أي نخب سياسية لتنفيذ النموذج التنموي؟

انتخابات 2021 كشفت ترحالا وقيادات ضعيفة وتلاشي مفهوم المناضل بقلم: ذ. احمد ازيرار * إنه حقا من الصائب جدا أن تجرى الانتخابات في وقتها المحدد. فرغم ظرف الجائحة، التي يخشى أن تبقى ملتهبة لوقت لا يعرف مداه، ارتأت الدولة ألا تؤجل الاستحقاقات لكي تعطى للديمقراطية فرصة جديدة للتقدم الى الأمام ولحلحة المشهد السياسي. وبالفعل سوف يكون لا محالة للجائحة أثرها الكبير على سير الانتخابات وعلى نتائجها، كما أنه كان منتظرا مبدئيا أن يكون للنمط الانتخابي الجديد تأثيره كذلك. إن اقتران الانتخابات المحلية والجهوية والوطنية، وحتى رمزيا، إقرار إجرائها يوم الاربعاء بدل الجمعة، أعطى للمشهد السياسي صبغة جديدة وجب التأقلم معها، إذ تراءت للنخب السياسية أهمية الاستحقاقات على الصعيدين المحلي والجهوي وذلك نظرا لما أضحى للشأن المحلي من اهمية قصوى، خصوصا وأن الاصوات المحصل عليها على هاذين المستويين صارت أساسية لبعث ممثلين إلى البرلمان. كما أن التمثيلية البرلمانية لم تعد من الأهمية بما كانت عند الأثرياء الجدد أصحاب المصالح الذين كانوا يبحثون عن الحصانة البرلمانية التي قل إعمالها، أضف الى ذلك إلغاء نمط التقاعد مدى الحياة الذي لم يعد يشجع بعض المرشحين. كما أن استبدال لائحة الشباب ودفع التمثيلية النسوية الى المستوى الجهوي زادا من تغيير المشهد لصالح زعماء الأحزاب ومكاتبهم "السياسية" المسنة، التي سوف تضمن بواسطة هذه اللوائح مقاعد برلمانية بموجب الأصوات المحصل عليها. عصر المناضل انتهى أضحى إذن البحث جديا عن المرشحين المحليين القريبين من نبض الشارع والدرب والقرية، والقادرين على تحمل أعباء الانتخابات ماديا ومعنويا، والمؤهلين للدخول في تحالفات على أساس المصلحة ليس إلا، هو أساس الحركية السياسية الجديدة التي يمكن أن توصل الى المؤسسات المنتخبة المنتظرة. عصر المناضل ولى الى غير رجعة في الكثير من الاحزاب. كما أن الزعامة والتسيس الحزبي عادا مهنة تسييرية محضة، ليس المبتغى منها دائما دخول غمار الانتخابات من طرف " الأبارتشيك"، بل لإيجاد الطرق الناجعة لاستقطاب المرشحين اللذين لهم الحظ الأوفر للنجاح. الزعيم أصبح في الغالب ليس هو المناضل المؤهل نظريا وسياسيا أو الحامل لهموم مجتمعية أو طبقية معينة، بل هو الشاطر السياسوي الذي ينسل انسلال الشعرة من عجين الأحزاب، و ذوي الخلطات التي لا يحسن دلكها الا محترفون متمرسون. تحالفات هجينة هذا غيض من فيض مما أبان عنه "للزعماء" المسلسل المضني لتهيئة الانتخابات الذي نعيشه. تلك التهيئة والتعبئة اللتين انطلقتا مبكرا وتعمقتا تحت الجائحة التي تدوم منذ شهور متعددة، خالقة أزمة غير مسبوقة وذات تبعات متنوعة وكثيرة، اجتماعية واقتصادية ونفسية، أضرت بكثير من السكان، كما أغنت في الوقت نفسه قطاعات معينة. تعبئة اتسمت بتعمق الحسابات المصلحية الضيقة التي أدت إلى ترحال كبير واستقطابات متعددة من كل صوب وحدب عرفها المشهد الحزبي دون أن تكون لها أسس إيديولوجية أو مذهبية محددة. رأينا اليساري يحط الرحال عند اليمين كما رأينا "الرجعي" يتساكن مع "التقدمي". ورأينا تحالف اليسار يتهاوى. وتحالفات هجينة تبنى. كما عاد "الوافد الجديد" القديم أنقى وأصلح. أما المقبلون الجدد على السياسة من الراغبين في الترشح، فأطبقوا يساومون جميع الحوانيت السياسية على اختلاف تلوينها قبل أن يختاروا ذلك الذي سوف يؤمن لهم أحسن المواقع الممكنة. زد على ذلك والأهم أن مدة حكم الحزب الحالي المترئس للحكومة طالت أكثر من اللازم وأبانت عن قدرة تسييرية ضعيفة، الشيء الذي قرب بدون شك وقت تغيير التحالفات التي سوف تقود المرحلة المقبلة. هذا بالضبط ما أدى الى تعميق الترحال. الشاطرون سياسويا يريدون أن يتموقعوا في الصف الغالب بطبيعة حالهم. الجائحة تعصف بالأحزاب من المؤكد أن الجائحة أبعدت النخب الحزبية أكثر من القواعد، خصوصا وأن الأحزاب بمجملها ارتبكت أمام الجائحة أيما ارتباك، وأمحى أثرها تماما أمام التعبئة المبكرة والجدية للدولة التي تصدت للأزمة الصحية، وما تبعها من آثار وخيمة أحدثها فيروس كورونا المستجد. كما أن الارتباك في مجال الخطاب والتواصل كان بينا لدى طواقم الأحزاب. قليلة هي الهيئات السياسية التي أتقنت التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعية