ضومير: التنظيم القانوني لعمليات التلقيح الصناعي

المشرع المغربي أحسن صنعا بتركيزه على ضوابط عمليات التلقيح وشروطها القانونية تعاظم دور التكنولوجيات الحديثة الطبية في علاج العديد من المشكلات التي ظلت تؤرق الإنسان لفترة طويلة، ومن ذلك تقنية الإنجاب الاصطناعي وإسهاماتها في علاج مشكلات ضعف الخصوبة والإنجاب. غير أن العمل بهذه التقنية يجب ألا يكون متروكا لهوى الأفراد وجشع الأطباء، بل ينبغي أن يكون محاطا بمجموعة من الضـوابط الشرعية والقانونية التي تراعي النظام العام والثوابت المستمدة من الشريعة الإسلامية. استجابة لهذا التطور أضاف المشرع المغربي إلى منظومته القانونية قانون رقم 47-14 المتعلق بالمساعدة الطبية على الإنجاب، ودخل بمقتضى ظهير شريف رقم 1.19.50 صادر في 4 رجب 1440 الموافق ل 11 مارس 2019 حيز التطبيق، وذلك لتعزيز الترسانة القانونية الوطنية في مجال العلوم الطبية والتقنيات البيوطبية، ليسد الفراغ القانوني الذي تعرفه ممارسات تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب. وقد شكل هذا القانون إلى جانب القانون رقم 94-03 المتعلق بالتبرع بالدم البشري وأخذه واستخدامه، وكذا القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، الإطار القانوني للممارسات المتعلقة بالأخلاقيات البيوطبية، وذلك بهدف الاستجابة للتساؤلات ذات الطابع الأخلاقي والقانوني والديني، والتي أصبحت تطرح بسبب التقدم المطرد للعلوم الطبية والتقنيات البيوطبية. كما يعتبر هذا القانون نقلة نوعية وجهت لمجال شاسع يتقاطع فيه الأخلاقي والحقوقي والديني والاجتماعي. ويعرف تطورا سريعا وآفاقا رحبة لا تعرف حدودها، مما حتم على بلادنا اليوم أن تحذو حذو معظم الدول التي بادرت كل حسب مرجعيتها الدينية والدستورية والحقوقية إلى وضع قوانین في هذا المجال. وحدد المشرع المغربي شروط اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي، باعتباره تقنية طبية حديثة مساعدة على الإنجاب، انطلاقا من الضوابط الشرعية التي أقرها علماء الفقه الإسلامي. وباستقراء المادتين 12-15 من قانون رقم 47-14 المتعلق بالمساعدة الطبية على الإنجاب، يتبين أن المشرع المغربي حصر اللجوء إلى المساعدة الطبية على الإنجاب فقط لفائدة امرأة ورجل متزوجين وعلى قيد الحياة وبواسطة أمشاج متأتية منهما فقط، والمقيدة بضرورة الحصول على الموافقة الحرة والمتنورة والمكتوبة للزوجين المعنيين بالأمر، إلى جانب التشديد على حظر القيام بأي تقنية من تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب غير تلك المعترف بها قانونيا ببلادنا، وتقييد إنجاز التقنيات سالفة الذكر، باحترام قواعد حسن الإنجاز وبإجبارية حفظ الوثائق المتعلقة بالزوجين والحفاظ على سرية المعلومات المضمنة فيها، مع التشديد على ضرورة الحصول على ترخيص خاص لممارسة هذا النوع من النشاط الطبي، إذ أكد المشرع في المادة 9 من قانون 47-14 على أنه "لا يمكن القيام بالأعمال السريرية والبيولوجية للمساعدة الطبية على الإنجاب إلا من قبل ممارسين معتمدين لهذا الغرض من قبل الإدارة المختصة الذين تتوفر فيهم الشروط المتعلقة بالمؤهلات المنصوص عليها في المادة 8 أعلاه. لا يمكن لأي ممارس معتمد القيام إلا بالأعمال الطبية السريرية أو البيولوجية للمساعدة الطبية على الإنجاب المحددة في اعتماده حسب تخصصه، وفقط داخل المراكز الخاصة للمساعدة الطبية على الإنجاب المعتمدة أو وحدات المساعدة الطبية على الإنجاب التابعة للمؤسسات الصحية المعتمدة، والمشار إليها اسميا في اعتماده». إضافة إلى ذلك فإن بعض وسائل التلقيح الصناعي بحاجة إلى تقنية عالية، وكفاءة علمية، وتجهيزات طبية خاصة (خاصة التلقيح الصناعي الخارجي) ولا يمكن إجراء هذه العمليات في عيادة الطبيب الخاصة، مما يستلزم وجود مراکز متخصصة. ولا بد أن يحصل المركز أيضا على ترخيص مسبق لممارسة هذا النوع من النشاط الطبي وذلك بناء على نص المادة 8 من القانون نفسه والتي تنص على " لا يجوز القيام بالمساعدة الطبية على الإنجاب إلا في المراكز الخاصة للمساعدة الطبية على الإنجاب أو في المؤسسات الصحية العمومية أو الخاصة، المعتمدة بصفة قانونية لهذا الغرض من قبل الإدارة المختصة بعد استطلاع رأي اللجنة الاستشارية للمساعدة الطبية على الإنجاب المنصوص عليها في المادة 31 بعده والمشار إليها في هذا القانون "باللجنة الاستشارية». لا يمكن منح الاعتماد إلا للمؤسسات الصحية التي تتوفر على وحدة مستقلة مخصصة حصريا لممارسة تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب أو للمراكز الخاصة للمساعدة الطبية على الإنجاب، والتي تستجيب للمعايير التقنية للإنشاء والتجهيز المطلوب توفرها في هذه الوحدة أو هذا المركز وكذا للمعايير من حيث عدد المستخدمين والمؤهلات المطلوب توفرها فيهم، والتي تحدد بنص تنظيمي بعد استطلاع رأي اللجنة الاستشارية. يجب أن يوضع المركز الخاص للمساعدة الطبية على الإنجاب ووحدة المساعدة الطبية على الإنجاب المشار إليهما في الفقرة السابقة، تحت مسؤولية معتمد وفقا للمادة 9 بعده». ومن هنا يمكن القول إن المشرع المغربي أحسن صنعا بتركيزه على ضوابط عمليات التلقيح الاصطناعي وشروطها القانونية، وفقا لمواد قانون 47- 14 المتعلق بالمساعدة الطبية على الإنجاب، علما أن تقنيات التلقيح الاصطناعي لم تعد مقصورة على طريقة دون أخرى أو على شكل دون آخر، بل قد تعددت صوره وطرقه وتنوعت أشكاله وأساليبه وحسب حالة العقم الذي يصيب الرجل أو المرأة ورهن درجة التطور العلمي في مجال الطب الذي نشهد له كل يوم إنجازا جديدا. وبهذا يكون المشرع المغربي بتنظيمه لهذه العمليات قد حاول مسايرة التطور العلمي والطبي المطرد الذي تشهده هذه التقنيات. غير أن عجلة العلم الحديث في مجال التكنولوجيا المساعدة على الإنجاب لم تتوقف عند حدود الإخصاب الصناعي الخارجي وتنوعه وتعدده، بل تعدى ذلك إلى اللجوء إلى ما يسمى عمليات تجميد الأجنة والأحياء التناسلية الأخرى وحفظها، مما آثار ولا يزال يثير العديد من الإشكاليات منها القانونية والأخلاقية والاجتماعية، خاصة في ما يتعلق بمصير البويضات واللقائح الزائدة عن عملية التلقيح، وكيفية التصرف فيها. حيث رأى الطب أن القليل ممن خصب بويضاتهن في الأنبوبة قد ثبتت عندهن الجنين بعد إرجاعه إلى أرحامهن، فكان ذلك مبررا لأن تنطلق فكرة تجميد الأجنة بعد إخصاب البويضة في الأنبوبة الاختبارية. وهي عملية حفظ وخزن الأجنة حتى يضمن حفظ الجنين، وبدورها تحفظ الحياة للبويضة المخصبة لأشهر أو لسنوات تكون خلالها محفوظة بأمان لتزرع في وقت لاحق في رحم الوالدة (الأم) فينمو الطفل بعد أن كانت خلية مجمدة. واللجوء إلى تقنية "تجميد الأجنة" عموما من الاختراعات التي صاحبت اكتشاف الإخصاب عن طريق "أطفال الأنابيب"، وهي ليست مجرد ترف علمي أو وسيلة غير ضرورية لإتمام عملية الإخصاب عن طريق الأنابيب، بل هي تقنية أساسية للاحتفاظ بالبويضة حية أطول مدة ممكنة حتى الوقت الذي يراه الطبيب مناسبا لزرع البويضة في رحم الأم. كما أنها تساعد الأم على تجنيبها المرور بعملية استخراج البويضات من الرحم أكثر من مرة، إذ يمكن أن تستخرج ست أو تسع بويضات وتلقح، ثم تستخدم إذا ما فشلت العملية مرة أخرى. ميلود ضومير * نائب رئيس المحكمة الزجرية الابتدائية بالبيضاء

ضومير: التنظيم القانوني لعمليات التلقيح الصناعي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

غموض يلف ودادية سكنية يرأسها عدل

عميد وراء الإطاحة بمسؤولي أمن المهدية

مقالات ذات صلة