المبالغة في قيمة النفقة ظلم للرجل

شكري: حالات عديدة لا ينصف فيها القضاء الزوج ارتفعت، في السنوات الأخيرة، نسبة الطلاق في المجتمع المغربي، لأسباب ترتبط أساسا بارتفاع نسبة العوامل المؤدية إلى طلاق في الأسر المغربية، فكلما تزايدت هذه العوامل تزايدت نسبة الطلاق، مع ما يليها أحيانا من «ظلم» لأحد الطرفين، سيما فيما يتعلق بتحديد قيمة النفقة ماهي في نظرك أسباب ارتفاع نسب الطلاق في الآونة الأخيرة؟هناك عدة عوامل يمكنها تفسير ارتفاع نسبة الطلاق، ومنها:أولا، مازال هناك غياب الوعي بمقاييس اختيار الشريك، فالدافع الوحيد الذي يؤدي إلى الزواج ويطغى على كل المقاييس الأخرى، هو الرغبة فقط في الحصول على شريك وإنجاب الأطفال دون الاهتمام بالمقاييس الأخرى، ولكن واقع الزواج وسيرورة الزمن التي تؤدي بالشريكين إلى الإحساس بسوء الاختيار، خصوصا إذا تكاثر النزاع بينهما، فيطالب أحدهما بالطلاق.ثانيا: عدم تكافؤ الشريكين في بعض المجالات يؤدي بأحد الشريكين إلى الشعور بالغبن والخيبة تؤدي به إلى نفوره وكراهيته لهذا الزواج.ثالثا: النزاعات المستمرة بين الشريكين بسبب كثرة المشاكل تؤدي بأحدهما إلى طلب وضع حد لهذا الفضاء المتوتر والمتأزم عن طريق الطلاق، وأخيرا عدم قيام أحد الشركين بواجباته وأدواره الأسرية. ما هي انعكاسات الطلاق على المرأة؟إن الطلاق له انعكاسات على الأسرة ككل، لكن له انكاسات سلبية كثيرة على المرأة والرجل والأطفال، فالبنسبة إلى المرأة نجد أن طلاقها سواء كان الرجل هو الذي طالب به، أو طالبت به المرأة، فالمجتمع ينظر دائما نظرة سلبية إلى المرأة المطلقة ويحملها مسؤولية انهيار بيت الزوجية، وأنها لم تقم بواجباتها زوجة وأما ولم تبذل مجهودا للحفاظ على استمرار بيتها الزوجي، فالمجتمع المغربي ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة دونية منحطة، إذ يرى أنا طالبت بالطلاق من أجل الارتباط برجل أو من أجل ممارسة حريتها الكاملة في ممارسة الجنس مع الرجال، ينظر إلى المرأة على أنها عاهرة فاسقة ولا أخلاقية، في حين لا ينظر المجتمع إلى الرجل بهذه الدونية ولا يحمله مسؤولية انهيار بيت الزوجية، ولا يحاسب على علاقاته الجنسية. وانطلاقا من هذا التصور المجتمعي لا نجد مساواة بين المرأة والرجل، فما يجب أن يعلمه الجميع، هو أن الإصلاحات القانونية التي وضعها المغرب ليست كافية لضمان مساواة حقيقية بين المرأة والرجل في المجتمع المغربي. إن ما يحدث في المجتمع المغربي، في إطار الإصلاحات القانونية، لم يواكبه تغيير في العقليات ولا حتى تغيير مسبق في نظام القيم، ذلك أن أي تشريع قانوني، عندما يمارس في الواقع، ولم تتغير فيه البنية الفكرية، ولا نظام القيم، يقع تصادم وتنافر بين التشريع القانوني، وبين البنية الفكرية والثقافية ونظام القيم لدى عدد من الفئات الاجتماعية. مثلا فالمدونة الحالية للأسر ة، رغم أنها أتت بإصلاحات قانونية من أجل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، لم تستطع النجاح في ذلك، فليست هي المسؤولة عن هذا الوضع الشاذ، وإنما نظام القيم هو المسؤول عن ذلك. ما أود قوله في هذا الإطار كمثال، أن مدونة الأسرة الحالية، وإن كانت في واقع الأمر ما هي إلا نتاج لنضالات جمعيات نسائية، ونتيجة لنضالات جمعيات حقوق الإنسان، من أجل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، ومن أجل إنقاذ المرأة من الظلم والحيف والإقصاء والإكراه، بسبب العقلية الذكورية، التي لا تعترف بالمرأة ككائن إنساني يتساوى مع الرجل في كل المستويات البيولوجية والنفسية والعقلية. فهي لم تساير كما قلت سابقا تغييرا في العقليات ونظام القيم، إن المدونة الحالية ظهرت ضمن المناخ العقلي الذكوري السائد في المجتمع المغربي، الذي سبق أن أشرت إليه. ومن هنا نجد أن العقلية الذكورية التقليدية بمرجعيتها الدينية المتمثلة في الحركات الإسلامية المتطرفة، والمتمثلة أيضا في فئات من الرجال ذوي الثقافة الشعبية الإسلامية، هي التي قاومت وبشدة مدونة الأسرة الحالية، واتهمتها بالكثير من السلبيات.ففي ظل الأوضاع الزواجية الحالية التي تغيب فيها تماما المساواة بين المرأة والرجل، مثل تزويج الفتاة بضرورة حضور الولي أو تزويج القاصر بالرضا أو عن طريق الضغط والإكراه أو سيادة الزواج العرفي، والتي هي مخالفة أحيانا للمرجعية الإسلامية، في أصولها ونصوصها وفلسفتها، والمخالفة أيضا للمرجعة الإنسانية، في كرامتها وحقوقها ومبادئها، ظهرت المدونة الجديدة للأسرة، بعد نضال مرير من طرف مؤسسات المجتمع المدني، من جمعيات نسائية، وجمعيات حقوقية، التي كانت تناضل من أجل ثلاثة مطالب، وهي:أولا: احترام سن الزواج، والمطالبة بعدم زواج القاصر، وعدم اشتراط ولي الأمر عند زواج الفتاة، ومساواة المرأة والرجل في المطالبة بالطلاق، والتي تمت بلورتها من خلال إصلاح قوانين المدونة السابقة، ورغم قوانين المدونة الجديدة بقيت هذه الأوضاع الزواجية الشاذة سائدة في المجتمع المغربي.فالمرأة المطلقة لا تستطيع تحمل هذه النظرة الدونية من المجتمع، لأنها نظرة تتجسد على أرض الواقع بواسطة العنف المعنوي من سب وقذف واحتقار، و «الأنا» عند المرأة المطلقة يعيش معاناة من جراء تربية الأطفال والشغل وإكراهات وإشراطات الواقع بمختلف مجالاته مما يجعل «أنا» المرأة المطلقة تصبح له حساسية مفرطة من انتقادات الناس يجعلها تنعزل وتقع في فوبيا الآخر، وقد يصل بها الأمر إلى الانهيار العصبي والاكتئاب والوساوس القهري. فما هي انعكاسات الطلاق على الرجل ؟إن المدونة الحالية أنصفت المرأة والأطفال لكنها لم تنصف الرجل، فكان على المدونة أن تنصف المرأة والرجل والأطفال على حد سواء، صحيح أنها أمنت الوضع المادي للمرأة والأطفال معا ولكن كانت لها سلبيات عديدة. بالنسبة إليكم كعالم اجتماع، وعالم النفس ما هي معيقات المساواة بين المرأة والرجل في المغرب سواء على مستوى الطلاق الذي تجسده مدونة الأسرة الحالية أو على مستويات أخرى؟أود أن أشير في البداية إلى أن المجتمع المغربي يمر بمجموعة من التغيرات على مستوى نظام القيم والتقاليد والعلاقات والأدوار، وكذلك على مستوى البنيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تتجه هذه التغيرات نحو الحداثة الوضعية بكل أشكالها باستثناء الحداثة الميتافيزيقية التي تدخل ضمن الممنوع والمرفوض، والتي يلغيها التراث الميتافيزيقي التقليدي الذي يحتوي الحاضر وينمطه وينمذجه ويخلق بينه وبين الحداثة الوضعية مفارقة إجرائية مشوهة في التفكير والوجدان والسلوك، وهذا التراث الميتافيزيقي التقليدي يشكل في حد ذاته عائقا مدمرا لكل عملية احتواء كلي للحداثة الوضعية، من بينها المساواة بين المرأة والرجل، ينتج عنه احتواء ناقص وأحيانا مشوه لا يصل إلى مقاييس الحداثة المستعارة من الغرب. وهذه المفارقة المأزومة بين الحداثة الوضعية وبين التراث الميتافيزيقي التقليدي، تنعكس على المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع المغربي.إذن، فالوضع مخالف بالنسبة إلى المجتمع المغربي، فنحن توحدنا مع الحداثة الوضعية، لكننا لم نستطع أن نواكب منطق التغير في التوحد مع الحداثة الميتافيزيقية، لأن ثقل التراث الميتافيزيقي التقليدي، هو الأقوى في احتوائه لذواتنا ونمذجتها في الحاضر. إن ثقل التراث الميتافيزيقي، وسيرورته الملازمة للحاضر هو الذي أنتج منظومة العقلية الذكورية، وأعطاها منطقا قويا في التبرير والمغالطة، ومن تم فإن هذا التمايز الجنساني في الذات الإنسانية بين الذكورة والأنوثة، سيحضر بشكل قوي في النمذجة والتنميط في كل المجالات التي يشترك فيها الرجل مع المرأة، وفي هذا الإطار يتم الحديث في منظومة العقلية الذكورية عن وجود فرق بين المرأة والرجل لهذا لا يمكن أن نساوي بينهما.إن الكينونة الإنسانية في المجتمع المغربي ستصبح مغتربة عن الأنطولوجيا الذكورية والأنطولوجيا الأنثوية، لأن هذه الكينونة الإنسانية غير موحدة في الأنطولوجيتين معا الذكورية والأنثوية، لأنها ممزقة بين الذكر والأنثى، بسبب أن الخطاب الذكوري التقليدي يرسخ في الأذهان أن للرجل كينونة إنسانية مخالفة لكينونة المرأة. فالعقلية الذكورية في المجتمع المغربي هي التي رسخت هذا التمييز الجنسي بين المرأة والرجل في أذهان الناس، لأن العقلية الذكورية تنظر إلى المرأة ككائن إنساني من الدرجة الثانية يأتي بعد الرجل باعتبار أنها أقل منه في القدرات الذهنية والجسدية والمهارات والمثابرة والنفس الطويل وأقل منه في المهارات، وبالتالي أقل منه في كل شيء. وعلى حد قول إيريك فروم: «إن جوهر الاغتراب هو أن الآخرين يصبحون غرباء بالنسبة إلى الإنسان»، وبهذا المعنى فإن هذه الكينونة الإنسانية في حالة مواجهتها لمنطق التمايز والتفرد في فاعلية التفكير والشغل سيسلب منها وحدة الإرادة والاندماج أثناء ما تفكر فيه وتنتجه، وينعكس ذلك سلبا على ما سيتم إبداعه وإنتاجه.إن غربة الذات الإنسانية في التمييز الجنسي بين المرأة والرجل في المساواة، ستنسف كل نمطية وكل نمذجة شمولية وكل نية في طرق وتقنيات التفكير والفعل، وهذا سيؤدي مع طول الممارسة والتكرار في الزمن المعقلن أو في الزمن العبثي، إلى وضعية سيكولوجية أخرى، أكثر شراسة وعنفا وهي وضعية استيلاب الذات عن كينونتها الإنسانية. ذلك أن التفكير والسلوك يأخذان معاييرهما الأخلاقية من خلال درجة ما يحقق من سلبيات وإيجابيات، ويلغيان أصلا الهوية الجنسانية التي أنتجتهما، ومن تم فالذات الذكورية أو الذات الأنثوية لا تجد هويتها حاضرة في كل ذلك، فتقع الذات في الغربة والاستلاب.رغم وجود الحداثة الوضعية، وإكراهات الواقع وسيادة منطق البركماتية، والإصلاحات القانونية التي لعبت، دورا في انهيار التمييز الجنسي بين المرأة والرجل في المساواة في كل المجالات والميادين، لكن بقيت مع ذلك الحداثة الميتافيزيقية غائبة في منطق التفكير والتعامل والتقييم، ففي لحظة تقييم أي تفكير أو سلوك أو شغل أو طلاق تقوم به المرأة يمارس التمييز الجنسي في عدم المساواة (هديك هي خدمة المرا). بالطبع إن مطلب المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع المغربي، لن يتحقق بسهولة نتيجة غياب الحداثة المتافزيقية، كما قلت سابقا والحضور القوي للتراث الميتافيزيقي التقليدي الذي يكتسح كل المجالات والميادين، والسبب في الحضور القوي لهذا التراث الميتافيزيقي التقليدي يرجع إلى العقلية الذكورية التقليدية الحاضرة في وعي ولا وعي كل من المرأة و الرجل على حد سواء، فحتى المرأة نفسها تتصرف بمنطق العقلية الذكورية، لأنها ترسخت فيها عن طريق التنشئة الاجتماعية، فنضالها من أجل المساواة يكون أحيانا محتشما وخجولا، إذ أنها تناضل بما يسمح به الرجل. هذا بالنسبة إلى انعكاسات الطلاق على الرجل والمرأة فما هي انعكاساته على الأطفال؟إن المشاكل والصراعات الزوجية التي تحدث أمام الأطفال والطلاق، لها انعكاسات نفسية واجتماعية على الأطفال. وهذه الانعكاسات هي كالتالي:في ما يتعلق بالانعكاسات النفسية السلبية على الأطفال نجد ما يلي:أولا، أن الطفل يشعر بضياع الذات وعدم الاستقرار والأمان، مما يؤدي به إلى فقدان السند النفسي الذي يشكله الوالدان، والذي يحتاجه في الأزمات التي تصادفه في المعيش اليومي.ثانيا، إن الفضاء المشحون بالصراعات والاصطدام والشجار والطلاق، يخلق لدى الطفل شعورا بالإحباط والتعاسة والاكتئاب. ثالثا، إن العنف المادي والمعنوي الذي يراه الطفل يحدث بين والديه عند الطلاق، يربي في نفسه عدوانية سادية تجاه العالم الخارجي بما فيه والداه، ليتلذذ بالانتقام من حالة البؤس السيكولوجي الذي عاشه. فينشأ الطفل عدوانيا مشاكسا قد يؤثر ذلك على مساره الدراسي.أما الانعكاسات السلبية الاجتماعية فنجد فيها ما يلي:أولا، أن الطلاق يؤدي إلى التأخر الدراسي للطفل مما يعوق مواصلة دراسته.ثانيا، تتكون لدى الطفل صورة سلبية ومنحطة عن العلاقة الزوجية، مما يؤدي به في المستقبل إلى رفض الزواج أو حتى إذا تزوج يتوقع دائما الفشل، مما سيؤدي فعلا إلى الفشل الفعلي.ثالثا، يعيد الطفل إنتاج العلاقة الصدامية نفسها داخل أسرته عندما يكبر التي تنتهي به إلى الطلاق. هل هناك من حل للحد من الحرية المطلقة في الطلاق الذي يسمح به طلاق الشقاق في المدونة الحالية والحد من تفكك الأسرة والتعسف على الرجل؟إن البند المتعلق بطلاق الشقق فكك الكثير من الأسر المغربية، إذ أن هدفه ينبني على تحقيق رغبة كل من الرجل والمرأة في الطلاق ونسبة طلاق الشقاق ارتفعت في صفوف النساء وبدأت تقل في صفوف الرجال نظرا للإكراهات المادية التي تفرضها مدونة الأسرة الحالية والتي لم تعد تسمح للرجل أن يطلق وأن يسعى إلى حلول أخرى تحد من رغبته في الطلاق عن طريق التوافق والتواضع، بمعنى آخر أن بند طلاق الشقاق ساهم بشكل كبير في انهيار الأسر المغربية، ولهذا فإن تفكك الأسر له انعكاسات سلبية على المرأة والرجل والأطفال، وعلى المجتمع ككل فلا يمكن للمجتمع أن يكون سليما في بنائه ومكوناته بدون سلامة الأسر، فالأسرة كما يقول دوركايم هي الخلية والنواة الأولى للمجتمع وسلامة المجتمع من الانحرافات ومن معيقات النمو ترتبط بسلامة الأسرة. وفي هذا الإطار للحد من نسبة الطلاق وتفكك الأسر ومن أجل خلق مساواة في الواجبات والحقوق بين المرأة والرجل في حالة الطلاق أرى أنه لا بد من إعادة النظر في المدونة الحالية من أجل الحفاظ على تماسك الأسر المغربية وذلك على الشكل التالي:أولا، يجب أن لا يترك الطلاق بيد كل من الرجل والمرأة على حد سواء، وأن يوضع بيد القضاء وأن تعطى الصلاحية للقاضي في أن يطلق أو لا.ثانيا، في حالة وضع طلب للطلاق أن تجرى خبرة من طرف مساعدين اجتماعيين يعملون إلى جانب القاضي في ما يتعلق بضرورة الطلاق أم لا، لأنه في بعض الأحيان يكون الطلاق نزوة من الرجل أوالمرأة، وتضيع هنا مصلحة الأطفال والمجتمع ويترك القرار في أمر تنفيذ الطلاق من عدمه للقضاء. ثالثا، أن يساوي القضاء بين الرجل والمرأة في حالة الطلاق في المصاريف والنفقة إذا كانا معا يشتغلان ومتساويين في المدخول المالي، أما في حالة إذا كان أحد الزوجين عاطلا عن العمل فيجب أن يتحمل الزوج المشتغل مصاريف الطلاق والنفقة في حالة إذا ما طلبه هو. رابعا، يجب أن تحال الأسر الطالبة للطلاق على أخصائيين اجتماعيين ونفسيين لمعالجة مشاكلهم ونزاعاتهم واصطداماتهم. أجرى الحوار: خالد العطاوي

المبالغة في قيمة النفقة ظلم للرجل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

باسو: بوبكدي رشحتني للاشتغال معها

الشقاق ذريعة للفراق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات