حكم بالسوابق القضائية
القاضي اعتمد عليها لإدانة متهم رغم إنكاره وانعدام الدليل وبرر ذلك بقناعة المحكمة
“وحيث إن جنحة السرقة موضوع المتابعة ثابتة في حق الظنين من خلال سوابقه القضائية في ميدان السرقات”، هي الحيثية التي اعتمدها قاض في إدانة ظنين رغم انعدام الدليل وإنكاره التهم الموجهة إليه، علما أنه في مثل هذه الحالات يفسر الشك لفائدة المتهم.
تقف القوانين والتشريعات والدوريات التي تصدر عن النيابة العامة أو حتى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عاجزة أمام ما تتفتق إليه عبقرية بعض القضاة في تعليل أحكام الإدانة، وابتداع وسائل إثبات جديدة غير تلك المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، من خلال اعتبار السوابق وسيلة إثبات الجريمة، تنضاف إليها متلازمة “وحيث إن محاضر الضابطة القضائية يوثق بمضمونها ما لم يثبت خلاف ذلك”، والتي من خلالها يمنح القاضي الشرعية المطلقة لتلك المحاضر، رغم أن المادة 289 من قانون المسطرة الجنائية تفيد أنه لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان الشرطة القضائية والموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية، إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته ما عاينه أو تلقاه شخصياً في مجال اختصاصه، وهي مادة يتم تغييبها والعمل بالتي تليها أي المادة 290 من القانون نفسه التي تعطي نوعا من الشرعية للمحاضر في المادة الجنحية وتجعل أنه يوثق بمضمونها، إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات، فالملاحظ أن قضاة المحاكم يقفون عن الفقرة الأولى، وتصبح بذلك صك الإدانة الذي تعتمد عليه المحكمة في تعليل حكمها، باللازمة المشهورة “وحيث إنه حسب ما هو مضمن بمحاضر الشرطة… وحيث إن إنكار الظنين مجرد محاولة… وحيث … وحيث…”.
الحكم الذي أثار نقاشات عدة صدر، أخيرا، عن قاض بالمحكمة الزجرية بالبيضاء، يخص ملفا يتابع فيه ظنين، في حالة اعتقال، من أجل جنح السرقة واستعمال المخدرات وخرق إجراءات الحجر الصحي، علل فيه القاضي الحكم على الظنين بستة أشهر حبسا نافذا، بناء على سوابقه القضائية، ولم يعر أي اهتمام للإنكار الذي ظل الظنين يتمسك به، سواء خلال الاستماع التمهيدي إليه، أو أثناء جلسة المحاكمة عن بعد، إذ ظل يؤكد أنه لم يكن في حالة تخدير ساعة إيقافه، وأنه لم يقترف سرقة الدراجة النارية المنسوبة إليه، معترفا بخرقه إجراءات الحجر الصحي.
وزاد القاضي، في تعليله الغريب للحكم بالقول “إن المحكمة من خلال دراستها للقضية من خلال وثائق الملف ومستنداته وما راج أمامها اقتنعت الاقتناع التام بأن ما نسب إلى الظنين ثابت في حقه، ويتعين التصريح بإدانته من أجل ذلك”، فهل الإنكار المتواصل للمتهم هو الذي كون القناعة لدى القاضي للحكم بالإدانة؟”.
إن الملاحظ أن قضاة الحكم أو التحقيق أو حتى النيابة العامة التي يفترض فيهم أن يكونوا أول من يؤمن بالقاعدة القانونية التي تنص عليها المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، باعتبار أن ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية، ويفسر الشك لفائدة المتهم”، لا يؤمنون بها، وهنا تقع المعضلة التي تعطي تفسيرا واضحا للهوة بين التشريع والتطبيق على أرض الواقع.
كريمة مصلي