مهنة العدول إلى أين؟

القانون الجديد المنظم للمهنة لم يحمل سوى مواد أكثر تشددا إن المتتبع لتاريخ المهن الحرة بالمغرب والمرتبطة بوزارة العدل ليجد أن مهنة العدول هي أقدم مهنة في تاريخ الدولة المغربية لعدة اعتبارات منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي، ومع بداية الاحتلال الفرنسي، تنبه هذا الأخير للدور المحوري الذي تقوم به مهنة التوثيق العدلي دينيا وسياسيا في الثقافة والتراث المغربي. تعتمد كل البحوث والدراسات على الوثائق العدلية للاحتجاج بها والاستشهاد بها، ومع هذا الدور الذي كان لمهنة التوثيق العدلي ارتأى الاحتلال الفرنسي بعد أن بسط نفوذه عسكريا على التراب المغربي، إلا أن يعمل جاهدا على زعزعة وخلخلة كل ما هو ثقافي واجتماعي بغية الوصول إلى بسط هدفه السياسي الاستعماري، وقد تأتى له ذلك نظرا للدور الضعيف الذي كانت تعيشه الدولة المغربية آنذاك، حيث استطاع مبتدئا بتنظيم مهنة العدول والعمل على تقزيم دورهم كفاعلين داخل المجتمع وتغليب كل ما هو فرنسي عليهم واستحداث مهن أخرى منافسة لهم وتمتيعها بالامتيازات والأفضلية΅ إذ أن الدارس لهذه الحقبة يتبين له ذلك بجلاء ووضوح تام.ومع فجر الاستقلال΅ كانت مهنة التوثيق العدلي هي أول مهنة تنظم في إطار قانوني قبل صدور قانون الحريات العامة΅ وذلك مباشرة بعد إمضاء وثيقة إكس ليبان بفرنسا، وهذا الموروث التاريخي والديني والسياسي ظلت الوثيقة العدلية، والعدول يجابهون كل التحديات التي عرفها المغرب الحديث بالاجتهاد والعمل بهدوء وصمت ضمانا لحقوق المواطنين ودفاعا عنها دون أن تعرف هذه المهنة أي تطور في الجوهر، سوى أنها عرفت مقابل ذلك الإجهاز على مجموعة من الحقوق والمكتسبات التي كانت للعدول، وأعطيت بدون وجه حق وبدون احترام لمبدأ تكافؤ الفرص لمهن أخرى مع تفضيلها وتمتيعها بوسائل وآليات عمل متطورة ومتقدمة مسايرة للتطورات والتغيرات التي تعرفها المجتمعات البشرية، بينما ظلت مهنة العدالة والعدول التاريخية والأصيلة حبيسة مكانها وحبيسة الخطط التي حددها الاحتلال الفرنسي لها آنذاك، وأصبح ينظر إليها وإلى مزاوليها نظرة التحقير والاستهجان مقارنة مع غيرها من المهن، ومع هذا كله ظل العدول صامدين متشبثين بمهنتهم، مدافعين عنها إلى أن تم النظر في تنظيم المهن في العهد الجديد بتفعيل الهيأة الوطنية للعدول التي ظل العدول يطالبون بها من مؤتمر مدينة العيون سنة 1991 إلى أن تم ذلك في إطار القانون 16.03 سنة 2006، إلا أن الخيبة هذه المرة كانت أكبر من سابقاتها، حيث أن القانون الجديد المنظم للمهنة 16.03 لم يحمل معه جديدا سوى مواد أكثر تشددا، كالرجوع لشرط الأذونات وإبقاء خطة العدالة تراوح مكانها، وكأن هذه المهنة لا تعرف أي تطور، وأن العدول مازالوا هم العدول الذين عمل الاحتلال الفرنسي على حشرهم ودسهم في مهنة التوثيق العدلي لإعطاء صورة كارثية ومشوهة عن العدول، متجاهلين أن المهنة لا يلجها حاليا إلا حاملو دبلومات عالية من الدكتوراه والإجازة ووافدين من وزارة العدل من سادة قضاة ومنتدبين قضائيين وغيرهم ممن تتوفر فيهم الشروط لاجتياز المباراة وفترة التمرين بالمعهد العالي للقضاء وإبقاء العقد العدلي في شكله ومضمونه كما كان عليه العمل به من قرون خلت مع الإجهاز من جديد على حقوق العدول ومكتسباتهم، وذلك بجعل مهنة النساخة لصيقة بمهنة العدول، وهي مهنة شبيهة بما كان عليه الأمر في عهد الخلافة الإسلامية من وجود نساخ وكتاب لإدراج العقود خطيا بكنانيش المحكمة، كما أن الحواسيب والإعلاميات لا وجود لها ولا وجود لها في ذهن وفكر صاحب من شرع مهنة النساخة، عملا بالمثل العربي الدارجي (إلى ما قدو الفيل زادوه الفيلة)΅ وبخلق عداوة وبغضاء بين السادة العدول وبين شباب في مهنة النساخة΅ وإن التاريخ لن يغفر أبدا لمن كان وراء هذا العمل، حيث كل استفسار من المواطنين حول طريقة عمل العدول في وقتنا الراهن يندهش لهذا التضارب والتضاد بين شباب وأساتذة من مستوى عال ومشرف وبين طريقة عمل بدائية وبوجود مهنة تم إلصاقها بمهنة العدول، ضدا على التقدم ومصلحة البلاد باعتبار أن مهنة العدول هي تراث المغاربة جميعا، ويجب العمل على تطويرها و الدفع بها إلى الأمام، ومما لا يقبله العقل والمنطق كيف أن العدول ينشئون الرسوم ، ويعملون على تلقيها وتحريرها وتحمل مسؤوليتها الكاملة وليس لهم الحق في استخراج نسخ منها وهذا ضرب من ضروب الحمق عملا بالمثل الدارجي (شوف واسكت)΅ إضافة إلى مجموعة من العراقيل التي تنفر المواطنين من العقود العدلية ومن العدول حيث لابد من وجود عدلين ولابد، ولابد.. الخ، مع العلم أن المواطنين قانونا مجبرون بهذه العقود وهذه كلها أمور ما أنزل الله بها من سلطان إلا من حقد دفين وكراهية تجاه العدول وتجاه كل ما هو متجدر أصيل لطمس الثقافة والهوية المغربية، بحيث جعلوا مهنة العدالة مطوقة بسياج من الأعراف والتقاليد ترجع كلها إلى العهود البائدة، ولا يسمح لها أبدا بالتقدم نحو الأمام ونحو التطور، حتى الهيأة الوطنية التي تم انتخابها، والتي كان يرجى منها العمل على فك الحصار المضروب على مهنة العدول وعلى الدفع بالمهنة إلى مسار المهن المتقدمة، وجعلها مواكبة للتطورات التي يعرفها المغرب.إن أعضاء الهيأة الوطنية ومكتبها التنفيذي ظلوا حبيسي رؤى ضيقة ومفاهيم خاصة وتفسيرات خاطئة لموارد الهيأة وأحداث تمبر على الرسوم العدلية أو ما يسمى الدمغة يستخلص عن كل عقد ينجزه العدول إضافة إلى واجب الاشتراك السنوي والمحدد في مبلغ ثمانمائة درهم هكذا 800,00 درهم وواجب الانخراط للعدول الجدد والمحدد في ألف درهم هكذا 1.000,00 درهم، ومداخيل مذكرة الحفظ في 150,00 درهم وواجب الشارة الخ وظل رئيس الهيأة الوطنية والمكتب التنفيذي طيلة الفترة السابقة والفترات التي سبقتها حينما كانت تسمى الهيأة الوطنية بدون سند قانوني من سنة 1994 إلى سنة 2006 وبدون تغيير في الوجوه لا نقاش عندهم، إلا مناقشة تحصيل الموارد المالية متجاهلين مشاكل العدول المهنية والجوهرية الآتية والمستقبلية سواء المتعلقة بتقديم اقتراحات مدروسة قصد تعديل وتغيير بعض المواد لقانون 16.03 للدفع بمهنة العدول إلى مسار المهن الأخرى، وفتح الحوار مع الجهات ذات الصلة الوثيقة بالسادة العدول من وزارة العدل ووزارة المالية ووكالة المحافظة العقارية ووزارة الداخلية ووزارة الإسكان وغيرها من الجهات لتحسين الخدمات وتبسيط وسائل العمل لدى العدول وتيسيرها لدى المواطنين بدون عراقيل وموانع وجعل الوثيقة العدلية من أولويات المجتمع المغربي، ومقابل هذا زرعت الهيأة الوطنية لمدة عقدين من الزمن تقريبا بذور التفرقة والتشتت بين العدول جهويا ووطنيا.كما أنه في حدود علمنا لم تنظم ولو مرة واحدة أيام تكوينية أو دراسية لا جهوية ولا وطنية ولا مشاركة عربية ولا إسلامية ولا غيرها لفائدة العدول سوى النقاش الدائر حول جمع واستخلاص الواجبات المالية، كما أن الهيأة الوطنية والمكتب التنفيذي غائب غيابا مطلقا عن جميع القضايا الوطنية والمصيرية التي يعرفها المغرب، ومن ذلك غيابه كهيأة وطنية في المسيرة المليونية بالدار البيضاء المناهضة للإعلام العدائي الإسباني سوى بعض العدول الوطنيين اللذين حضروا بصفتهم الشخصية، والمجال لا يسع هنا΅ لأن الملاحظات كثيرة ومتعددة، وستأتي المناسبة لوضع النقط على الحروف لفضح بعض اللوبيات التي ترغب في تسخير مهنة العدول لأغراض غير أغراضها، ومع هذا كله بقي السادة العدول في محنتهم وحدهم يصارعون الخروج من هذه المرحلة وفك الارتباط مع جميع الجهات التي تعيق سير وعمل العدول، ومن ذلك أخيرا الإجهاز على حق السكن الاجتماعي من مهمة العدول مع العلم أن العدول هم الأقرب إلى الشرائح الاجتماعية البسيطة، وهم المنتشرون بالمدن والقرى والمداشر والجبال، وهذا شيء قليل من كثير والعدول شهداء على أنفسهم وعلى الناس وعلى التاريخ. ادريس العلمي: الكاتب العام لجمعية عدول استئنافية الدار البيضاء

مهنة العدول إلى أين؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جندي ضمن عصابة للسرقة بالعنف بالرباط

تقرير أمني: مغتصب التلميذات بمراكش لا يعاني مشاكل نفسية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات