جرأة ضحايا فضحت سلوكات مشينة لمتطفلين لبسوا ثوب التقوى والورع لقي العلاج بالرقية الشرعية إقبالا كبيرا من قبل مواطنين من كلا الجنسين، بعد أن قدم أنه امتداد للطب النبوي، والبديل "الشرعي" للطب الحديث، الذي عجز عن علاج أمراض مستعصية، سيما النفسية. الثروة المالية التي حققها الرقاة من هذه"التجارة"، دفعت متطفلين ومشعوذين إلى دخول هذا المجال، فارتدوا لباس التقوى والورع، وحفظوا آيات معدودات من القرآن، واستعانوا بدبلومات مشكوك فيها حول درايتهم بطب الأعشاب، والنتيجة كارثية، إما المتابعة بالنصب والاحتيال أو جنايات ثقيلة، من قبيل القتل والاغتصاب. نجح رقاة في منح أنفسهم حصانة دينية لم يحظ بها حتى كبار علماء الدين، فالإشارة لهم بالسوء تجر على صاحبها الويلات، بل يتهم بالكفر والتشكيك في الطب النبوي، إلا أن نساء تملكن الجرأة وأزلن قناع الورع عنهم، وأظهروهم للناس أنهم شياطين أخطر من الجن الذي يسعون لطرده من أجساد الزوار، فالدين بالنسبة إليهم وسيلة للاغتناء والاستمتاع بأجساد الضحايا. أغلب الأحكام القضائية الصادرة تضمنت عقوبات مشددة، ليس فقط لأن الأمر يتعلق بالاغتصاب أو النصب، بل إن ما قاموا به إساءة للدين ولعلماء أجلاء، فقد الناس ثقتهم فيهم من باب "ليس في القنافذ أملس". م . ل إقبال متزايد وتخوفات من التبليغ من إمام براتب 800 درهم إلى ملياردير يملك فيلا و70 هكتارا ويتنقل بسيارات فارهة العديد من ضحايا الرقاة، لا يبلغن عما وقعن لهن، إذ يقعن تحت تأثيرات المجتمع، ويخشين الفضيحة، كما أن المتزوجات منهن يدركن أن التبليغ عن ما وقع لهن قد يعصف بحياتهن الزوجية ويشتت أسرهن، ما يدفعهن إلى التكتم وعدم البوح. ويجد الرقاة ضالتهن في من يوثقن بالعبارات الجاهزة من قبيل أنهن مسحورات أو بهن مس أو أن عملا شيطاينا يقف ضد رغباتهن وأحلامهن، ليسقطن في الفخ ويخضعن لحصص الابتزاز التي قد تصل على استغلالهن جنسيا. ولا يقتصر الأمر عند النساء، بل يمتد أيضا على الرجال، إذ أن حالات عالجتها المحاكم أظهرت أن رقاة حولوا ضحاياهم إلى مصدر ثراء. وضمن الملفات التي نظرت فيها غرفة الجنح الاستئنافية بأكادير، ملف حوكم فيه مشعوذ ظل إلى وقت وجيز يحتال على ضحاياه بقدرته على طرد الجن وإبطال السحر، عن طريق ما يطلق عليه "الرقية الشرعية"، والمتهم تحول في وقت وجيز من إمام بسيط بمسجد في ضواحي أكادير براتب لا يتعدى 800 درهم، إلى ثري يملك عقارات ضمنها فيلا في حي راق بالبيضاء، ومحلات تجارية وعقار فلاحي مساحته 70 هكتارا، ويتنقل عبر أفخم موديلات السيارات باهظة الثمن. والمشتبه فيه الذي راكم ثروته باستغلال الدين، له سابقة في النصب والاحتيال، عاود الكرة، ليرمي شراكه على شيخ إماراتي، نصب عليه في مبالغ مالية تقارب مليارين، إضافة إلى طبيب أدخله بدوره في متاهة الاحتيال بوعود خادعة واحتال عليه في مبلغ يقارب 800 مليون سنتيم، ناهيك عن ضحايا آخرين لم يضعوا شكايات ضده خوفا مما يعتقدونه أفعالا شيطانية، يمكن أن تطولهم بسبب اعتقادهم بأن له مهارات في السحر والشعوذة. ويتمحور السيناريو الذي ينهجه المتهم للوصول إلى أهدافه، حول استقطاب الضحايا تحت عنوان "الرقية الشرعية"، إذ يلبس ثوب الوقار في البداية، ويقدم النصح والموعظة، قبل الوصول إلى الجيوب، التي يفتحها كيفما شاء، بعد أن ينال ثقة الأشخاص المستهدفين. وتعرض الشيخ الإماراتي لعملية نصب واحتيال خطط لها المشتكى به، الذي تعرف عليه أثناء زيارته لإمارة أبو ظبي، إذ تظاهر المتهم، أنه رجل دين وإمام مسجد وبأنه مستثمر كبير يملك ضيعة تتجاوز مساحتها 70 هكتارا بضواحي أكادير، وبحكم اللقاءات والزيارات المتكررة، اقترح عليه الاستثمار في القطاع الفلاحي، موهما إياه بالأرباح التي يجنيها، ما أسقط الإماراتي في الفخ ليرسل له أموالا عبر تحويلات بنكية موثقة، قبل أن يكتشف أن الأمر كله يتعلق بطرق خادعة لسلب أمواله. أما الطبيب الذي وقع ضحية في مبلغ 800 مليون، فقد باشر دعوى أدين فيها النصاب ابتدائيا وقضت المحكمة في حقه بإرجاع المبلغ والتعويض، قبل أن تبرئه محكمة الاستئناف بدعوى أن النزاع مدني وأن الطرفين كانا في شراكة، وهو ما تصدت له محكمة النقض، وصححت الأخطاء القضائية المتمثلة في فساد التعليل، على اعتبار أن المتهم اقترح على الضحية تجهيز ضيعته واستغلالها واقتسام الأرباح، مستغلا معاناته أزمة نفسية بعد أن أوهمه بعلاجه. المصطفى صفر