية والبطالة والجريمة وهدر الموارد المالية للدولة، كما يؤدي حتما إلى الانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال الأطفال في سوق الشغل قبل سن الخامسة عشرة. إن الأمر يتعلق بآفة تؤرق المجتمع المغربي وتساهم في عدم تطور الفرد، بل المجتمع برمته، لأنها من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع ووضعه في دائرة التخلف والتقهقر، بعيدا عن مواكبة لغة العصر في التقدم والانفتاح. ويلتحق التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بعد سنوات قليلة بقوافل الأميين، ما يشكل استنزافا للموارد البشرية والمادية، إذ تضاف فئات المنقطعين إلى صفوف المستهدفين ببرامج محاربة الأمية وبرامج التربية غير النظامية، التي تبقى المسلك الوحيد لإعادة الإدماج في المنظومة، علما أن الطاقة الاستيعابية لاستقبال المستفيدين من هذه البرامج لا تكفي آلاف المنقطعين عن الدراسة. وتحدث باحثون في علوم التربية عن عدد من الأسباب الحاسمة في ظاهرة الهدر المدرسي، واحدة منها اجتماعية، كالغياب المتواصل للآباء عن البيت والعنف داخل الأسرة، ثم الانحراف الأخلاقي لبعض التلاميذ (التعاطي للتدخين والمخدرات وغيرها..) فضلا عن أمية الآباء وغياب علاقات التواصل مع المحيط والأسرة. أما الأسباب الثقافية والتربوية، فتتعلق أساسا بنظرة السكان، خصوصا في المجال القروي، إلى المدرسة. فالعادات والتقاليد تلعب دورا مهما في هذا الإطار، إذ نجد أسرا تشجع أبناءها وبناتها على التمدرس خلال المرحلة الابتدائية فقط ثم يليها الهدر المدرسي. يضاف إلى ذلك، ضعف تغطية المدرسة لحاجيات تمدرس الطفل (كتب ومعدات مدرسية، عدم توفر المطاعم المدرسية بالعديد من المدارس، خاصة بالعالم القروي، عدم وجود دور الطالبة بالقدر الكافي)، وضعف البنيات التحتية المدرسية، إذ لا تزال العديد من المدارس بالمناطق القروية بالخصوص غير مرتبطة بشبكة الماء الصالح للشرب، أو لا تتوفر على مرافق صحية، أو تفتقر للكهرباء. فيما تتجلى الأسباب الاقتصادية في الفقر والحاجة، خاصة مع ارتفاع تكلفة التدريس بالنسبة إلى الفئات المعوزة، إضافة إلى تشغيل البعض منهم لأطفالهم في أعمال الفلاحة وغيرها من الأعمال وتكليف الفتيات بأعمال البيت، إلى جانب غياب النقل المدرسي أو محدوديته في الوسط القروي. حميد بن التهامي (مكناس) أرقام مقلقة أعلن شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، أن نحو 331 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة كل سنة في مختلف مناطق المملكة. وقال بنموسى إن معدل الهدر المدرسي في "المراحل التعليمية الثلاث (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) في القطاع العام يصل إلى 5.3 في المائة على المستوى الوطني، ما يعني أن 331 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويا. وحذر بنموسى من أن الهدر المدرسي أصبح يشكل تحديا مقلقا للمنظومة التعليمية لما له من انعكاسات سلبية على وضعية التلاميذ المنقطعين وكلفته الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في العالم القروي الذي انقطع فيه ما يفوق 167 ألف تلميذ عن الدراسة، معلنا عن تسجيل نسبة 5.6 في المائة، نسبة انقطاع في صفوف الفتيات المتمدرسات بالوسط القروي، بما يقارب 76 ألف تلميذة منقطعة. ح. ب (مكناس)