مراكش لم تعد “وريدة”

حافلاتها باهتة مهترئة وشوارعها غير آمنة تنتشر فيها الأزبال والمتسولون والتحرش عملة رائجة إنجاز: نورا الفواري (موفدة الصباح إلى مراكش - تصوير: (عبد الرحمان المختاري) مراكش مدينة يتحاكى بذكرها الركبان من مختلف أنحاء العالم. الكل يتحدث عن جاذبيتها التي لا تقاوم. هي بالنسبة إلى المغاربة مدينة "البهجة" و"سبعة رجال"، وبالنسبة إلى السياح الأجانب، غرائبية ساحرة تعود بذاكرتهم إلى زمن علي بابا والسندباد البحري والعفاريت التي تخرج من المصابيح السحرية. لها ألف وجه ووجه، وفيها من كل "فن طرب". تجد فيها "اللوكس" والفنادق المصنفة والمطاعم الراقية، مثلما يمكن أن تستمتع فيها بالأطباق الشعبية عند "بجغني" أو "ماك عمر" أو الحاج بريك بساحة "جامع لفنا" الأسطورية، التي لا يوجد مثلها في باقي مدن الأرض. إنها المدينة التي يتوقف فيها الزمن وتسير فيها الحياة ببطء جميل، دون "ستريس" ولا هوجة. بطبيعتها الفاتنة وجوها الرائع وجنانها البهية ومآثرها التليدة ونخيلها الباسق وخفة دم أهلها، كان يمكن أن تشكل وجهة سياحية لا ينافسها في ذلك منافس، لولا أن الهبات الإلهية التي حباها الله بها ليست كافية لاستقطاب الزوار دائما، ويجب أن تنضاف إليها مجهودات العباد، حتى تكتمل الصورة، وهو ما لا يتحقق اليوم في مراكش، بعد أن أصبحت بعض أحيائها باهتة ومظلمة ووسخة وعنيفة وغير آمنة. "الصباح" زارت المدينة الحمراء، التي كانت عاصمة للدولة المغربية قرونا طويلة، وأتت لكم بالورقة التالية، مرفقة بالصور التي تعبر أحيانا أكثر من الكلمات. الصمت سيد المكان. لا يعكر صفوه سوى طقطقة العربات وصوت احتكاك العجلات مع سكة القطار المتوجه من البيضاء إلى مراكش، وعلى متنه عشرات السياح الأجانب، الراغبين في اكتشاف سحر المدينة الحمراء، التي لا تشبه غيرها من مدن العالم، والتي تعتبر واحدة من أفضل الوجهات السياحية العالمية، والتي يعول عليها المغرب، أكثر من غيرها من الوجهات الأخرى، لتحقيق رؤية 2030، بالوصول إلى 26 مليون سائح، في الوقت الذي لم يتعد العدد 13 مليونا منذ إطلاق رؤية 2020. الوصول إلى هذا الرقم، يبدو لزائر المدينة، صعب المنال. ومراكش لا يمكن أن تكون الحصان الرابح في هذا الرهان، في ظل الأوضاع التي تعيشها، وفي ظل الحالة البئيسة التي توجد عليها مبانيها وشوارعها وحافلاتها، والتي تعكس قلة اهتمام المسؤولين وتجاهلهم لمشاكل حاضرة تاريخية كانت لقرون عاصمة المغرب، بل عرف قديما باسمها. "مافيا" المتسولين أينما وليت وجهك في المدينة، ينغص صفوك متسول. تجدهم أمام مداخل الفنادق الفخمة... إذا جلست في "تيراس" مقهى لاحتساء شايك بحثا عن لحظة سكينة وطمأنينة... إذا دخلت مطعما للاستمتاع بوجبتك، يطالعونك بنظراتهم المثيرة للشفقة فيوقفون اللقمة في حلقك... إنهم ليسوا مجرد متسولين يتسكعون في الشوارع بحثا عن لقمة أو صدقة... وليسوا مجرد حالات اجتماعية دافعها الفقر وقلة الحيلة وضيق ذات اليد، إنهم "بروفيسيونيل"... يشبهون تنظيما "مافيوزيا"، إذا لم يدخل الرعب في قلوب بعض السياح أو الزوار، أزعجهم وأقلق راحتهم وجعلهم يندمون على اليوم الذي فكروا فيه زيارة مدينة "سبعة رجال". يقول مصدر مهني، فاعل في قطاع السياحة بمراكش، في لقاء مع "الصباح"، إن التسول أصبح ظاهرة فعلا تؤرق السائح وتسيئ إلى سمعة المدينة سياحيا، وقد سبق طرح المشكل على المسؤولين والسلطات في اجتماع رسمي بالولاية، فكان الجواب أنهم يعدمون حلا أمام أعدادهم الهائلة، وأن السجون مليئة عن آخرها، وحتى إذا ألقوا عليهم القبض ليلا، يضطرون إلى إطلاق سراحهم صباحا، ليعودوا من جديد إلى استئناف أنشطتهم غير القانونية. وأضاف "بدل بناء المساجد، التي تحولت بدورها إلى مرتع للمتسولين، يجب تشجيع بناء السجون، شرط أن تكون ذكية. بمعنى أن تعيد تأهيل المسجونين وتعلمهم صنعة أو حرفة تنفعهم وتجعل منهم بعد خروجهم مواطنين صالحين، لتفادي حالات العود". مدينة التحرش مراكش ليست آمنة كذلك. ف"التلواط" والتحرش، المصحوبان بالعنف الشفوي، وأحيانا المادي، بضاعة رائجة في شوارعها. وهو ما كانت "الصباح" شاهدة عيان عليه، في العديد من المرات، خلال زيارتها القصيرة إلى المدينة، وأكدته أيضا مصادر متطابقة، اعتبرت أن العنف، الذي تقع ضحيته المرأة والرجل على السواء، انتشر بشكل مخيف في مختلف أحياء مراكش، حتى الراقية منها، ولم يعد يسلم منه لا سائح داخلي ولا أجنبي، مشيرة إلى تفاقم الوضع في ساحة "جامع لفنا"، الأسطورية، التي أصبح الزوار يتفادونها، مخافة التعرض للاعتداء أو السرقة، دون الحديث عن السياقة "البهلوانية" لبعض أصحاب الدراجات النارية، والتي أصبحت ظاهرة تعرض حياة الأشخاص للخطر. أما الأزبال، فحدث ولا حرج. لقد أصبحت جزءا من الديكور. وتجدها "مكركرة" حتى أمام مداخل أكبر فنادق المدينة، وإلى جوار المطاعم الكبرى والفضاءات السياحية الشهيرة، تزكم برائحتها أنوف الزوار والسائحين، وتخدش جمالية الأمكنة، وهو ما يسيئ من دون شك إلى سمعة مراكش باعتبارها وجهة عالمية ويضر بسياحتها، القطاع الوحيد الذي يعيش منه سكانها ويأكلون "طرف الخبز". "مول الكوتشي"... الإهمال "يرشي" النقل أيضا مشكلة عويصة في مدينة "البهجة"، سواء بالنسبة إلى السكان أو إلى الزوار العابرين الذين يستحيل عليهم أخذ حافلات وسخة ونتنة ومهترئة، حطمت الرقم القياسي في "الأقدمية" ولم تعد تليق، لا شكلا، ولا مضمونا، بمدينة بحجم مراكش، ليبقى الحل الوحيد بالنسبة إلى السائح هو الاستعانة بخدمات سيارات الأجرة، وهو ما يعني التعرض لجميع أنواع الإهانة والابتزاز. فمشوار صغير، لا يتعدى 10 دقائق، قد يحسب عليك ب100 درهم، دون استعمال "الكونتور"، بمبرر أن "مول الطاكسي"، لم يحمل زبونا واحدا منذ بدء الخدمة، أو لأنه "غادي يرجع خاوي". هذا في حال إذا قبل أصلا أن يقلك إلى وجهتك، فأغلبهم يفضلون الأجانب، الذين يزورون المدينة للمرة الأولى، فيستغلون جهلهم بالأثمنة ليفرضوا عليهم تسعيرتهم الخاصة، والتي غالبا ما تكون مبالغا فيها. أما "الكوتشي"، وسيلة النقل الجميلة والمميزة والمختلفة، التي يمكن أن تصنع منها مراكش منتوجا سياحيا معتبرا وأكثر جاذبية، فيعاني بدوره قلة الاهتمام وسوء التنظيم وقلة النظافة. فالعربات تفوح منها رائحة "الغمولية" ومدثرة بأغطية قديمة وباهتة، والخيول "مجرتلة" وينقصها العلف، و"الكواتشة" يحز منظرهم في القلب وتشتكي ملامح وجوههم الإهمال والتهميش والفقر، في مدينة يقيم في "مامونيتها" مليارديرات العالم بأسره وتحكى حولها في مختلف أنحاء المعمور، حكايات من وحي ألف ليلة وليلة. مسؤولية المنتخبين يقول مصدر مهني من قطاع السياحة، في لقاء مع "الصباح": "إنها مسؤولية السلطات والمنتخبين الذين لا يقومون بأدوارهم كما يجب، وعلى رأسهم عمدة المدينة التي لا تجد ربما الوقت الكافي من أجل إيجاد حلول لما تعانيه مراكش، بالنظر إلى أنها تحمل، في الوقت نفسه، حقيبة وزارية". وأضاف "لا يعقل أن تجمع بين منصب وزير وعمدة مدينة كبيرة بحجم مراكش. يستحيل التوفيق بين المهمتين. وحتى إذا لم تكن حالة التنافي القانوني موجودة، فالتنافي موجود أخلاقيا".

مراكش لم تعد “وريدة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كواليس الفرق

لقطات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات