fbpx
حوادث

ولاية الأم … الواقع يهزم القانون

أمهات يواجهن برفض الإدارات تطبيق القانون وقرارات قضائية تجعل النيابة العامة مسؤولة

رغم أن المادة 54 من مدونة الأسرة تنص على أن “للأطفال على أبويهم مجموعة من الحقوق على رأسها التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني”، ما يفيد أن تلك الولاية في غياب الأب تنتقل إلى الأم كيفما كان نوع ذلك الغياب، إلا أن الواقع يهزم القانون والنص التشريعي في حالات عدة، إذ تجد الأم نفسها في مواجهة تعنت إدارات عدة تربط الولاية الشرعية للابن بالأب لا غير، وترفض أن تمنح للأم أي وثيقة تتعلق بابنها، وهي الدوامة التي تعانيها نساء كثر، بعضهن ارتكن إلى قبول الواقع وأخريات رفضنه وتوجهن إلى القضاء للإنصاف.
إنجاز: كريمة مصلي

كثيرة هي الحالات التي تجد المرأة نفسها مطالبة باللجوء إلى القضاء لتطبيق القانون في مواجهة الإدارة خاصة في الشق المتعلق بالتعليم، وفي حالة رغبة تغيير مدارس ابنائهن وتسجيلهم لأول مرة، فتصدم بقرارات من تلك المدارس وحتى مندوبيات التعليم، التي ترفض أن تحل الأم محل الأب، رغم أن القانون يمنحها ذلك الحق

القضاء الإداري هو الحل
انتصر رئيس المحكمة الإدارية بالبيضاء، لروح القانون، أخيرا، من خلال أمر استعجالي، بعد أن قضى فيه بتحميل النيابة العامة مسؤولية تمكين أم من شهادة المغادرة المدرسية الخاصة بطفلها، تفعيلا لمقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة. أهمية هذا الأمر الاستعجالي تكمن في أنه عكس أحكام قضائية سابقة كرس دور النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة لتمكين الأم قضاء الأغراض الاستعجالية لأطفالها أمام تماطل بعض الإدارات دون حاجة للجوء الى القضاء الاستعجالي أو قضاء الموضوع.
القضية التي كانت وراء ذلك الأمر الإستعجالي، تخص اختفاء زوج عن بيت الزوجية لسنوات، ولم يعد المعيل لأسرته التي تتكون من الزوجة وطفلهما.
بعد غياب الزوج المعيل اضطرت الزوجة إلى تغيير عنوانها للعمل مساعدة منزلية، في مدينة أخرى، وسعت إلى تسجيل ابنها بمؤسسة تعليمية، إلا أن مدير المدرسة التي يتابع ابنها دراسته فيها رفض منحها شهادة المغادرة. كما راسلت المدير الإقليمي وتوصلت منه بجواب مفاده أنه لا يمكن لإدارة المؤسسة تسليم شهادة المغادرة، الا لولي أمر التلميذ طبقا للمادة 236 من مدونة الأسرة، التي تعتبر الأب وليا شرعيا على أبنائه. وهو ما دفعها إلى تقديم دعوى أمام المحكمة الإدارية بالبيضاء، تطالب فيها الاستجابة إلى طلبها وتمكينها من شهادة المغادرة المدرسية، غير أن جواب المديرية الإقليمية للتعليم وهي الجهة المدعى عليها، كان بأن المدعية سبق أن تقدمت بطلب استعجالي أمام رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة الذي قضى فيه بعدم الاختصاص، ملتمسة التصريح بعدم الاختصاص في البت في القضية، لأنها تدخل ضمن اختصاص قضاء الموضوع.

النيابة العامة هي المختصة

اعتبر رئيس المحكمة الإدارية بالبيضاء أن صلاحية السهر على تمكين المدعية من شهادة المغادرة المدرسية الخاصة بالطفل هو اختصاص أصيل يعود الى النيابة العامة، ولا يستدعي اللجوء الى القضاء الاستعجالي ولا قضاء الموضوع، بالنظر إلى أن الدعوى أسست على أحقية المدعية الأم في طلب شهادة المغادرة حتى تتمكن من تسجيل ابنها بإحدى المؤسسات التعليمية الموجودة قرب سكنها الحالي بعد اختفاء الأب وتحرير مذكرة بحث في حقه.

النيابة العامة تدخل على الخط

وجهت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالجديدة مراسلة الى المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، تحثها على تسليم شهادة المغادرة للأم المدعية، حفاظا على حق الطفل في متابعة دراسته.
وهو القرار نفسه الذي سبق للنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بميسور، أخيرا، أن اتخذته بمنح الإذن لزوجة بنقل طفليها من مؤسسة تعليمية، إلى مؤسسة أخرى إثر خلاف مع زوجها اضطرت معه إلى مغادرة بيت الزوجية، مستندة إلى المصلحة الفضلى للطفل.
واعتبر القرار أن الحق في التعليم من الحقوق المكفولة دستوريا والمشمولة بحماية المواثيق الدولية، وعلى الأخص اتفاقية حقوق الطفل لـ 1989 التي صادق عليها المغرب في 1993، مشيرا إلى أن المشرع المغربي عمل على ملاءمة تشريعه الداخلي مع اتفاقية حقوق الطفل من خلال نص المادة 54 من مدونة الأسرة التي تلزم الأبويْن معا باتخاذ كافة التدابير لتوفير حياة كريمة للطفل، بما في ذلك حقه في التعليم والتكوين الذي يؤهله للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وتهييئ الظروف الملائمة لمتابعة دراسته حسب استعداده الفكري والبدني.
وذكر الأمر القضائي أن مسؤولية الدولة في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، من خلال دور النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة، وفي ضمان تنفيذ حقوق الطفل وعلى رأسها الحق في التمدرس، ومبدأ المصلحة الفضلى للطفل والحد من الهدر المدرسي، تستوجب الاستجابة للطلب، خاصة بعدما تبين من نتائج البحث الاجتماعي الذي أنجزته النيابة العامة أن الأب غير قادر على تحمل مصاريف الأسرة، بما في ذلك مصاريف تمدرس الأبناء.

الأمر الاستعجالي

اعتبر أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب أن مثل هذا الأمر الاستعجالي نموذج عملي للصعوبات التي تواجه بعض الأمهات في القيام بالأمور الاستعجالية لأطفالهن، فوفق مدونة الأسرة يبقى الأب هو الولي الشرعي على الأبناء، ولا تنتقل الولاية الى الأم الا استثناء في حالة عدم وجود الأب أو فقدان أهليته.
وأشار سعدون إلى أنه رغم أن القانون يعطي للأم إمكانية القيام ببعض المصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب، إلا أن مديري المدارس يرفضون تسليم الأمهات شهادات المغادرة الخاصة بأطفالهن، متمسكين بمضمون مذكرة وزارية تجعل الحق في الحصول على هذه الشهادات مقصورا على الأب، لأنه ولي شرعي طبقا لمقتضيات مدونة الأسرة، مشيرا إلى أن رئيس المحكمة الإدارية اعتبر أن تخويل الأم شهادة المغادرة المدرسية لابنها لا يستدعي اللجوء الى القضاء الاستعجالي أو قضاء الموضوع، وانما تبقى الصلاحية موكولة لمؤسسة النيابة العامة لأنها الساهرة على تطبيق المقتضيات المتعلقة بحقوق الطفل طبقا للمادة 54 من مدونة الأسرة.
وبالفعل عملت النيابة العامة على توجيه مراسلة في الموضوع الى المديرية الإقليمية لوزارة التربية والتعليم، وكأن كل الإجراءات التي قامت بها الأم أمام القضاء الاستعجالي العادي والإداري كان بالإمكان تفاديها بمجرد اللجوء الى النيابة العامة المختصة التي تبقى طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة.

الأم تحل محل الأب

قال أشرف منصور جدوي المحامي بهيأة البيضاء أنه بالرجوع إلى نصوص مدونة الأسرة خاصة المادة 236 فإن النيابة الشرعية للأب في المقام الأول، مالم يجرد منها بحكم قضائي، كما للأم القيام بالمصالح المستعجلة للأبناء في حال حصول مانع للأب، وبناء على المادة 238 من مدونة الأسرة فإن من بين شروط تقلد الأم الولاية على أبنائها عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غيبة أو فقدان للأهلية أو غير ذلك، مضيفا أنه صلة بالمصلحة الفضلى للطفل، يحق “لنا التساؤل حول القيام بالشؤون المستعجلة للأطفال، فهل الزوجة التي تغيب عنها زوجها مثلا وتقدمت بمقال من أجل التطليق للغيبة وما يستتبعه من إجراءات طويلة، وهل الزوجة التي تغيب عنها زوجها ولازالت مدة الغيبة لم تبلغ أمدها القانوني، ستكون دوما في حاجة إلى اللجوء إلى القضاء الاستعجالي في كل مرة ؟؟؟
وتساءل جدوي أنه إن كان الجميع ينشد المساواة فهل فهذا يعني أن من حضر من الأبوين بإمكانه القيام بشؤون أبنائه وهاته قراءة تلاءم ومقتضيات مدونة الأسرة في المادة 4 التي جعلت الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي يهدف إلى إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين، فضلا عن كل هذا وذاك فبإسناد الولاية والقيام بشؤون الأبناء لمن كان حاضرا من الأبوين، ولمن رأى من الزوجين أن ماقام به الزوج الآخر فيه ضرر عليه اللجوء إلى القضاء.

تراند

أيدت التعليقات التي صاحبت مثل تلك القرارات التي اتخذت في شأن ولاية الأم على أبنائها، على صفحات التواصل الاجتماعي، ما أقرته المحكمة الإدارية في أن النيابة العامة، هي المختصة في تدبير الأمر، واعتبر أحد المدونين أن ذلك يشكل ممارسة فضلى ولابد من العمل على كيفية جعل هذا العمل يقتدي به ويعمم قصد التخفيف من المعاناة التي تعيشها النساء عند وجود خلاف زوجي وخروجن من بيت الزوجية.
وهو الرأي نفسه الذي سارت فيه تدوينة ثانية إذ اعتبرت الحكم يترجم بالفعل المصلحة الفضلى للطفل أولا وأخيرا، خاصة في ما يتعلق بالحق في التمدرس.
أما إحدى الجمعويات فاعتبرت قرار المحكمة اجتهاد محله وأن هناك حالات عدة يطلب فيها مديري المؤسسات اذن الزوج أو وكالته، ويبقى الطفل رهينة بين تطبيق القانون والهدر المدرسي، وهي معضلة يدفع ثمنها في الغالب الأطفال، الشيء الذي يتطلب تنزيل هذا الاجتهاد حين يوجد خلاف بين الزوج والزوجة.
تدوينة أخرى سارت في اتجاه أن الدولة تعتبر مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها، وتسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ هذه المقتضيات، وعليه فهي مسؤولة عن حماية الأطفال وحقوقهم بعيدا عن أي دوريات لأن القانون هو الأصل ولا يحق تجاوزه.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.