التي اكتسحت المشهد الإخباري، وغيرت رأسا على عقب كيفية التواصل. أمر أهم، هو مؤشر آخر على عدم قدرة الأحزاب على تحفيز الشباب للمشاركة في المسلسل الانتخابي لما كان للتسجيلات الجديدة من ضعف سوف يبقي الشرائح الشابة خارج التنافس الانتخابي. ضعف المشاركة وارد دون شك. من جهة أخرى، شكلت البرامج المهيكلة التي أطلقتها الدولة بسرعة وجدية، مثل تعميم التغطية الاجتماعية ودعم ملايين الأسر والمقاولات وتسريع عملية التلقيح وتبسيط المساطر، وتفعيل صناعات بديلة، وكذا الإعلان عن النموذج التنموي الجديد الذي باركه ملك البلاد، شكلت أمورا أبهتت أكثر بريق النخب السياسية الباهت اصلا منذ مدة طويلة. لذا فإن الانتخابات الحالية أظهرت أن الأحزاب الرئيسة وكأنها تتعامل مع بعضها بنوع من الاحترام المبالغ فيه. تعامل "اوليغوبوليستيكي" كما هو الحال في بعض القطاعات الاقتصادية. التعامل مثلا عاد عاديا من طرف الأحزاب مع أعضاء من حزبهم يهاجرون الى أحزاب أخرى، لأنهم بدورهم يستقبلون بصدر رحب وافدين مهاجرين. أصبح عاديا كذلك أن تسعى كل الأحزاب لاستقطاب الكثير من المرشحين من ذوي النفوذ، ولو على حساب أحزاب حليفة. اما استقطاب المتحزبين الجدد ولو كانوا ضعيفي النفوذ فهو كذلك مرحب به نظرا لقلة المناضلين والذين لم يعد مرغوب فيهم على كل حال من طرف زعامات لا تريد الظل من أي كان، لا لشيء عند العديد من زعماء الأحزاب التي لاحظ لها للوصول الى الحكومة أو حتى إلى تكوين فرق برلمانية، سوى البحث عن أصوات معدودة تعطيها الحق في الدعم المادي المقدم من طرف الدولة. وهم يعرفون كم هو مهم ذلكم الدعم للبقاء في الحياة للكثير من أحزابهم. الأمر الذي يطرح أسئلة مثل تلك التي قيلت في المناظرة الوطنية للضرائب: "هل الأحزاب التي تعيش بدعم دافعي الضرائب سوف تدافع حقا عن خفض الضرائب وعن القضاء عن الريع السياسي؟ عودة قوية للدولة إن كل هذه المتغيرات السوسيولوجية عامة، والسياسية على الخصوص، تنبئ بتحولات قادمة وعميقة. أولها أن عودة الدولة بقوة الى الواجهة بأذرعها الفاعلة، من أمن وداخلية وخارجية وشؤون إسلامية، أمر طبيعي في دولة متجذرة. عادت الدولة إلى التمكن بقوة من مقاليد التسيير وفي الوقت نفسه من تكثيف للتعاطف الشعبي حولها. خصوصا وأنها أبانت عن تسيير محكم للجائحة ولتبعاتها. كما أن النجاحات التي حققتها الدبلوماسية الملكية على واجهة الوحدة الترابية ومواجهة المتحاملين على البلاد وثوابتها، أعطى الدليل القاطع على أن الوحدة الوطنية الصلبة تحت ظل الملكية هي أنجع الوسائل وأسرع الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية الشاملة، وتقوية الحضور الفعال للمملكة على الصعيد الجهوي والقاري والدولي. اقتنعت جل الأحزاب بمحض تفكيرها على أنها لن تلعب في الظروف الحالية إلا أقساطا معينة من الأدوار الحساسة على الصعيد الوطني، وأن توحيد الرؤى حول الأولويات الملحة هي الحل الافيد. لذا فأغلبها تبنت النموذج الجديد ورحبت بالميثاق وبلجنة التتبع المقترحة، حيث عاد من المؤكد أن أحزابا محدودة العدد هي التي سوف تكون الحكومة، تحت قيادة جديدة أكثر تقنية، وأن الباقي من الأحزاب وحتى المنتخبين غير المتحزبين سوف يضمنون على كل حال مقاعد بموجب القانون الانتخابي الجديد وسوف يتمكنون من اسماع أصواتهم في معظم المؤسسات الوطنية والمحلية، كما هو الشأن كذلك في الغرف المهنية التي عاد إلى جلها الرؤساء القدماء بتحالفات "قسمة الكعكة" كتلك التي تمت بالدار البيضاء. هل كل هذا سيعمق الديمقراطية. نتمنى ذلك. يخشى أن تشتت المقاعد سوف يعقد سير المؤسسات بحكم تنوع التحالفات، كما أن لهجة النقاش السياسي سوف ترتفع على جميع الأصعدة والواجهات. هذا ما قد يضيع وقتا أحوج ما نحن في حاجة ماسة إليه. هذا ما سيعطي للدولة قوة أكبر للعب تحكيم أوسع على واجهات متعددة. هذا ما سيوضح الأمور الحزبية أكثر كذلك ويعطي للأحزاب التي ستثبت فاعليتها المكانة الضرورية المستحقة. كل مغربي سوف يعرف من يكون من، وما محله من الإعراب في مغرب يسرع الخطوات. * فاعل جمعوي

أي نخب سياسية لتنفيذ النموذج التنموي؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خبيرة: الخطاب الملكي واضح وذو رؤية ثاقبة ويحمل أجوبة على عدة قضايا

آسفي يوقع للهاني وأبو علي

مقالات ذات صلة