ضحية الإعلام والأوهام

مغاربة في جحيم "داعش" 3 هاجر بسبب فتاوى وجوب الجهاد بسوريا سقطت الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وظل مئات المغاربة عالقين تحت ركامها، الرجال في السجون، والأطفال والنساء في المخيمات. وقبل أشهر أكدت لجنة المهمة الاستطلاعية المؤقتة للوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر، وجود 400 قاصر مغربي بمخيمات سوريا، 80 بالمائة منهم دون 12 سنة. وتجري في الكواليس دراسة كيفية إجلاء هذه الفئة التي تجرعت طعم المعاناة الحقيقية، بعد سقوط "داعش".في هذه السلسلة من الحلقات الرمضانية، تنقل "الصباح" الواقع المرير الذي يعانيه المغاربة العالقون في جحيم "داعش"، على لسان أسرهم بالمغرب، التي ذاقت من كأس المرارة بدورها، وتنتظر بشرى الإجلاء من الحكومة، مهما كانت العقوبات. عصام الناصيري يمكن تلخيص حكاية "م"، وهو شاب مغربي التحق بساحة الحرب بسوريا، في 2013 قبل ظهور "داعش"، بأنه ضحية الإعلام والأوهام، التي أثرت على نفسيته، وجعلته يبكى ليل نهار، بسبب قتل الأطفال والنساء، وأقنع نفسه بواجب الدفاع عن المسلمين في سوريا، إذ التحق بأرض القتال، بعدما كان موظفا حكوميا وطالبا جامعيا، حسب ما استقته "الصباح" من أسرته. تقول نعيمة شقيقة "م" الصغرى، إن شقيقها حصل على الباكلوريا في سن 17 عاما، وحصل بعدها على عمل في الوظيفة العمومية، قبل أن يستقيل ويعود لإكمال دراسته الجامعية، في تخصص الحقوق في جامعة وجدة. كان "م" حسب نعيمة، "شابا طيبا وخلوقا، مواظبا على صلاته منذ الصغر، وكان بارا بنا وبوالديه"، مبرزة أن له مكانة في قلوب الجميع، إلى درجة أن أحد أعمامي، وهو شيخ طاعن في السن، ذهب إليه أخي الأصغر في أحد الأيام، فاعتقد أن "م" عاد من سوريا، ولم يتحمل الصدمة، إذ خرج من المسجد، وأغمي عليه من شدة الفرح. لم يكن "م" يتوفر على ما يكفي من مناعة الإعلام، وفتاوى الشيوخ والدعاة، إذ تقول نعيمة، التي لم يتجاوز سنها 14 سنة، وقت التحاق أخيها بساحة الحرب، "عندما أعود أدراجي من المدرسة، أجد أخي متسمرا أمام التلفاز ويبكي بحرقة، ويدعوني لمشاهدة قناة "الجزيرة"، ويقول لي انظري إلى أشلاء هذه الفتاة المسكينة، وشاهدي ماذا يفعلون بالأطفال والنساء". في الأيام التي سبقت التحاق "م" بسوريا، تغير مزاجه ونفسيته، وكان يستهلك الأخبار بطريقة غير عادية. وتحكي نعيمة في حديثها مع "الصباح"، أن أخاها كان متأثرا بالقضية الفلسطينية، وزادت حرب سوريا الطين بلة. وفي أحد الأيام "أخبرني أن العلماء والشيوخ أباحوا الجهاد في سوريا"، (مؤتمر موقف علماء الأمة من القضية السورية بمصر). وتقول نعيمة إن التحاق أخيها الشاب، الذي لم يتجاوز حينها 25 سنة، كان بسبب فتاوى وجوب الجهاد بسوريا، وأيضا الكم الهائل الذي تعرض له من الأخبار، مضيفة "كنت الوحيدة التي أخبرني بأنه سيلتحق بسوريا، وكنت أعتقد أن الأمر سهل، أي أنه سيذهب ويعود في أي وقت شاء". لم يذهب "م" إلى أرض الحرب متسترا، بل أخبر الأسرة يوم رحيله، وتدخلت أمه وأخوه لمنعه، لكنه أصر على موقفه، وسافر لوحده، إذ لم يكن منتميا لجماعة إسلامية معينة، وبالمقابل كان له صديقان لكن بعد رحيله بدلوا مظهرهم، وغيروا أفكارهم. تقول نعيمة إنه بعد رحيله، تواصل مع الأسرة لأول مرة من تركيا، وأكدت عليه أمه أن يقضي بها بضعة أيام ويعود إلى الوطن، لكن في المرة الثانية التي يتصل فيها بعد مدة، قال إنه في سوريا، وتقول نعيمة إن صدمة الأسرة كانت كبيرة جدا، إذ ظلت أمي طريحة الفراش، ورفض فكرة العودة بحجة أن النساء والأطفال في حاجة إلى دعمه. وقع الانتظار بعد مرور أشهر، بدأت نعيمة تشعر بأن أخاها يخفي شيئا، إذ كان صوته يوحي بأنه خائف من أمر ما ولا يحق له مغادرة سوريا، إذ أخبرها أنه يود العودة لكن السجن في انتظاره"، وقال إنه رفقة مغاربة آخرين، ومنهم من جلب كامل أسرته. وكانت آخر جملة تسمعها الأسرة من "م"، هي "أود العودة لكن السجن في انتظاري، فمنذ ذلك الحين لم تسمع، أخبر هذا الشاب، لكن أسرته تحتفظ بالأمل، وتعتقد أن ابنها في أحد سجون سوريا، حسب بعض الأخبار التي ترد من هناك، لكن لا شيء مؤكد. وتعيش أسرة "م" وضعا نفسيا صعبا جدا، خاصة أنها تعيش على وقع الانتظار، وكلما وردت عليها مكالمة من رقم غريب، تعتقد أنها تحمل خبر وفاته، وتطالب نعيمة بترحيل هذه الفئة، مبرزة أن الإنسان يخطأ، والخطأ يستوجب الحساب، وكيف ما كانت العقوبة، فإن الأسرة تقبلها، إذ تقول نعيمة "دمرت حياتنا، ولم نعد نشعر بطعم الحياة، وأم مريضة جدا، وتريد أن تسمع خبرا عن ابنها، ما دامت على قيد الحياة".

ضحية الإعلام والأوهام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المـغـرب كـان يـبـدو لـي مظـلمـا

مواقع الخدمات ملاذ المثقفين العاطلين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات