“بوليساريو” وعودة المتقاعدين لقصر زرالدة

أغلب من كانت الجبهة تعول على رحيلهم أو إبعادهم عن ملف الصحراء عادوا أكثر قوة لطالما برع النظام العسكري الجزائري في الالتفاف على مطالب وحقوق شعبه منذ الاستقلال، مرورا بالعشرية السوداء، وصولا إلى حراك فبراير 2019، الذي طالب بدولة مدنية ومحاسبة رموز نظام بوتفليقة دون استثناء أو مواربة، غير أن محيط الجنرال السابق، القايد صالح، وعلى رأسهم اللواء محمد قايدي، نصحوه بأن يبادر بإجبار بوتفليقة على تقديم استقالته والزج بالبارزين من حكومته في السجن، لأجل تطويق الحراك قبل أن يكبر، وتصل مطالبه حد المطالبة بتطهير الجيش نفسه، وفعلا كاد القايد صالح أن ينجح في مساعيه، فأجبر الجزائريين على تصديق أكذوبة الجزائر الجديدة بواجهة مدنية يقودها وزير البناء والسكن في حكومات بوتفليقة الست، المدعو عبد المجيد تبون، إلا أن الأقدار لم تسعفه، فرحل قبل أن يكمل مخطط تركيع أحرار الشعب الجزائري، بيد أن خليفته السفاح شنقريحة استعجل الوصية، وأعاد رموز بوتفليقة للحكم سريعا، بداية برمطان لعمامرة للخارجية، وأقال ثمانية عشر جنرالا وتمت إحالة سبعة منهم للسجن، ثم أطلق سراح توفيق، وعمل على عودة خالد نزار، الذي صدرت في حقه مذكرة توقيف دولية أيام الحراك الأولى، فماذا تعني عودة رموز نظام بوتفليقة لـ "بوليساريو" وهي في أسوأ أوضاعها الداخلية والخارجية؟ ما هو مفروغ منه هو أن أوضاع الجبهة مرتبطة بأوضاع أولياء نعمتها في المرادية وقصر عنتر، ولكن ذلك لا يعني أن كل أعضاء قيادة "بوليساريو" يشعرون بالرضى نفسه تجاه التصرفات الجزائرية، فلطالما عبرت قيادات عن امتعاضها من هذه العلاقة غير المضبوطة، والتي حولت "بوليساريو"، أمام سكان المخيمات إلى مجرد دمية يحرك خيوطها المنسق العسكري الجزائري بتندوف، وكان امحمد خداد، كبير "دبلوماسيي" الرابوني، قبل وفاته، يطمئن صحراويي المخيم بقرب الفرج مع زوال حكم بوتفليقة، كما كانت قيادات، كالبشير مصطفى والمامي التامك، تبوح لبعض مقربيها أن أكبر عدو للصحراويين هو بوتفليقة، الذي قيدهم وفرض عليهم التحرك في مسافات محدودة وغير كافية. ومع عودة رموز بوتفليقة للحكم، وتمكن جماعة شنقريحة من إزاحة واسيني بوعزة وبن علي عن عُلب الأمن الداخلي، شددوا حصارهم على المخيمات، وضاعفوا الضغط على قيادة "بوليساريو"، وضربوا حصارا خانقا على المخيم، إذ وصل الأمر حد مطالبة مسؤولي الجبهة بتقديم طلب للخروج من المخيم لمكتب التنسيق العسكري قبل مغادرته. وبخصوص ملف مرض إبراهيم غالي، وما أعقبه من نقاش مفتوح بين إطارات الحركة حول مدى قدرته على استكمال تزعمه للرابوني، فإن السلطات الجزائرية لا تزال تفرض وصاية مشددة على هذا الملف، وتباشر الإشراف عليه، تماما كما كانت تفعل مع مرض محمد عبد العزيز. ورغم اجتماعات مكتب أمانة الجبهة شبه الأسبوعية، إلا أن أيا من أعضائه يمتلك حقيقة وضع غالي ومكان وجوده منذ أسبوعين تقريبا، وقد عاد نجله الولي مرفوقا بشقيقته نصرة إلى المخيم، ما يعني أن المخابرات الجزائرية لا تريد لأي خبر أن يتسرب، ما فتح المجال لمختلف التأويلات وبدأت قيادات فعليا بإطلاق حملات جس نبض الشارع من خلال طرح أسماء بإمكانها الوصول إلى القصر الأصفر، قبل أن يرتب عسكر بن عكنون ظهور غويلي إلى جانب عمر بلاني، وكأن المؤسسة العسكرية الجزائرية تقول "دعونا نرتب البيت الداخلي الجزائري أولا"، وهو ما زاد الوضع ضبابية لأن أغلب من كانت "بوليساريو" تعول على رحيلهم أو على الأقل إبعادهم عن ملف الصحراء عادوا أقوى من ذي قبل، وعلى رأسهم لعمامرة، المعروف باحتقاره لقيادة الجبهة، ومعاملته السيئة لهم، كما أن شنقريحة يعرف الرابوني جيدا، وعلى اطلاع بما يحدث هناك وهو ما سيسهل عليه إعادة هيكلة الجبهة بعد وفاة أبرز القيادات الموالية للجزائر كعبد الله البلال وسيد احمد لبطيل، وسوف ترشح عن محاولة ترميم "بوليساريو" هذه ملامح زعيم الرابوني الجديد.

“بوليساريو” وعودة المتقاعدين لقصر زرالدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المعارضة التي نريد

سأسحب شكايتي حتى لا أكون متهما!

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات