أحداث وشخوص الرواية تؤرخ لحرب البوسنة والهرسك صدرت أخيرا الترجمة العربية لرواية "العسل"، للكاتب سلوبودان ديسبوت، من قبل الكاتب المغربي، سعيد بلمبخوت، عن دار "رؤية"للنشر والتوزيع بالقاهرة. وتؤرخ الرواية ذاتها، عبر شخوصها وأحداثها، للويلات والقصف والنزوح الجماعي نحو أوربا، التي عاشتها البوسنة والهيرسك(1992 - 1995). لقد تناول الروائي سلوبودان ديسبوت السويسري ذو الأصول الصربية روايته الصادرة باللغة الفرنسية في 2014 مسألة هول الحروب وأثرها على البشر، وبالتالي سيكون الإطار المكاني هو يوغسلافيا السابقة وحروبها الأهلية، وهي من المواضيع الأثيرة التي يقدّمها في كتاباته الأدبية والصحافية. ليس العسل هو الشخصية الرئيسية في الرواية، بل هي يوغسلافيا، البلاد التي مزقتها الحروب الأهلية، وأجهزت في أيام على ما تمت تسويته خلال قرون من العمل. يقول الناقد ابراهيم الحجري، في تقديمه للترجمة العربية، "إن خيار الكاتب له ما يبرره، فهو يريد أن يخاتل القارئ ويموه حدسه القرائي والتأويلي، كما أن المتن الروائي يتطرق لمقولة العسل مرات عديدة، خصوصا لما زار أحد الأشخاص الطبيبة التقليدية المتخصصة في التداوي بالأعشاب، التي أنقذت والده من موت محقق بعد أن افتدته منهم بما كانت تملكه من أموال جمعتها من أجل تسديد المستحقات الضريبية المتراكمة عليها عبر سنوات، وهو مصحوب بقدر كبير من العسل (خمسون كيلوغراما) هدية من والده لها، فضلا عن الأموال التي قدمتها لذلك المجنون كي يخلصه". ويضيف الحجري، "لم تكن المعالجة بالأعشاب تنتظر استرجاع ما قدمته من أموال التي قبلت تناولها على مضض، لكنها فرحت أيما فرح بهدية لم تكن تنتظرها، وهي كمية من العسل الذي كانت في حاجة إليه في الأيام الأخيرة بسبب الحرب، خاصة أنه مادة أساسية لتحضير العقاقير البديلة. والمصادفة العجيبة أن فيسكو الأقرع الذي تكلف بتقديم الهدية (العسل)كان في حاجة للتداوي من آفة القرع التي أصابته. وتكمن قيمة النص الروائي في تسليط الضوء على أهمية القيم الإنسانية التي تفتقد في زمن الصراعات، تلك القيم التي تشكل "العسل" الرفيع الذي يلحم الناس ويمنح العلاقات المجتمعية حميمية ودفئا ويعطي طعما راقيا للحياة. فالانشغال بتربية النحل، والتمتع بالطبيعة في أعالي الجبال مثلما فعل والد فيسكو، غير عابئ بمخاطر الحرب، وأصوات الرصاص في السهول المجاورة، نموذج يعاكس ذلك الاصطفاف المحموم حول السلاح، وبقدر ما يعزز هذا الأمر قيمة الحياة ويجعلها عذبة، فإن ذلك السلوك المنحط المراهن على الاقتتال وتدمير الطبيعة يقوضها ويهدمها. أحمد ذو الرشاد (الجديدة)