اختفاء القاصرات… لغز الهروب

غادرن منازل أسرهن لأسباب عديدة فنهشت ذئاب أجسادهن تخفي حالات هروب أو اختفاء قاصرات من بيوت أسرهن، العديد من المآسي الاجتماعية، وكذا الآلام النفسية والجسدية، التي حملتها فتيات في عمر الزهور، كن ضحايا التغرير بهن أو هتك أعراضهن.. فوراء حالات إبلاغ الشرطة أو الدرك عن اختفاء قاصرات العديد من الأسئلة وكذا الفرضيات التي يسوقها المحققون، جريا وراء كشف أسباب الهروب من بيوت أسرهن، كحالة الفتاة "ابتسام" التي غادرت منزل أسرتها بضواحي الغيات بإقليم آسفي، تحت ذريعة الهروب من الأسئلة المقلقة لوالدتها، لكن وجدت نفسها ضحية استغلال جنسي، من قبل شباب نهشوا جسدها النحيل وأشبعوا نهمهم الجنسي. إنجاز: محمد العوال (آسفي) تملك أفراد أسرة "ابتسام" (تتابع درستها بسلك الثانوي) الخوف، وراودتهم الشكوك، في سبب تأخر فلذة كبدهم عن الوصول إلى المنزل، عبر سيارة النقل المدرسي. انتظر الأب كما الأم، قدوم الابنة إلى غاية الساعة الحادية عشرة ليلا، فقرر الأب التوجه نحو مركز الدرك الملكي بجزولة، للإبلاغ عن اختفاء ابنته، إذ أكد للمحققين أنها غادرت المنزل ظهرا من أجل الالتحاق بالمؤسسة التعليمية، غير أنها لم تعد إلى المنزل مساء كما هي عادتها. باشرت عناصر الدرك الملكي في اليوم الموالي تحرياتها، وتبين أن التلميذة لم تحضر الفترة المسائية، فانتشرت صورها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتداول الكثيرون خبر اختفائها، غير أنه بعد مرور أقل من 24 ساعة، توصل الأب من قبل "فاعل خير" بمكالمة هاتفية يخبره بواسطتها، أنه عثر على ابنته وحيدة في حالة يرثى لها بآسفي، وأنه في انتظار قدومه. سارع الأب إلى آسفي، ومنها نحو مركز الدرك الملكي، وبمعيته ذلك الشاب، الذي أخبر عناصر الدرك، أنه عثر عليها، بحكم أن أخته تسكن بالقرب من أفراد أسرة الفتاة بالدوار. الشاب "أ.غ" أكد هو الآخر، تصريحات أبي الضحية، وأضاف أنه تحدث إلى الفتاة وأخبرها أن أسرتها تبحث عنها، ليقرر الاتصال بالأب، بعدما عثر على رقم هاتفه في إعلان البحث عن متغيبة في مواقع التواصل الاجتماعي. بعد إخبار وكيل الملك المداوم بابتدائية آسفي، أمر بتعميق البحث مع القاصر وكذا الشاب "أ.غ" البالغ من العمر 22 سنة، حول العلاقة التي تربطهما بالاطلاع على هاتفيهما. وفي الوقت الذي تعطل فيه هاتف القاصر، تم العثور على مكالمات نصية بين القاصر والشاب "أ.غ"، ليعترف بعلاقته الغرامية بالضحية، وأنها هربت من أسرتها واحتمت به، وأرسلها نحو شباب يعرفهم بحي السانية بآسفي. وكشفت الأبحاث عن تعرض الضحية لهتك العرض من قبل أصدقاء خليلها "أ.غ" وقضت الليلة برفقتهم وأنه في اليوم الموالي حضر، وتوجه برفقتها نحو مقبرة ومارس عليها الجنس، قبل أن يختلق بمعيتها سيناريو إخبار والدها بالعثور عليها صدفة. كما كشفت الأبحاث أن الضحية، تعرضت لافتضاض البكارة من قبل شخص يقوم بإصلاح الثلاجات بجزولة، منذ أقل من سنة، والذي تم إيقافه فيما بعد. خلايا الاستماع يرى المصطفى طوطو، مؤطر تربوي، أن هذه القضية تكشف إلى حد ما عن دور المؤسسات التعليمية، في تتبع حضور التلاميذ، وأن ظاهرة الغياب يجب أن يتم التعامل معها بشكل إيجابي بالاتصال المباشر، بكل الطرق الممكنة مع الأسرة لإطلاعها عن الغياب، فضلا