fbpx
الأولى

ارحموا من في الأرض

يحتفل المغاربة، غدا (الأحد)، بعيد الأضحى في أجواء “غير عادية”، تخيم عليها تداعيات أزمات اجتماعية واقتصادية متلاحقة، لم تترك فرصة لآلاف المواطنين حتى لالتقاط الأنفاس.
فمن أزمة خانقة إلى أخرى أشد وطأة، يتدحرج البسطاء والفقراء وذوو الدخل المحدود، أو دون دخل على الإطلاق، الذين يجدون صعوبة في مجاراة إيقاع الحد الأدنى من مصاريف الحياة والمعيشة، والأحرى توفير مبالغ إضافية لشراء أضحيات للعيد، تلامس أسعارها عنان السماء هذا الموسم، دون الحديث عن مصاريف المستلزمات الأخرى.
آلاف الأسر والعائلات ترفع الراية البيضاء هذه الأيام، وتستسلم إلى واقع اجتماعي يزداد ضراوة يوما عن يوم، في الوقت نفسه الذي يُفرض عليها وجوبا تلبية نداء سنة دينية تحولت إلى فرض عين، بسبب التراكم التاريخي والثقافي لعادات دخيلة على المسلمين (خصوصا هنا في المغرب).
عادات وتقاليد وأعراف متوارثة من سنوات، جعلت من عيد الأضحى “أقدس الأعياد”، وجعلت من شراء الأضحيات واجبا على الجميع دون استثناء، وإلا تعرض المتعسر إلى وابل من التنمر، وألصقت به جميع الأوصاف البذيئة، أقلها “نتا ماشي راجل… والراجل هو للي كيعيد لولادو، واخا يلوح راسو في البحر”.
ففي جميع الدول الإسلامية، تقريبا، يعتبر عيد الأضحى حدثا عاديا، أهم ما فيه الصلاة وصلة الرحم والتجمعات العائلية واستغلال أيام العطلة في التنزه ومشاهدة العروض الفنية، بينما تأتي الأضحية في أسفل الاهتمام، علما أن عددا من مسلمي هذه البلدان، الذين فتح الله عليهم أبواب رزقه، يتصدقون بثمن الخروف مسبقا إلى جمعيات ومؤسسات، تتكلف بشراء الأضحيات وتوزيع لحومها على المحتاجين.
فقد قطعت هذه الدول، منذ سنوات، مع عادات “اللهطة” المرتبطة باللحم والدم والأكل المفرط، وإلزام كل أسرة بخروف، ودفع الناس بقوة القهر والإجبار لشراء “العيد”، مع تحويل آلاف المواطنين رهائن في أسواق “الشناقة” و”السماسرة”، يفعلون بهم ما يشاؤون في الجودة والأثمان، دون رقيب.
إن الوضع لم يعد يحتمل، وينبغي أن يشكل عيد الأضحى بالعادات السيئة التي تحيط به، موضوع نقاش وطني ينخرط فيه رجال التربية والتعليم والأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والباحثون في علم الاجتماع ورجال الدين والإعلام العمومي، من أجل وضع هذه الشعيرة في إطارها الديني والروحي الصحيح، وحتى لا تتحول إلى حبل يشنق به المغاربة أنفسهم كل سنة.
فلا يمكن القبول باستمرار هذه العبودية أمام عادات دخيلة، أو الارتهان إلى مبررات من قبيل تنمية العالم القروي، أو مراعاة ظروف الكسابة، أو حتى إشاعة أساطير من قبيل “أن المغاربة لي معيدوش غادي يموتو”.
إنها خزعبلات ينبغي أن تنتهي، بإعادة التربية وتشكيل الوعي، والعودة إلى المنبع الصحيح للدين، الذي يعتبر نحر الأضحية في العيد مجرد سنة غير مفروضة على جميع المسلمين، إلا لمن استطاع إليها سبيلا.
فارحموا يا عباد الله من في الأرض.
يرحمكم من في السماء.
وكل عيد وأنتم بألف خير.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى