أسفي عليك يا كازا!

هل تحتاج البيضاء إلى خطاب ملكي ثان يعري الأعطاب والتناقضات، ويفضح الكوارث الكبرى لتدبير عاصمة المال والأعمال والاقتصاد، ويعيد طرح الأسئلة المؤلمة نفسها التي تحدث عنها جلالة الملك في افتتاح دورة تشريعية للبرلمان في 13 أكتوبر 2013؟ وهل ستضطر الدولة للنزول بكل ثقلها لوضع مخطط جديد للإنقاذ، بعد أن استنفد المخطط السابق جميع إمكانياته، وتحولت بعض مشاريعه وأوراشه إلى عالة حقيقية على المدينة؟ ولماذا يفشل مسؤولو المدينة، بكل أصنافهم ومواقعهم ومسؤولياتهم، في وقت ينجح آخرون في مدن أخرى؟ إذ لا يمكن أن نقارن، اليوم، بين البيضاء والرباط وطنجة ومراكش، رغم استفادة هذه المدن جميعها من مخططات للتنمية نفسها بكلفة أقل. هذا هو نوع الأسئلة الذي ينبغي أن نواجه به، اليوم، الوالي والعمال والعمدة ورؤساء المقاطعات ومسؤولي الإدارات العمومية والمؤسسات والوكالات والقطاعات الوزارية، لأن السيل بلغ الزبى، ولم يعد البيضاويون يملكون كثيرا من الصبر. لقد منح سكان المدينة مهلة ست سنوات إلى كل هؤلاء لمجرد تنزيل مخطط للتنمية أشرف جلالة الملك شخصيا على توقيع اتفاقياته، وأعطى توجيهاته للإدارة المركزية بتوفير التمويلات اللازمة له، التي وصلت إلى 33.6 مليار درهم، كما أوصى بتسهيل المساطر والإجراءات وتوفير جميع الشروط لانطلاقة جديدة لقاطرة المغرب، تواكب الأوراش الحيوية الكبرى، التي دخلها المغرب منذ أكثر من 20 سنة. ورغم كل الإمكانيات التي توفرت للمسؤولين المحليين، ولم تتوفر لأي منطقة أخرى، فقد فشلوا في تنزيل مخطط متكامل، بل تحولت البيضاء في عهدهم إلى مدينة لا تطاق، تخنق الأنفاس وتحرق الأعصاب وتورث سكانها وزوارها أنواعا من الأمراض النفسية. لقد نجح مسؤولو المدينة، بكل مستوياتهم، في جعل البيضاء عاصمة للاختناق المروري بامتياز، بسبب النظرة القاصرة في التعاطي مع التطور العمراني والديمغرافي والاقتصادي والتجاري والخدماتي المضطرد، كما تحولت المشاريع والأوراش المفتوحة (إلى ما لا نهاية)، إلى مشكل في حد ذاته، بدل أن تكون جزءا من الحل. فحين نفتح جميع الأوراش والمشاريع في وقت واحد، ونغلق الشرايين الكبرى والمحاور والمداخل وقنوات التدفق المروري بشكل متزامن، فليس لذلك أي معنى آخر غير أن المدينة تفتقد إلى العقل المدبر، كما تفتقد إلى لوحة "القيادة" الجيدة، وبالتالي إلى الحكامة التي سبق أن اعتبرها جلالة الملك أكبر معضلات البيضاء، ومازالت إلى اليوم. إن فاقد الشيء لا يعطيه، وحين تتقدم مدن أخرى وتتأخر البيضاء، فمعناه أن هناك مشكلا "كبيرا" يجب أن يعالج قبل فوات الأوان. لقد وصل سكان المدينة حدا من القهر النفسي، ولم يعودوا يرغبون في أي شيء آخر في هذه المدينة، سوى أن يفتحوا أعينهم في اليوم الموالي على شوارع دون حواجز حديدية وطرق ضيقة ومحفرة ونفايات هامدة في كل مكان، وإشارات كثيرة للمنع. لم يعد البيضاويون يحلمون بمدينة تشبه كبريات عواصم العالم، (وهو حلم مشروع)، بل يحلمون فقط أن ينتقلوا من مكان إلى آخر في أقل وقت ممكن، دون أعصاب وتوتر. حلم صغير لا يتحقق في البيضاء. فهنيئا لكم، أيها السادة، بهذا الإنجاز العظيم. وهنيئا لكم بهذا الجحيم الذي يطلق عليه المدينة الذكية. واستمروا في النوم، فما فاز، في الأخير، إلا النُوم.

أسفي عليك يا كازا!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شكوك بالتحرش تنتهي بقتل

إيقاف مقرصن حساب فيسبوكي بالناظور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات