العربي لويز… “البيكادور”

حراس تازممارت...ملائكة وشياطين 5 في تازممارت الرهيب، كانت تتصارع إرادتان على مدة 6600 يوم كاملة: إرادة الموت القاسي والمجنون، وإرادة الحياة والإصرار على النجاة مهما كلف الأمر. وكما كان لآلة الدمار "ضباطها" الذين لم يغمض لهم جفن لإنزال أقسى العقوبات على المعتقلين، كان للمقاومة حراسها وملائكتها التي رفرفت، منذ اليوم الأول، فوق سماء العمارتين "أ" و"ب"، وتكبدت مخاطر كبيرة من أجل إخراج الأشباح من جحور الظلام إلى نور الحياة. وخصصت للملائكة والشياطين فصول وصفحات من مذكرات وسير روائية كتبها ناجون وعائلاتهم، فدونت أسماء الأولى بمداد من فخر وانتصار للإنسانية مهما كان حجم الاختلاف، وأسماء الآخرين بمداد من عار فقط لأنها أساءت التصرف، وأفرطت في تنفيذ الأوامر. إعداد: يوسف الساكت كان يدس المغرفة في الإناء بسرعة واقتصاد خوفا من ترك الآخرين دون طعام يقول عنه أحمد المرزوقي "إذا كان "اللويز" يعني بلغتنا العامية قطع ذهب، فإن العربي لويز كان اسما على مسمى. أو بعبارة أوضح، كان معدنا خالصا نفيسا يسطع بالخير والنبل والإنسانية في ليل تزممارت الرهيب". ويكفي القول بأن الكثير من السجناء مدينون له بالحياة، نظرا إلى العمل الإنساني النبيل الذي قام به دون أن يرجو من أحد جزاء ولا شكورا، حسب ما ورد في كتاب "الزنزانة10". يتحدر العربي من نواحي بني ملال. وكان يناهز الأربعين حين تعرف عليه السجناء أول مرة. وهو رجل أنيق المظهر، مديد القامة، ممشوق القد، أسمر اللون، مليح القسمات. وكان متزوجا وأبا مثاليا لعدة أطفال، ولم يمنعه ذلك من المخاطرة بنفسه وبأسرته، (وهو الذي شهد ما تعرض له لاجودان شاف خربوش) ليفعل الخير كلما سنحت له الفرصة. يقول المرزوقي "كانت جيوبه مملوءة دائما بقطع الخبز والتمر والحلوى والسكر، يفرقها علينا بالتناوب دون تفضيل سجين على آخر. وكان يشعرنا في حديثه معنا بإنسانيتنا مستعملا في كلامه الرقة والأدب واللين والحث على الصبر وتفويض الأمر لله. وكم من مرة شاهدناه وهو يمسح دمعة سائلة على خده تحسرا على رفيق يحتضر أو آخر يتوجع. ولم يكن يبخل في مثل هذه المناسبات بالدواء الذي كان يشتريه من جيبه، وهو يعلم علم اليقين أن ذلك لن يجدي نفعا وإنما القصد منه الالتفاتة الرحيمة وإدخال شيء من الدفء إلى القلوب البائسة. وفي مرحلة من المراحل، أطلق عليه السجناء لقب "البيكادور"، نظرا إلى طريقته المتميزة في تفريق الطعام. "فقد كان يدس المغرفة في الإناء بسرعة واقتصاد خوفا من ترك الآخرين دون طعام، ما أوحى إلى بعضنا بصورة "البيكادور"، وهو في الحلبة يعطي للثور طعنات سريعة ودقيقة. "فقد لاحظ العربي أن بعض الحراس يفرقون علينا الطعام بسرعة مفرطة ليبقوا معنا أقل وقت ممكن في العنبر. وكان ذلك يتسبب في إعطاء الأولين أكثر من حقهم وترك الباقين منا بدون أكل. فأخذ العربي لويز مبادرة تفريق الطعام، وأخذ يعطي لكل ذي حق حقه، حتى إذا ما انتهى من التفريق وفضل شيء من الطعام أعطاه لنا بالتناوب. ويواصل المرزوقي "وإن نسيت شيئا من فضائله، فلن أنسى له أبدا تلك الالتفاتة الإنسانية غداة مجيئنا إلى تزممارت، وقد كنت أتألم ألما مبرحا في رأسي جراء البرد القارس، الذي كان يفعل في رأسي الحليق فعل المنشار في العظام. فقدم عندي ذات مرة، ورمى لي بطربوش من الصوف كان بالنسبة إلى حينئذ عتقا من النار". اشتغل العربي لويز من 1973 إلى 1982 بالمعتقل، حيث أرسل مع زميليه القاسيين "السلك" و"فوكسطروط" إلى الأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس لخوض مباراة الترقية إلى رتبة ضابط بعد شهور من التدريب، فرسب الشريران ونجح الرجل الفاضل.

العربي لويز… “البيكادور”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأنصاري... "أنا وخويا وبركة الريصاني"

شاركت مصابا بأمر من جنرال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات