المرابون… مافيا الاتجار في الأموال

شبكات تستغل مصائب الشركات وصعوبة المقاولة لربح فوائد خيالية وتتسبب في مآس اجتماعية ازداد نشاط مافيا تجار الأموال بالمغرب، أو شبكات القروض بفوائد خيالية، مع جائحة كورونا، وذلك على غرار نشاط المافيا الإيطالية التي أحكمت قبضتها على رجال الأعمال، وحولتهم إلى رهينة بيدها ما دفع إلى تدخل الدولة... فبآسفي، ارتفعت وتيرة نشاط هذه الشبكة، التي تحقق رقم معاملات خياليا، بعيدا عن أعين مكتب الصرف وإدارة الضرائب، إذ نجحت هذه الشبكة في الزج بالعشرات من رجال الأعمال في السجون، بعدما سلبتهم ما بحوزتهم من عقارات وأموال. واستطاع أحد المقاولين الذي تخلص – بعد معاناة- من قبضة هذه الشبكة، تقديم شكايات إلى النيابة العامة بآسفي يبسط من خلالها، أحد أوجه نشاط شبكات القروض، التي تجني مئات الملايين سنويا، وتحقق أرباحا خيالية تتجاوز في بعض الأحيان 400 في المائة فوائد عن تلك القروض… إنجاز: محمد العوال (آسفي) تفاقمت ظاهرة السلف بالفائدة، أو نشاط تجار الأموال، مع استشراء جائحة كوفيد 2019، وما خلفته من أزمات، إذ صار الإفلاس يتهدد العديد من المقاولين، ما جعل الكثير منهم، يلجأ إلى شبكات القروض بالفائدة. وإذا كانت المافيا الإيطالية، قد تحكمت في رقاب العديد من رجال الأعمال، وصاروا تحت رحمتها، فإن خروج "غابرييله مينوتي ليبوليس” للإدلاء بشهادته للسلطات القضائية الإيطالية، سيحرك المياه الراكدة، بعدما أكد أنه، مقتنع بأن على المقاولين رفع الصوت، من أجل مصلحة الشركات والأقاليم على السواء، وينبغي عدم تقبّل أعمال العنف أو التهديدـ التي تنهجها المافيا ضد ضحاياها، بل التصرف بطريقة تُظهِر أن الدولة هي الأقوى. ويحكي، البالغ من العمر 44 سنة، والذي يدير شركات ترفيهية في النوادي البحرية بجنوب إيطاليا، عن الظروف التي قادته إلى الاقتراض من شبكات تقدم القروض بالفائدة، بعدما وجد نفسه عاجزا عن تحصيل دين من المؤسسة البنكية، قبل أن يخلص إلى أنه بين 2013 و2017، تعرض للابتزاز والتهديد بالقتل، ثم جاءت جائحة كوفيد 19، التي زادت من تسلط الشبكة عليه، وتحول من رجل أعمال، إلى كادح يشتغل ليل نهار لتوفير الإتاوات للمافيا… ملايير بعيدا عن أعين الدولة بآسفي، لا يختلف الأمر عن المافيا الإيطالية، فشبكات القروض بالفائدة، تتحكم في رقاب المئات من المقاولين والتجار الكبار، الذين قادتهم ظروفهم إلى السقوط بين يدي هذه الشبكات، التي غالبا ما تختفي وراء تجارة معينة، لكن وراء ذلك نشاط مالي غير مشروع. فلازالت عناصر الشرطة القضائية للأمن الإقليمي، تعكف على معالجة شكايات مقاول معروف بآسفي، كان موضوع متابعة من أجل إصدار شيكين بنكيين بدون رصيد، إذ بعد أدائه لقيمة الشيكين، كشف أن الأمر لا يتعلق بمعاملات تجارية مع المشتكي، وإنما قروض بالفائدة. ويروي المقاول المذكور، أن تأخر صرف مستحقاته المالية المترتبة عن قيامه بأشغال لفائدة إدارات عمومية، دفعه إلى الاقتراض من أحد المرابين المعروف بآسفي، إذ اقترض منه مبلغا قيمته 200 مليون سنتيم، مقابل شيكات على سبيل الضمان. بيد أن المقاول عجز عن التسديد بعد الأجل المتفق عليه، وهنا سيكون أمام خيارين، إما توقيع شيكات إضافية تتضمن فائدة 20 في المائة عن التأخير على كل شهر، أو دفع الشيكات البنكية للسحب. يضيف المقاول، أنه وجد نفسه فعلا في وضع لا يُحسد عليه، وبالتالي الإذعان للمرابي، وهكذا ظلت الفوائد تتراكم وبلغت القيمة الإجمالية المؤداة 800 مليون سنتيم. تصريحات المقاول المشتكي، ستكشف العديد من المفاجآت منها، أنه اضطر إلى التخلي عن مجموعة من عقاراته لفائدة المرابي، تحت غطاء البيع، "ولكن ليس هناك أي آثار لهذا البيع، إذ لم أتوصل باي مبلغ مالي، ولم يتم إيداع أي مبلغ بحوزة الموثق، وبالتالي لا توجد أية آثار لمعاملة مالية متعلقة بالبيع والشراء في العديد من عقاراتي"، يقول المقاول المذكور، الذي تخلى عن عقارات مقابل فوائد مترتبة عن هذا القرض، الذي قلب حياته رأس على عقب. شهادة ضحية خرج أحد المقاولين السابقين بآسفي، الذي يعيش وضعية اجتماعية كارثية، للبوح بجزء من معاناته مع مافيا القروض، وقدم شهادته أمام عناصر الشرطة القضائية المكلفة بالبحث في هذه النازلة، إذ أكد أنه ولج عالم المقاولة في تسعينات القرض الماضي، وراكم تجربة مهمة، وحصل على صفقات عديدة، غير أن سقوطه بين يدي أحد المرابين، حول حياته إلى جحيم، وتم نزع ممتلكاته غصبا عنه، وتحول اليوم إلى رجل يتجول بين أزقة المدينة، يسترجع جزءا من ذكريات أليمة، بعدما تحطمت كل آماله وأحلامه، وصارت المقاولة بالنسبة إليه جزءا من ذكريات الماضي الحزين. الريبوح: عقوبات قانونية يرى حسن الريبوح، محام بهيأة آسفي، مقبول لدى محكمة النقض، في تصريح ل "الصباح"، أن المادة 870 من قانون العقود والالتزامات، نصت بشكل صريح، على أن اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواءا كان شرط الفائدة صريحا أو ضمنيا أو اتخذ شكل هدية أو نوع آخر للمقرض، أو لأي شخص غيره يتخذ وسيطا له، أي أن الأفراد لا يجوز لهم امتهان حرف الاقتراض بالفائدة التي اشترط فيها المشرع أن تكون مؤسسة في شركات لها صفة قانونية خاصة أي مؤسسات الائتمان والهيآت المعتبرة في حكمها وفق القانون رقم 34.03. وأضاف المتحدث، أن المشرع المغربي يعاقب كل شخص امتهن أو حاول امتهان الإقراض والاقتراض بفائدة، حيث إنه يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة من 5000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص عامل لحسابه الخاص أو لحساب شخص معنوي على استعمال بغير حق تسمية تجارية أو عنوانا تجاريا أو إعلانا وبصورة عامة كل عبارة تحمل على الظن أنه معتمد مؤسسة ائتمان أو تحدث عمدا في أذهان الجمهور التباسا حول مزاولة نشاطه بصفة قانونية. كما أن القانون الجنائي المغربي، نص على متابعة الأشخاص الذين يمتهنون القرض بالفائدة بجريمة النصب المنصوص عليها في المادة 540 من القانون الجنائي، وهو ما سار عليه الاجتهاد القضائي المغربي، بحكم أن عملية الإقراض بالفائدة التي يقوم بها المرابون، تكون عادة مصحوبة بأعمال النصب والمتمثلة في استعمال وسائل تدليسية للحصول على ضمانات القرض، قد تتجاوز في كثير من الأحيان إمكانيات المقترض. ومن أشهر هذه الأساليب الاحتيالية، الحصول على شيكات مكررة تتضمن مبالغ مالية أو محررة على بياض وغيرها من الأساليب. مآس اجتماعية اختلفت آراء المتتبعين على مواقع التواصل الاجتماعي، في متابعتها لهذه القضية، إذ اعتبرت مريم في تعليقها على خبر إجراء البحث القضائي في هذه القضية، بالقول "يأكلون السحت، لا حول ولا قوة إلا بالله، هل يدرون أن الربا حرب مع الله ورسوله"، في حين علق كريم العبدي، على ذلك بعبارة "لابد للقانون أن يأخذ مجراه الطبيعي ويكشف عن الحقيقة في مثل هذه الجرائم"، بينما نزهة أم البنات، فروت قصة زوجها، بالقول "أنا زوجي كان ضحية شبكات السلف بالفائدة، كنا نقطن بمدينة منجمية، وكانت لنا مجموعة من القروض، وقرر زوجي اقتراض مبلغ خمسين ألف درهم من امرأة تقطن بحينا الذي نقطنه، مقابل 500 درهم أسبوعيا، إذ ظل زوجي يمنحها المبلغ المتفق عليه لثلاث سنوات، قبل أن تقدم الشيك إلى المحكمة، واضطررنا إلى رهن منزلنا وخرجنا إلى الكراء.. لا حول ولا قوة إلا بالله". أما محمد، فأكد أن هذه الشبكات معروفة ليس بآسفي فحسب، بل في العديد من المدن، يقف وراءها أشخاص يتوفرون على مبالغ مالية مهمة، ويجنون مبالغ طائلة دون حسيب أو رقيب.

المرابون… مافيا الاتجار في الأموال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خنيفرة يعسكر بأكادير

ثورة الشك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات