رياضات تحتضر

أنواع وصلت إلى السكتة القلبية بسبب سوء التسيير والصراعات وقلة الدعم والعزوف وأخرى تقاوم يقف أغلب المتتبعين الرياضيين أمام حقيقة صادمة، وتتمثل أساسا في تراجع الرياضة الوطنية من خلال شح الإنجازات والبطولات في السنوات الأخيرة. ويجمع الفاعلون الرياضيون في المغرب، على أن أغلب الرياضات الجماعية تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إما لقلة الموارد المالية، أو لسوء تدبير شؤونها، سواء على المستوى الإداري أو التقني أو المالي. وتعيش أغلب الجامعات الرياضية أزمات خانقة وصراعات، لتقف عاجزة عن تصحيح الوضع الحالي. مناظرة الرياضة... أين التوصيات؟ فطن جلالة الملك إلى التراجع الكبير للرياضة الوطنية، قبل 14 سنة، عندما دعا فرقاءها إلى إصلاح اختلالاتها الهيكلية، من أجل الارتقاء بها، حتى تصل إلى مصاف نظيرتها الرائدة على المستوى القاري والدولي. وانتقد الملك في الرسالة الموجهة إلى المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات في 2008، القائمين على تسيير الرياضة المغربية، مؤكدا أنها تشهد تراجعات تجسدها النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال. وتابع جلالته "إنه من التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للارتزاق، أو لأغراض شخصية إلا من رحم ربي من المسيرين". كما شدد على أن تلك النتائج غير مقبولة، داعيا المهنيين والسلطات التي تتولى إدارة القطاع الرياضي إلى التفكير في ما يمكن القيام به للخروج من هذه الأوضاع "إن تحديد المسؤوليات غالبا ما لا يتم بشكل واضح، في حين لا تتوفر عناصر الشفافية والديمقراطية في تسيير الجامعات والأندية". وشكلت الرسالة الملكية خريطة الطريق بالنسبة إلى القائمين على الرياضة الوطنية، من خلال انخراط بعضهم في تفعيل مضامينها، وتجلى ذلك في تحقيق بعض المكاسب، في الوقت الذي فضلت جامعات أخرى التغريد خارج السرب، دون أن ينجح مسؤولوها في الارتقاء ببعض الرياضات، التي تعيش السكتة القلبية. كرة اليد... الشلل ترتبط كرة اليد بمجموعة من الإكراهات والصعوبات، التي تحول دون تطورها، ما انعكس سلبا على نتائج أنديتها والمنتخبات الوطنية. وتتعدد مشاكل كرة اليد الوطنية في غياب الدعم المالي للأندية، وقلة القاعات الرياضية، ما حال دون تطور مستوى اللعبة. ويشكل العنصر المالي الهاجس الأكبر لأندية كرة اليد، بالنظر إلى محدودية الدعم المخصص لها من قبل الجماعات المحلية والجامعة، كما أن عائدات النقل التلفزيوني لا تلبي مصاريف الأندية. وتظل معظم الأندية عاجزة عن أداء رواتب ومنح اللاعبين والمدربين، أو اقتناء الأجهزة الرياضية، لهذا مازالت تعيش على إيقاع الهواية، الأمر الذي أثر سلبا على حضورها على المستوى القاري، عدا وداد السمارة، الذي يصارع لأجل تلميع صورة كرة اليد المغربية في المحافل القارية. أما بخصوص المنتخب الوطني، فيعتبر الوحيد، الذي شارك في نهائيات كأس العالم سبع مرات، آخرها في دورة مصر 2021، قبل أن يغادرها من الدور الأول، رغم المجهودات التي بذلها أشبال المدرب نور الدين البوحديوي. ورغم تراجع مستوى كرة اليد في السنوات الأخيرة، إلا أن الجامعة نجحت في إقناع الكنفدرالية الإفريقية بتنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا بالعيون وكلميم، رغم اعتراض مناوئي وحدة المغرب الترابية على إقامتها في الصحراء المغربية، ضمنهم الجزائر. وينتظر أن تشكل هذه البطولة فرصة للمنتخب الوطني للمنافسة على اللقب، أو احتلال مركز مؤهل إلى نهائيات كأس العالم. الطائرة...تحرك ولكن! مازالت الكرة الطائرة بالمغرب تعاني لأجل البقاء، بعد سنوات طويلة من التألق، خاصة على مستوى أنديتها، التي كانت تصول وتجول في القاعات المغطاة، خاصة على المستوى الإفريقي. ويبقى النادي المكناسي، أحد أبرز الأندية، التي نالت شهرة واسعة داخل المغرب وخارجه، من خلال إنجاب المواهب وتفريخها، قبل احترافها في الدوريات الأوربية. وتراجع مستوى معظم الأندية في السنوات الأخيرة، قبل أن تعود إلى الواجهة، منذ انتخاب بشرى حجيج، رئيسة للجامعة والاتحاد الإفريقي للكرة الطائرة. وتقتسم الكرة الطائرة الصعوبات نفسها مع باقي الرياضات الجماعية، من حيث قلة الموارد المالية، وانعدام وسائل التشجيع وتراجع عدد الممارسين، كما أن المدارس التعليمية لم تعد تنجب المواهب، كما كانت تفعل في الثمانينات والتسعينات. ورغم كل هذه المعاناة، إلا أن هناك مكاسب حققتها الكرة الطائرة في السنتين الأخيرتين، وتتمثل في تأهل المنتخب الوطني للكرة الشاطئية إلى أولمبياد طوكيو 2020 لأول مرة في تاريخها، بعد التتويج بلقب كأس إفريقيا بأكادير. وأضاف المنتخب الأولمبي إنجازا آخر للكرة الطائرة الوطنية، بعد انتزاع التأهل إلى نهائيات كأس العالم، التي احتضنت منافساتها إيطاليا وبلغاريا في شتنبر الماضي، إثر حلوله ثالثا في البطولة الإفريقية للأمم. ونجح المنتخب الوطني لأقل من 21 سنة في تحسين تصنيفه العالمي، إذ بات يحتل حاليا المركز العاشر عالميا من أصل 224 منتخبا. السلة تنتقل إلى المحاكم المنتخب يفقد مكانته إفريقيا ويعتذر عربيا وجمود بالبطولة تعيش كرة السلة الوطنية وضعا معقدا منذ سنوات، بسبب الصراعات والمشاكل منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق نور الدين بنعبد النبي، التي أدخلت اللعبة إلى ردهات المحاكم، وأخرجتها من القاعات الرياضية، وتسببت في مشاكل كثيرة لأندية ولاعبين ومسيرين. وفقدت كرة السلة الوطنية إشعاعها على الصعيد الوطني، بعد أن كانت اللعبة الجماعية الثانية من حيث الشعبية، بعد كرة القدم، ووصلت إلى درجة عدم إجراء البطولة الوطنية ومنافسات كأس العرش في بعض المواسم، بل أضحت تقدم اعتذارات عن المشاركة في بعض التظاهرات القارية والإقليمية، آخرها اعتذار عن المشاركة في البطولة العربية لكرة السلة، التي توج بها المنتخب اللبناني. وخرج المنتخب الوطني لكرة السلة من آخر تصفيات مؤهلة إلى بطولة إفريقية خاوي الوفاض، بعد أن انهزم أمام أضعف المنتخبات على الصعيد القاري، في الوقت الذي كان اسمه حاضرا في البطولات العشر الأخيرة، غير أن أفضل إنجاز حققه في الفترة المذكورة يبقى الرتبة الرابعة في دورة 2017. وعلى صعيد الأندية الوطنية، باتت المشاركة المغربية في المحافل الدولية والقارية تقتصر على الجمعية الرياضية السلاوية، إذ أنه النادي المغربي الوحيد، الذي يغرد خارج السرب، في الوقت الذي تعيش أندية أخرى شللا، بسبب ضعف الإمكانيات من جهة، ووضعية الجامعة من جهة ثانية. وتواجه كرة السلة الوطنية أزمة خطيرة منذ سنوات، تمثلت في نقل المنافسات من القاعات الرياضية إلى المحاكم، إذ توجد حاليا أربعة ملفات كبرى معروضة على القضاء، ضمنها ملفان أمام محكمة جرائم