رشوة القضاة… الورطة الكبرى

كمائن التلبس والخبرات التقنية تفضح العلاقات المشبوهة في تلقي الأموال لتقديم المساعدات كلما سقط قاض أو مسؤول بالعدل، يعتبر المتتبعون الواقعة ورطة كبرى، بعد خروج القاضي عن واجب الحياد والاستقامة والتجرد والنزاهة، ويجد نفسه أمام اتهامات ثقيلة تصل إلى غرف جرائم الأموال بسبب قيمة مبلغ الرشوة المرتفع. اتهامات بالأدلة عبر نصب كمائن الرشوة في حالة تلبس عبر استنساخ الأرقام التسلسلية للمبلغ المطلوب، كما وقع مع قاض بمكناس قبل أشهر، أو اكتشاف أدلة عبر استقراء نتائج الخبرات التقنية وتصريحات المهربين المطلوبين للعدالة، كما وقع مع قاضي تطوان. إنجاز: عبد الحليم لعريبي تزامنا مع إحالة قاض على غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لمحاكمته، بعد عشرة أشهر من التحقيقات، وجد المسؤول القضائي نفسه وسط مهربين دوليين للمخدرات داخل قاعة جناح الجرائم المالية، ويقبع معهم داخل المؤسسة السجنية. ملف ثقيل في الوقت الذي انتشرت فيه فيديوهات تظهر تهريب مخدرات في رزم بمحيط المركز البحري بالقصر الصغير في اتجاه الجارة إسبانيا، وأمام أعين أفراد المركز وتغاضيهم عن النشاط المحظور، وما تلا ذلك من مقالات عبر الإعلام، تدخلت القيادة العليا للدرك الملكي التي أمرت ضباطا من الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية بالرباط بالانتقال نحو ميناء القصر الصغير والقيادة الجهوية للدرك الملكي بطنجة قصد التحقيق في النازلة. تسلسل الأحداث أظهرت التحقيقات في بداية الأمر أن هناك شبهات قوية في تهريب المخدرات، وبعد جمع المعلومات عن النازلة واستدعاء الدركيين العاملين بالمركز، وتجريدهم من هواتفهم المحمولة، اهتدى المحققون إلى هويات مهربين دوليين، ضمنهم جزائري يتردد على الناظور، وبعدها بدأت الرؤوس في التساقط تباعا، بدءا بقائد المركز البحري ومساعده والعناصر التابعة له، ويتعلق الأمر ب13 دركيا، وبعد تعميق البحث تبين أن هناك دركيين آخرين انتقلوا إلى مدن أخرى، لكن كانت لهم علاقات مع المهربين قبل انتقالهم، وهو ما فضحته الاعترافات التلقائية لتجار المخدرات الدوليين. ضابط بالدرك في قبضة الفرقة الوطنية بعدما اتسعت دائرة الأبحاث التمهيدية سقط ملازم «ليوتنان» بصفوف الدرك الملكي، في قبضة الفرقة الوطنية للأبحاث القضائية التابعة لجهاز الدرك، كما سقط إلى جانبه مسؤولون برتب مساعدين ومساعدين أولين بمراكز التدريب ببنكرير وابن سليمان، وبعدها بدأت الرؤوس الكبيرة في التساقط، وبدأ معه الجناح العسكري بالسجن المحلي العرجات 2 بجماعة السهول في استقبال المسؤولين الذين لهم صلة في النازلة. القاضي في ورطة وجد قاضي النيابة العامة نفسه في ورطة للتدخل لفائدة بارون جزائري مقابل الحصول على رشوة، فضحها تسلسل الأحداث وإيقاف المشتبه فيه وتوالي التصريحات والتصريحات المتناقضة، فأمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط الذي كان يسهر على عمل ضباط الفرقة الوطنية، باستدعاء المسؤول القضائي من أجل البحث معه في شأن التصريحات الصادرة ضد القاضي ومواجهته بوسائل الإثبات المقدمة ضده. قاضي مكناس بعد خمسة أشهر من واقعة سقوط القاضي مع تنقيله من المحكمة الابتدائية بخنيفرة نحو المحكمة الابتدائية بتطوان، سقط قاض آخر، نهاية السنة الماضية، بجريمة الرشوة بمكناس متلبسا بتلقي مبلغ مالي قدره 2000 درهم للتدخل لفائدة أحد الأطراف في نزاع أمام محكمة قضاء الأسرة، بعدما ربط الضحية الاتصال بالرقم المباشر الذي أحدثته رئاسة النيابة العامة، وأشعرهم بأن شخصا حضر إلى محله التجاري وأشعره بأن ملفه رائج أمامه بقسم قضاء الأسرة يتعلق بالتطليق، وبأنه سيخسره عارضا عليه مساعدته مقابل مبلغ مليون سنتيم، ومنحه رقم تواصله الهاتفي. ونسق المشرفون على الرقم المباشر مع الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعاصمة الإسماعيلية ليتم التنسيق أيضا مع الضحية المزعوم وفريق من الشرطة القضائية، وبعدما ضرب المشتكي موعدا مع المسؤول القضائي والتقيا بإحدى المدارات بالمدينة، وسلمه المبلغ المالي داهمته عناصر التدخل واقتادته نحو مقر التحقيق. الخبرات تفضح المستور في الوقت الذي كانت فيه الضابطة القضائية تجري الأبحاث التمهيدية أمرت النيابة العامة بإجراء خبرات تقنية على هواتف المشتبه فيهم وتوجيه الانتدابات الكتابية إلى شركات الاتصال قصد استقراء مضمون المكالمات الهاتفية الصادرة والواردة عن أرقام نداء المتهمين، ليجد المسؤولون أنفسهم أمام وسائل إثبات رقمية، كانت وراء توجيه اتهامات إلى كل طرف على حدة، كما ساعدت الخبرات في تكييف الاتهامات المنسوبة إلى المتابعين، والتي تتمثل في جرائم استغلال النفوذ والارتشاء بتسلم مبالغ مالية للقيام بأعمال غير مشروعة، والارتشاء عن طريق طلب مبلغ مالي للامتناع عن القيام بعمل من أعمال الوظيفة وحيازة ونقل وتهريب المخدرات على الصعيد الدولي وخرق الأحكام المتعلقة بحركية البضائع داخل الدائرة الجمركية وتزوير صفائح السيارات وحيازة بضائع خاضعة للرسوم عند الاستيراد وحيازة مستندات غير صحيحة...، كل حسب المنسوب إليه في النازلة. عريب: المتقاضي يساهم فيها يرى المحامي حاتم عريب من هيأة المحامين بالرباط، أن المتقاضي يساهم بدوره في الرشوة، ولا يريد الإصلاح، لأنه يبحث دائما عن مخرج لقضيته ولو كان متورطا فيها، وفي حالة عدم قضاء مآربه يعمل على استدراج القاضي أو غيره إلى كمائن لتوريطهم في الرشوة. وأكد عريب أن رشوة القضاء لا يجب أن يحاربها الخط المباشر لرئاسة النيابة العامة أو أجهزة الرقابة فقط، بل يتحمل المواطن المتقاضي مسؤولية كبيرة في هذا الاتجاه، ولا يمكن رد ثقة القضاء إلا بتحمل المتقاضي لحقوقه وواجباته وتحسيسه أن البحث عن دفع الرشوة يضر بمصلحته وبمصلحة الاقتصاد وبالقيم الأخلاقية. ونبه المتحدث ذاته إلى أنه لمواجهة رشوة الجهاز القضائي بإمكان تجويد تعليل الأحكام من قبل القضاة، لأن التعليل في حد ذاته يشكل رقابة على عمل واقتناع القاضي، مشيرا إلى أن الإصلاح يجب أن يطول حتى جهاز الشرطة القضائية عبر إعادة النظر في طريقة تحرير محاضر الضابطة القضائية. ولا يخفي هذا المحامي الشاب أن هناك نية لمسؤولي السلطة القضائية الجدد في محاربة ظاهرة الرشوة داخل الجهاز، مشيرا إلى أن الحالات التي عرضت على القضاء تبقى معزولة، وأن المسؤولية تعود بالدرجة الأولى إلى المتقاضي الذي ترسخ له في ذهنه عدم الانهزام أمام المؤسسات القضائية والبحث بمختلف السبل لقضاء مآربه ولو على حساب الغير. الــثــقــة المـــفـــقـــودة مع سقوط قاضي مكناس وتطوان توالت ردود أفعال رواد مواقع التوصل الاجتماعي، مفادها أن المساهمة في مثل هذه الأفعال الجرمية تنزع الثقة من يد القضاء. وعلق شخص على الموضوع مقدما نفسه بعبارة «حاميها حراميها» بقوله «لم نعد نثق في الإصلاح بمن يمسك حقنا. اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن»، أما المعلق باسم «قصاصة»، أكد في تعقيبه على خبر إيقاف قاضي مكناس، بعبارة «هذا ضرب من الجنون أن يذهب قاض بنفسه لمساومة المواطن في عمله. القضية يشوبها نوع من الغموض». وأفاد المعلق الثالث الذي يقدم نفسه باسم «موغربي» أن «فساد القضاء أكثر مما يهدد الوطن الذي نعشقه جميعا...يجب تطوير آليات مراقبة الفساد في الإدارات العمومية عموما والقضاء خصوصا». أما «سومية سومية» فردت بتعليق مؤثر على واقعة إيقاف القاضي الأول، كتبت فيه «حسبنا الله ونعم الوكيل.اللهم ارفع عنا مقتك وغضبك، واللهم يسر أمورنا وفرج همومنا واستر علينا بسترك يا أرحم الراحمين».

رشوة القضاة… الورطة الكبرى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تـكـلـيـف مـلـكـي

اعتقال شرطي المطاردة القاتلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات