محاربة الإرهاب… الأمن يصدر تجربته
باتت خبرته مطلوبة على الصعيد الدولي بعد تأكيد نجاعة المقاربة المغربية في محاربة التطرف
عرفت بلادنا في العشرية الأخيرة ريادة للأمن المغربي في محاربة الإرهاب والتطرف ليس على الصعيد الوطني فحسب، بل ذاع صيت الخبرة المغربية في مواجهة الظاهرة في الخارج، بعدما شرعت المملكة في التعاطي مع الظاهرة، انطلاقا من مقاربات قانونية وحقوقية، استحضرت في سياقها مفهوم دولة الحق والقانون.
وكانت المملكة سباقة إلى سن قانون محاربة الإرهاب والتطرف في 2003، بعد التفجيرات التي شهدتها الدارالبيضاء، وبعدما تطورت الجريمة الإرهابية على إثر سقوط أنظمة بالعالم العربي وما تلاها من تدهور للأمن بعد موجات الربيع العربي، واكبت وزارة العدل هذه التطورات المتسارعة عبر إعادة تميم القانون الخاص بمحاربة الإرهاب وإدخال تعديلات عليه في 2015 لمحاصرة الراغبين في الالتحاق ببؤر التوتر، سيما بالمناطق التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية كليبيا وسوريا والعراق، وظهر فيها زعماء دينيون شنوا تحريضا على مجموعة من الدول وأنظمتها، كما شجعوا على الهجرة من أجل القتال ضد الدول المشاركة في الحرب على الإرهاب.
الخبرة المغربية مطلوبة
بعدما تزايدت الضربات الاستباقية للأمن المغربي للخلايا النائمة، وتفكيك شبكات كانت على استعداد لتنفيذ جرائم خطيرة، ضد مؤسسات حيوية بالبلاد وبعثات أجنبية، حتى تسارعت في الست سنوات الماضية طلبات على الخبرة المغربية لمحاربة الظاهرة، وبات المغرب ضلعا رئيسيا في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، كما استفادت دول شريكة للمملكة من معلومات وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “ديستي”، ومكنت المعلومات الوثيقة هذه الدول من تجنب حمامات دم سيما من قبل النشطاء المتطرفين من جنسيات مغاربية وعربية فوق التراب الأوربي والأمريكي، ووصلت تحذيرات الاستخبارات المغربية إلى دول في أقصى بقاع العالم، ضمنها سيريلانك. كما اعترفت دول أخرى أن المملكة المغربية قدمت معلومات لها، لكنها لم تأخذها بعين الاعتبار، ضمنها ألمانيا التي اعترفت بأن حادث الدهس التي شهدته البلاد بالعاصمة برلين على يد إرهابي تونسي قبل ست سنوات، سبق أن حذرت الاستخبارات المغربية نظيرتها الألمانية من وقوعه، لكنها لم تأخذ بالحسبان هذه التحذيرات لتتفاجأ بتنفيذ العمل الإرهابي الذي أدى إلى مصرع عدد من الأبرياء.
مقاربة دينية
لمواجهة الإرهاب اعتمد المغرب مقاربة دينية قائمة على المذهب السني المالكي لمواجهة مختلف الانفلاتات الدينية لمغاربة العالم.
وشهد الحقل الديني هيكلة جديدة ركزت على إعادة تكوين الأئمة والقيمين الدينيين، وفقا للمذهب المالكي وتحت راية إمارة المؤمنين التي راعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تقتضي الاعتدال والوسطية في ممارسة الشعائر الدينية مع نبذ العنف والتطرف والتزمت، لتنتقل المقاربة المغربية في هذا الاتجاه نحو دول إفريقيا سيما دول جنوب الصحراء، وبات معهد محمد السادس لتكوين القيمين الدينيين في الرباط، وجهة للعديد من طالبي “العلم المعتدل”، قصد توظيفه في محاربة التطرف، سيما بدول الساحل التي تعرف انتشار بؤر متسارعة، بعد دحر التنظيمات الإرهابية بالشرق الأوسط وليبيا.
وساهمت إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب في فتح أوراش كبرى جعلت من المملكة المغربية نموذجا يحتدى به على الصعيد الدولي.
المصالحة مع السلفيين
وفي الوقت الذي نجحت فيه المقاربة الأمنية المغربية في محاربة الإرهاب وباتت مطلوبة من قبل الدول الشريكة للمغرب وذات المصداقية في تعاملها مع القضايا الكبرى للمملكة، باشرت المندوبية السامية للسجناء وإعادة الإدماج سياسة داخلية تروم المصالحة مع السلفيين المعتقلين في قضايا الإرهاب والتطرف.
مراجعات
مكنت تلك الخطوة من مراجعة العديد من المحكومين بعقوبات مشددة لأفكارهم، بعد تأكيدهم المصالحة أولا مع ذواتهم، وثانيا مع المجتمع المغربي وثالثا مع النص الديني القائم على نبذ الإرهاب والتطرف، وبدأت تلك المصالحة بتعليمات ملكية سامية تقتضي التخلي عن الأفكار المتطرفة والمشاريع التخريبية سوءا داخل المغرب أو خارجه، لتدخل على الخط الرابطة المحمدية لعلماء المغرب بمحاربة الظاهرة والسهر على إدماج معتقلي الإرهاب في الخطة المغربية لمواجهتها، ليعبر عدد كبير من هذه الشريحة عن رغبتهم في تغيير الصورة النمطية عن الإسلام.
ومكنت المصالحة مع السلفيين في عفو ملكي شامل على مجموعة من المتطرفين بعضهم كان محكوما بالسجن مدى الحياة، كما واكبت مصالح حكومية مختلفة مشاريع هؤلاء السلفيين اقتصاديا واجتماعيا ودينيا، بهدف إدماجهم في المجتمع.