عن ضرورة وجود خلايا الاستماع إلى التلاميذ والتلميذات والقيام بدور المصاحبة التربوية. وأضاف المتحدث، أن المؤسسة التعليمية مطالبة باسترجاع أدوارها التربوية، وأن تكون حضنا أسريا للتلاميذ والتلميذات، وليست فضاء للتلقين فقط. وأضاف المتحدث أن المؤسسات التعليمية، سيما العمومية منها، لا تقوم بتتبع غياب التلاميذ، ولا تتوفر على أندية تربوية لتأطيرهم وبناء جسور من التواصل معهم، وتأطيرهم وتوجيههم، معتبرا أن تسجيل مثل هذه الحالات يسائل بشكل أساسي المؤسسة التعليمية ومعها الأسرة، لأن مسؤوليتهما ثابتة في مثل هذه الحالات. حماية قانونية يرى حسن الريبوح، محام بهيأة آسفي، أن المشرع المغربي أفرد عدة فصول لعقوبة هتك عرض القاصر، في الفصول 484 و485 و486 من القانون الجنائي، فضلا عن جريمة التغرير بقاصر حسب ما نص عليه الفصل 475 من القانون الجنائي، مشددا على أن القانون وضع حزمة من الإجراءات والنصوص التي تحمي القاصر. وبالعودة إلى حيثيات هذه القضية، اعتبر الريبوح، أن التعليمات التي أصدرتها النيابة العامة لدى ابتدائية آسفي، استطاعت أن تغير العديد من الحقائق، وتقلب كل المعطيات، إذ أن الاستعانة بهاتفي الضحية والمشتبه فيه الأول، مكن من اكتشاف علاقته بالضحية، وأن ادعاءه بأنه ساعد الضحية بحكم معرفته بها من جهة، وكذا لأنها موضوع بحث لفائدة العائلة، أوقعه تحت طائلة المساءلة القضائية لارتكابه جنحة إهانة الضابط القضائية بتصريحات كاذبة، علما أن اعترافه بهتك عرض الضحية يعرضه للمتابعة من قبل النيابة العامة لدى استئنافية آسفي، نظرا للاختصاص القضائي. وأضاف المتحدث ذاته، أن خوف الضحية من وسطها الأسري هو الدافع، لإنكارها واقعة تعرضها للاغتصاب الجنسي من قبل شخص قبل حوالي سنة، إذ أن الضغوط الأسرية، قد تكون سببا لعدم البوح بما وقع، مضيفا أن تصريح الضحية للشرطة واعترافها بالمنسوب إليها، واحتضان أسرتها لها بعد ذلك، ومتابعة من تسببوا في الاعتداء، سيزيد من معنوياتها ويحسن وضعيتها النفسية، وبالتالي فإن المحكمة عندما قررت متابعة المتهمين في هذه النازلة، تكون قد أجبرت ولو جزئيا الضرر النفسي والمعنوي للضحية، رغم أن الآثار النفسية لمثل هذه الجرائم، تكون صعبة للغاية. وأضاف المحامي نفسه، أنه رغم الترسانة القانونية، وما أفرده المشرع من نصوص قانونية لحماية القاصرين، فإن ذلك يظل غير كاف، في غياب وعي مجتمعي بالظاهرة، وتدخل العديد من الجهات الأخرى، ومنها المدرسة والأسرة وكذا جمعيات الآباء وغيرها لتكون شريكا في مواجهة الظاهرة، وخلق مراكز للاستماع. خطورة الظاهرة أوضح علي الشعباني، باحث في علم الاجتماع، في تصريح ل "الصباح"، أن ظاهرة هروب القاصرات من كنف الأسرة لا يمكن الحكم عليها بحالة أو حالتين أو عشر حالات أو غيرها، على اعتبار أن هذه الحالات هي الاستثناء، وبالتالي فإنه يمكن القول إنها لا تهدد المجتمع، قبل أن يستدرك أن هذه الحالات –رغم محدوديتها- يجب الانتباه إليها والتعاطي معها بإيجابية. وأضاف الدكتور الشعباني، أنه لا يمكن لأي فتاة أن تهرب من بيت أسرتها، تاركة وراءها ذلك الدفء الأسري والحنان الأبوي، وبالتالي فإن من تختار الهروب من هذا الوسط وهذا الحضن، تدفعها عوامل ذاتية أو موضوعية. وبخصوص أسباب ذلك، أكد علي الشعباني، أن فتيات في فئات اجتماعية أو أسرية تعاني شظف العيش، يقررن الهروب، بحثا عن حياة أجمل وعن وضع اجتماعي أحسن، نتيجة ما تسوقه بعض وسائل الإعلام سواء السمعية أو المرئية أو المكتوبة من حياة مثالية، لكنهن يصطدمن مع وضع مخالف تماما لما تم تسويقه لهن. وأضاف المتحدث ذاته، أن من بين الأسباب كذلك، التغرير الذي تكون ضحيته بعض الفتيات، ممن يلتقين بشباب عبر الهاتف أو الأنترنيت، وينسقن وراء المغريات والكلام المعسول، ويقررن الهروب من بيت أسرهن بحثا عن رغد العيش وعن النعيم الذي سيعشن فيه، قبل أن يكتشفن أنهن يطاردن السراب. وأشار الدكتور الشعباني، في سياق تعداده لأسباب ظاهرة هروب الفتيات، إلى أن هناك عوامل مرتبطة بالوضع الاجتماعي، كأب قاس يعنف أبناءه، إذ أن الكثير من الفتيات يهربن من الواقع المؤلم، الذي يوجد فيه الأب القاسي أو الأخ الشرير، فيفضلن الهروب من هذا الوضع بحثا عن أفق ووضع آخر، لكن للأسف لا يجدن إلا الهلاك. وعلى العموم، يضيف المتحدث، فإن المجتمع المغربي مازال في معظمه متمسكا بالعديد من القيم كالحرص على الأبناء وتوفير كل المستلزمات حفاظا عليهم، إذ أن الأسرة المغربية أكثر تعلقا بأبنائها وتضحي من أجلهم. وخلص الشعباني، إلى أن الأسر يجب أن تعتني بأبنائها اجتماعيا ونفسيا كذلك، والتخلي عن السلوكات التي تنظر إلى القاصر نظرة دونية، يغلب عليها التحقير والإهانة. مصيبة ابتليت بها الأسر تفاعل رواد التواصل الاجتماعي، مع خبر اختفاء القاصر في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرت "خديجة رومدي"، عن أملها في عودة الفتاة إلى حضن أسرتها وقالت "الله ياربي الله، كيف غادي يكون حال ميمتها.. ياربي ترجع لدراهم، والله يرزق ميمتها وأباها الصبر". من جهته، نشر عبد الكبير سندي، تعليقا وصف من خلاله هروب الفتيات من منازل أسرهن بالمصيبة التي ابتليت بها ليست مناطق آسفي فحسب، بل كل مناطق المغرب. وقال سندي "قرأت اليوم أكثر من ثلاثة أخبار تتعلق بالاختفاء.. كلهم دريات.. معرفتش أشنو واقع؟ واش تداعيات كورونا هادي، ولا شي حاجة أخرى.. أنا معرفتش لاش بنت في 16 عام أو17 هربانة من دارهم فين غادية تمشي، خاص البنات يعرفوا أن الهروب من دار والديهم ماشي هو الحل". ومباشرة بعد خبر العثور على الضحية، انطلقت التهاني لأسرتها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولما نشر خبر اعتقال شخص يفترض أنه خليلها، انطلقت التعاليق، التي تكيل الاتهامات للأسرة تارة وللثانوية التأهيلية تارة أخرى، إذ نشرت "أم إسراء" تدوينة اعتبرت أن "وقوع التلميذة في المحظور، تتحمله المدرسة التي تدرس بها، وأن الكثير من التلميذات يتعرضن للعنف اللفظي والجنسي والتحرش بالقرب من محيط المؤسسة وأحيانا داخلها، لأننا نعاني من غياب الأمن بمحيطها، وصرنا نخاف على أبنائنا". أما سعيد كيميلي، فاعتبر أن هذه التلميذة في آخر المطاف ضحية انعدام الأمن بمحيط المؤسسات التعليمية، مؤكدا أنه يعاين يوميا غرباء وذوي سوابق قضائية يتجولون بالقرب من المؤسسات التعليمية في غياب الحملات الأمنية.

اختفاء القاصرات… لغز الهروب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الطالبات أكثر الضحايا

عين عودة... مرتع الإجرام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات