الحقيقة كما هي

يتطلب تدبير الأزمات الكبرى قدرا كبيرا من الشجاعة والمواجهة، وكثيرا من الجرأة لقول الحقيقة كما هي، دون شعبوية، أو مزايدات سياسية، أو رغبة في تسجيل أهداف في مرمى الخصوم. فما أدلى به فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، عقب انتهاء مجلس الحكومة، ينبغي أن يوضع في إطار الحرص على المكاشفة مع المواطنين، والانفتاح عليهم، والمثول أمامهم في كل الأوقات، ووضع المعطيات والمعلومات والأرقام والنسب الأساسية رهن إشارتهم، مهما كانت مؤلمة. ففي تجارب سابقة، عانى المغاربة طويلا بسبب لغة الخشب، والإغراق في العموميات وتهريب النقاش إلى مجالات أخرى، وحجب الحقيقة عن الشعب (حتى لا يغضب)، فكانت النتائج كارثية في عشر سنوات الأخيرة، حين اكتشفنا، جميعا، أن عددا من المشاريع والبرامج التي تم التطبيل لها، مجرد وهم، أو حبر على ورق، أو حملات انتخابية قبل الأوان. وأظهر الواقع أن ما كان يروج له من برامج اجتماعية، مثل "دعم الأرامل"، و"تيسير"، و"راميد»، لم تكن سوى محارات فارغة، دون أي أثر يذكر على المستفيدين المحتملين، ما أكده جلالة الملك في عدد من المناسبات، وأعاده في خطاب العرش لـ2018، حين قال ما معناه، إنه يرى عددا كبيرا من المشاريع والبرامج، ولا يرى تغييرا في مستوى عيش المواطنين. الآن، تقول الحكومة للمغاربة إن مرحلة العناوين البراقة، والبرامج الاجتماعية المتعددة، انتهت إلى غير رجعة، وانتهى معها توجه ظل يعامل المواطنين على أساس الجنس والمجال والنوع، بينما من المفروض أن تنكب السياسات العمومية في المجال الاجتماعي على معالجة الإشكاليات في بعدها القطاعي، وتقديم الخدمات الضرورية للفئات في وضعية هشاشة وفقر، دون تمييز واستثناء، أو فئوية، كما ينبغي تقديم التعويضات العائلية للمستحقين لها، في الوقت نفسه والقدر نفسه والشروط نفسها، بمن فيهم الأرامل. إن "تسييس» العرض الاجتماعي العمومي وتحويله إلى أصل تجاري يستعمل لحظة الحشد الانتخابي، هو ما تحاول أن تقطع معه الدولة، اليوم، بتنزيل مشروع الحماية الاجتماعية، وتحصينه بكل ضمانات النجاح، حتى يصل العائد إلى جميع المواطنين المعنيين، وليس إلى فئة، دون أخرى. ولهذا بالضبط، حمل هذا المشروع الوطني وصف الثورة، في شقها الاجتماعي بكل تأكيد، لكن ثورة سياسية أيضا، للقطع مع استغلال إمكانيات الشعب، للوصول إلى كراسي الحكومة والبرلمان والمدن، وبعد ذلك يأتي الطوفان. وكما قطعت الحكومة الشك باليقين في الشق المتعلق بالحماية الاجتماعية، كان عليها أيضا أن تواجه المواطنين، بالوضوح نفسه، في ملف المحروقات والمواد الأساسية وصندوق المقاصة، ووضعية المخزون الاحتياطي من الحبوب والمواد الطاقية. فلأول مرة، يعرف المغاربة وضعية الإكراهات المالية الحقيقية، الموروثة عن الفترة السابقة، ويتابعون بالتفاصيل تطور موارد الخزينة والمداخيل والمصادر والصعوبات المرتبطة بتدبير صندوق المقاصة، الذي ارتكبت فيه أخطاء جسيمة، لكن مازال قادرا على رفع العبء عن المواطنين وتقليص الكلفة. ففي نظر الحكومة "إن من يرقص لا يخفي لحيته"، وهي تعتقد أن المغرب أهدر سنوات كثيرة في تغطية الشمس بالغربال، لدواع سياسية وانتخابية، وآن الأوان لتغيير الوضع عبر الاشتغال الذكي على عدد من الحلول للخروج من الأزمة، وأساسا جعل المواطن في قلب هذا التغيير. مواطن شريك في المعلومة والقرار والفعل. مهما كانت الظروف.

الحقيقة كما هي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأنيق حكيمي... درس في الرجولة

الكوكايين "الوردي" ينشط حفلات أثرياء

مقالات ذات صلة