الأموال، متابع فيها الرئيس الحالي مع عضويين آخرين، بتهمة تبديد أموال عمومية، علما أن قيمة الأموال المتنازع بشأنها تبلغ حوالي أربعة ملايير سنتيم. وفقدت البطولة الوطنية هذا الموسم مستواها التقني، إذ يتابع الجمهور المغربي مباريات يندى لها الجبين، من خلال انتهائها بنتائج كارثية، في الوقت الذي لا تعرف فيه أخرى طريقها إلى النهاية، بسبب الصراعات بين الأندية، آخرها مباراة أمل الصويرة أمام الكوكب المراكشي، لحساب البطولة النسوية. التنس في خبر كان تخلف عن التظاهرات الكبرى وحضور محتشم في كأس ديفيس تعاني رياضة التنس الوطنية منذ سنوات، بسبب عدم تمكنها من إيجاد لاعبين أمثال يوسن العيناوي وهشام أرازي وكريم العلمي، تمكنوا من إدخالها للعالمية، بنتائجهم التي أسعدت جميع المغاربة. ولم تتمكن رياضة التنس في العشر سنوات الأخيرة من إيجاد نجوم باستطاعتهم، إعادة ما صنعه جيل العيناوي، الذي تمكن من بلوغ صدارة التصنيف العالمي، في الوقت الذي يوجد اللاعبون الحاليون في تصنيف متأخر جدا، ولا يستطيعون مجاراة الإيقاع العالمي. ورغم الإمكانيات الكبيرة التي تتوفر عليها رياضة التنس، إلا أنها وجدت صعوبات في إيجاد لاعبين قادرين على التألق على مستوى كأس ديفيس، بعد أن فقد المغرب مركزه أخيرا ضمن المجموعة الأولى، بسبب انهزامه أمام الدنمارك في نونبر الماضي. وحاولت جامعة التنس الاعتماد على إمكانيات لامين وهاب وإليوت بنشتريت، من أجل الحفاظ على مكانتها، غير أن مشاركتهما لم ترق إلى تطلعات المسؤولين وعشاق هذا النوع من الرياضة، الشيء الذي ساهم في اندلاع أزمة بالتنس المغربي، تسببت في توجيه اتهامات للمسؤولين، باعتمادهم على تجنيس اللاعبين. وتراجع التنس المغربي بشكل مهول في السنوات الأخيرة، إذ أنه لم يتمكن من التأهل إلى أولمبياد طوكيو الأخير، كما أن اللاعبين المغاربة عاجزون عن المنافسة، حتى في التظاهرات الدولية والقارية الأقل تصنيفا، باستثناء بعض الإنجازات المحتشمة، كما كان الشأن في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بـ "طركونة". ويبدو أن جامعة التنس واعية بالمستوى المتدني للاعبين المغاربة، مع إطلاقها مبادرة وطنية ترمي إلى اكتشاف المواهب، سميت "التنس للجميع"، وتستهدف فئات الفتيان والشباب، والتي لا يمكن قطف ثمارها، إلا بعد مرور حوالي ست سنوات على الأقل. وباتت جامعة التنس عاجزة حاليا عن إعادة التوهج إلى هذا النوع الرياضي، في ظل غياب الاشتغال على الخلف في السنوات الأخيرة، واعتماد الجامعة على التجنيس لسد الفراغ، الشيء الذي أفقد التنس المغربي مكانته أيضا على الصعيد الإفريقي، في الوقت الذي ظهرت فيه دول إفريقية بمستوى جيد في السنوات الأخيرة، كما هو الشأن بالنسبة إلى تونس على مستوى الذكور والإناث. التايكووندو والكراطي... الاستثناء اهتمام شريحة واسعة من الشباب برياضات كمال الأجسام تشكل رياضة التايكووندو والكراطي الاستثناء في الرياضات الفردية، بعد تألقهما في السنوات الأخيرة، ما أهلهم لولوج العالمية من بابها الواسع. وساهمت كأس محمد السادس الدولية للكراطي، المنظمة من قبل الجامعة الملكية المغربية للكراطي، وتحت الرعاية السامية لجلالة الملك، في بروز العديد من الأبطال المغاربة، إلى حد تصنيفهم ضمن الأوائل عالميا. وباتت كأس محمد السادس ضمن المحطات السبع للدوري العالمي الممتاز، الذي أنشأه الاتحاد الدولي سنة 2011، وهي المحطة التي تشمل كلا من باريس ومدريد ودبي وشنغاي وطوكيو وموسكو. ويعتبر المغرب البلد الإفريقي الوحيد، الذي يدخل ضمن المحطات السبع للدوري الممتاز، ولم يكن ليبلغ هذه المكانة، لولا حنكة الجامعة وحكامتها الجيدة في التدبير الإداري والمالي، إضافة إلى النجاح الكبير للدورات السابقة، علما أن كل دورة يشارك بها أزيد من 800 بطل يمثلون ما يفوق عن 80 دولة، وأزيد من 400 مدرب وحكم. وباتت تحصد رياضة الكراطي ثمار عملها، بمشاركة أبطالها في مختلف التظاهرات العالمية، إذ مثلها 17 ممارسا وممارسة تتراوح أعمارهم ما بين 18 و31 في بطولة دبي الإماراتية في نونبر الماضي، ونجح الأبطال المغاربة في التألق في صنفي التباري والتقنية (كاتا). وحقق الكراطي المغربي إنجازا كبيرا بمشاركة البطلة ابتسام ساديني في أولمبياد طوكيو 2020، في أول حضور للعبة بالألعاب الأولمبية، إلا أن التجربة والحظ عاكساها في الصعود إلى منصة التتويج. وقبل ذلك، خصص للبطلة المغربية استقبال الأبطال، بعد تتويجها بذهبية الدوري الدولي بباريس، وزن أقل من 61 كيلوغراما، تقديرا لصمودها لجعل النشيد الوطني يعزف في تظاهرة عالمية كبرى، في انتظار تألق المزيد من الأبطال مستقبلا. وبدوره أنجب التايكووندو المغربي عددا كبيرا من الأبطال في السنوات الأخيرة، آخرهم أميمة البوشتي، ونافس على الميداليات، في شتى المحافل، رغم غياب الدعم، وإغلاق القاعات بسبب انتشار فيروس كورونا. وسجل أيضا إقبال كبير لشريحة واسعة من الشباب المغربي على رياضة كمال الأجسام، من خلال كثرة المنخرطين في القاعات الرياضية. الشطرنج... الموت البطيء تعد جامعة الشطرنج من الجامعات الرياضية، التي لم تنعم بالاستقرار منذ 15 سنة، بسبب الصراعات والمشاكل، ما حدا بالقطاع الوصي إلى تعيين العديد من اللجان المؤقتة، لإعادة الشرعية إليها، في الوقت الذي واجه فيه مسؤولوه اتهامات خطيرة بالتزوير والاختلال في التدبير المالي والإداري. وساهم قطاع الرياضة بشكل كبير في الارتباك الحاصل في جامعة الشطرنج، بسبب عدم قدرته على إعادة ترتيب البيت من جديد، وإصراره على الاحتفاظ بالأشخاص والمسؤولين أنفسهم، الذين ساهموا في تراجع الشطرنج المغربي بشكل كبير، رغم توفره على لاعبين دوليين، استطاعوا أن يرفعوا راية المغرب عاليا. ودخلت رياضة الشطرنج النفق المسدود منذ سنوات خلت، ولم تستطع إلى حدود الآن الخروج منه، بعد أن بات مسؤولوها يضيعون أوقاتهم في التنقل بين محاكم المملكة، وتراجع العديد من الأندية عن تنظيم تظاهرات دولية، ساهمت سابقا في تحقيق إشعاع رياضي وسياحي للمملكة. ولعبت العقوبات التي تعرضت لها جامعة الشطرنج من الاتحاد الدولي، في فقدان ثقة المسؤولين الدوليين في الشطرنج المغربي، سيما أن المشاكل ارتبطت بالعديد من الملفات المتعلقة بتزوير محاضر التحكيم، وغيرها من الممارسات، التي استوجبت اتخاذ عقوبات زجرية في حق مسؤولين مغاربة. وعانى اللاعبون الدوليون المغاربة من مشاكل جامعة الشطرنج، إذ واجهوا صعوبات في خوض المنافسات الدولية، في الوقت الذي واجه الحكام الأوضاع ذاتها، بعد أن لعبت وزارة الرياضة دورا سلبيا في معالجة مشاكله. إنجاز: عيسى الكامحي وصلاح الدين محسن

الملك يبدد سوء الفهم مع الأوربيين

رسالة رياضية: موت الرياضة

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات