fbpx
حوادث

فرار نزلاء مستشفيات “المجانين”… الخطر الداهم

تسجيل حالات هروب مرضى مؤسسات الطب النفسي من بينهم مرتكبو جرائم قتل يهدد الأمن العام

عاد حادث فرار نزلاء أقسام الطب النفسي والعقلي، إلى واجهة الأحداث، بعد تسجيل عملية فرار خمسة نزلاء بمستشفى ابن النفيس للأمراض العقلية والنفسية التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، من بينهم أربعة أشخاص تم إيداعهم بهذه المؤسسة الاستشفائية بأمر قضائي، لتورطهم في جرائم قتل وتزوير وغيرها.هذا الحادث، أثار العديد من الأسئلة، من بينها هل الأمر يتعلق بضعف المراقبة الأمنية بالمؤسسات الاستشفائية؟ هل تتوفر المؤسسات الاستشفائية على جناح خاص بالأشخاص المتورطين في ارتكاب جنايات؟.. وأسئلة أخرى نحاول الإجابة عنها، من خلال جلسة الأسبوع.

إنجاز: محمد العوال (مراكش)

عاشت مراكش، الاثنين الماضي، حالة استنفار قصوى، في صفوف الأجهزة الأمنية والطبية، والأمر يتعلق بفرار خمسة نزلاء من قسم الأمراض العقلية والنفسية بمستشفى ابن النفيس التابع للمركز الاستشفائي بعاصمة النخيل.
فعند حدود الساعة الثالثة والنصف صباحا، تم هروب السجناء الخمسة، منهم أربعة أشخاص متورطون في ارتكاب جرائم..
وفور إشعار المصالح الأمنية، ربطت الاتصال بالنيابة العامة، التي أمرت بإجراء بحث تمهيدي، وإيقاف الفارين الخمسة، إذ باشرت عناصر الشرطة القضائية أبحاثها التمهيدية بالاستماع إلى موظفين ومسؤولين بقسم الطب النفسي والعقلي بمستشفى ابن النفيس.
وبالموازاة مع ذلك، شنت المصالح الأمنية بتنسيق مع السلطات المحلية، حملة تمشيطية للوصول إلى النزلاء الفارين، وتسنى بذلك إيقاف ثلاثة منهم.

الفرار… سلاح النزلاء
الحادث الذي كان مستشفى ابن النفيس بمراكش مسرحا له، ليس الأول، بل سبق وأن سجلت العديد من عمليات الفرار من مؤسسات صحية أخرى.
فخلال الأسبوع الأخير من فبراير الماضي، تمكن 14 نزيلا بمصلحة الأمراض العقلية والنفسية بالمركز الاستشفائي الإقليمي لإنزكان، ضمنهم شخص جرى إيداعه قضائيا بهذه المصلحة، من الفرار، بعدما استغلوا أشغال تهيئة بالمصلحة وغفلة حراس الأمن الخاص، وفقا لما كشفته مصادر متطابقة.
وخلف الحادث، حالة استنفار قصوى، إذ حلت فرقة أمنية بالمستشفى المذكور وباشرت أبحاثها بناء على تعليمات النيابة العامة لتحديد المسؤوليات.

وخرج الدكتور إبراهيم آيت بنعلي، مدير المركز الاستشفائي الإقليمي لإنزكان، في تصريحات صحافية، ساعتها، أكد من خلالها أن “حادثة فرار المرضى بمصلحة الأمراض العقلية والنفسية ناتجة عن الاكتظاظ بالمصلحة، الذي مرده إلى حملة جمع المختلين عقليا التي شنتها السلطات إثر واقعتي السائحتين بكل من تزنيت وأكادير، مما تجاوزنا معه الطاقة الاستيعابية المحددة في 70 مريضا، واليوم يستشفى بالمصلحة 200 مريض”.
ويكشف هذا التصريح، أن عملية جمع المختلين عقليا تتم في غياب شروط الاستقبال بالمؤسسات الاستشفائية، وهو ما يعني أن الوزارة الوصية على القطاع، منذ إغلاقها لبويا عمر، على عهد الوزير الحسين الوردي، لم تقم بإحداث مصحات للطب النفسي والعقلي تتوفر فيها الشروط اللازمة، وبمقدورها استيعاب جحافل المختلين عقليا الذين صاروا يهددون أرواح الناس وممتلكاتهم.

وبالصويرة، سبق أن سجلت عملية فرار جماعي لمجموعة من النزلاء بقسم الأمراض العقلية بالمستشفى سيدي محمد بن عبد الله، عبر نوافذ تابعة لقسم الشرطة داخل المؤسسة الصحية نفسها..
ويتراوح عمر الفارين الثلاثة ما بين 25 سنة و43، وخلف الحادث حالة استنفار قصوى، في صفوف السلطات الأمنية والمحلية، خوفا من تعريض مواطنين مغاربة أو أجانب لاعتداءات.

مصدر طبي، كشف ل “الصباح”، عن حالة الاكتظاظ التي تعرفها مصحات الطب النفسي والعقلي بمختلف مستشفيات المملكة، موضحا أن حالات الفرار التي أصبحت تسجل من حين لآخر في الفترة الأخيرة، مردها إلى عدة اعتبارات، أولها حالة الاكتظاظ التي تعرفها مختلف المؤسسات الصحية، والتي تتجاوز طاقتها الاستعابية بأزيد من 200 في المائة، مضيفا أن قرار إغلاق “بويا عمر” هو الذي أدى إلى حالة الاكتظاظ التي تعرفها مؤسسات الطب النفسي والعقلي.

وأضاف المتحدث، أن الدولة لم تستثمر في قطاع الطب النفسي والعقلي، وظلت الطاقة الاستعابية لهذه المؤسسات ضعيفة جدا، ولا يمكن أن تلبي الضغط المتزايد على هذه المؤسسات.
وأوضح المتحدث نفسه، بخصوص النزلاء الذين يتم إيداعهم بموجب أمر قضائي، أنه صار لزاما توفر كل مؤسسة للطب النفسي والعقلي على جناح مستقل خاص بهذه الفئة، ويجب أن يخضع في مراقبته وحراسته – بالإضافة إلى موظفي وزارة الصحة – إلى المصالح الأمنية، لتفادي عمليات الفرار المتكررة.
وخلص المصدر ذاته الذي رفض الكشف عن هويته، إلى القول “وزارة الصحة، لا تتوفر على إستراتيجية واضحة المعالم من أجل التعاطي مع هذا الملف الشائك، ليبقى الطب الصحي والنفسي واحدا من الملفات التي تحتاج إلى جرأة كبيرة من أجل إيجاد الحلول”.

حوادث المختلين
ليس الهروب وحده، الذي تعرفه مؤسسات الطب النفسي والعقلي، بل يتعداه إلى ما تعرفه هذه المراكز من حالات اغتصاب وهتك للعرض، بالإضافة إلى جرائم القتل، إذ عاش، أخيرا، قسم الأمراض النفسية والعقلية بمستشفى محمد الخامس بآسفي، على وقع جريمة قتل، بعد أن طعن نزيل بالقسم ذاته بآلة حادة، شخصا آخر يعاني أيضا مرضا نفسيا.
وجلس القاتل قرب جثة نديمه يداعبها، قبل وصول مسؤولي المستشفى الذين ربطوا الاتصال بمصالح الشرطة القضائية للأمن الإقليمي بآسفي، إذ باشروا أبحاثهم التمهيدية بناء على تعليمات النيابة العامة، في حين تم نقل الجثة إلى مستودع الأموات وتشريحها قبل الترخيص بدفنها.
ويرى الكثيرون أن ضعف الأطر البشرية المكلفة بهذه الفئة من المرضى، يبقى من بين أهم أسباب وقوع حوادث بقسم الأمراض العقلية والنفسية.

الريبوح: تحديث الترسانة القانونية
يرى الأستاذ حسن الريبوح، محام بهيأة آسفي، أن السلطة المحلية مسؤولة عن إيداع المختلين عقليا بمؤسسات الأمراض العقلية حفاظا على السكينة العامة طبقا للظهير رقم 1-58-295 الصادر بتاريخ 10/04/ 1959، مضيفا أنه في حال تعرض مواطن للعنف أو الاعتداء من قبل شخص ثبت أنه مختل عقليا، ستكون الدولة في هذه الحالة ملزمة بتعويض المتضرر، وفقا لما سار عليه الاجتهاد القضائي المغربي، إذ سبق للمحكمة الإدارية بالبيضاء، أن أصدرت قرارا يقضي بمسؤولية الدولة في شخص السلطات المحلية، أي وزارة الداخلية، في عدم إيداع المختلين عقليا المراكز الخاصة بهم.
وتضمن الحكم القضائي مسؤولية الدولة المغربية عن الاعتداءات الجسدية التي يتعرض لها المواطنون بالشارع العام، من قبل المختلين عقليا والتي قد تؤدي إلى وفاتهم أو إصابتهم بعاهات مستديمة.

وتوقف الحكم، يقول الأستاذ الريبوح، عند تحمل السلطة الإدارية مسؤولية تعرض المواطنين لاعتداء جسدي في الشارع العام من قبل أحد الأشخاص المختلين عقليا.
وحمل الحكم القضائي السلطة الإدارية مسؤولية حوادث الاعتداءات التي يتسبب فيها المختلون عقليا، بسبب إحجامها عن إيداع هؤلاء مؤسسة الأمراض العقلية كما يفرض عليها القانون ذلك.
وبخصوص مسؤولية الدولة في شخص وزارة الداخلية عن الاعتداءات التي يكون المواطنون عرضة لها من قبل المختلين عقليا، يجيب المتحدث بالقول “يعني أن هذا الأمر يفرض على السلطات جمع المختلين عقليا وإيداعهم بالمراكز الخاصة بذلك”.

كما أن حالات الاعتداء على سياح أجانب، ساهمت في الفترة الأخيرة في عملية جمع المختلين وإيداعهم بالمراكز الخاصة بهم، وهو ما أدى إلى اكتظاظ غير مسبوق بهذه المؤسسات الاستشفائية.
وأوضح المتحدث، أنه يجب إعداد ترسانة قانونية في ما يخص المختلين عقليا، سيما المتورطين في ارتكاب جنايات أو جنح، إذ يجب أن يتم إحداث مراكز خاصة بهم، ويمكن أن يكون تنسيق أو تدبير تشاركي بين وزارة الصحة والمندوبية العامة لإدارة السجون لمثل هذه المراكز.

فيسبوكيون يحاكمون النزلاء الفارين
تفاعل الكثير من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، مع حادث فرار خمسة نزلاء بقسم الأمراض النفسية والعقلية بمستشفى ابن النفيس بمراكش، إذ كتب أحدهم “هؤلاء ما هم بمجانين أو مرضى نفسيين و إنما يتظاهرون فقط بالمرض للتملص من المسؤولية، فمن يفكر في الهرب و العودة إلى منزله وتنفيذ المخطط بشكل ناجح، ليس بمختل عقليا ولذلك يجب الضرب بيد من حديد، هؤلاء الفارون يجب معاقبتهم بثلاث سنوات إضافية حتى لا يفكروا في محاولة الفرار مرة أخرى”.
وفي السياق نفسه كتبت شابة من مراكش تعليقا على الخبر “هؤلاء ليسوا بمجانين بل مجرد “طنازة” ويستعملون حيلة الخلل العقلي لتقليل مدة العقاب في السجن أو الاستفادة من انتفاء المسؤولية الجنائية وتفادي العقوبة السجنية وأعدادهم كثيرة”، وكتب آخر “ماشي كاع مجرمين حمقين راه كين لي بعقلو وفي سبيطار الحماق…”.

أما مصطفى، فكتب “يجب تدخل الدولة في مراقبة الشهادات الطبية خاصة التي تتعلق بادعاء الإصابة بخلل عقلي فهناك عدة أناس يستخدمونها للتهرب من المتابعات القانونية أو التهرب من الخدمة العسكرية”.
أما منال، فاعتبرت أن الأمر يحتاج إلى تحقيق وتساءلت “كيف يمكن لخمسة أشخاص مختلين عقليا أن ينفذوا هروبا جماعيا، وكيف لمختلين عقليا أن يتفقوا ويحددوا خطة للهروب”.

وأضافت المتحدثة نفسها أن الأمر مثير للشك، “خصوصا أن أغلبهم متورط في ارتكاب جرائم قتل كما كتبت الصحافة.. وجب فتح تحقيق والتأكد من أن هؤلاء الهاربين مختلون عقليا وليسوا مجانين بالوكالة”.
أما سعيد، فأكد أن مستشفى ابن النفيس جحيم لا يطاق، وأضاف “أحد أفراد العائلة كان نزيلا بهذا المستشفى، كان يعاني مشكلا نفسيا لكن ليس بالشكل الذي يدعو للقلق، إلا أن خضوعه للاستشفاء بذلك المرفق تسبب له في الإصابة بخلل عقلي عوض معالجته، يجب على الدولة الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع، هناك أشخاص قابلون للعلاج والاندماج في الحياة من جديد، لكن بوجود هذا النوع من المستشفيات أعتقد أن الأمر مستحيل”.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى