الهروس: تكريم الاجتهاد الفقهي المالكي للمرأة (الحلقة الثالثة)

إذا طلبت البنت من أبيها أن يزوجها وجب عليه تزويجها (الحلقة الثالثة) بقلم: الدكتور جواد الهروس * وشهدوا بكفاءة الخاطب في الحال والمآل، فأثبت ذلك كله في عقد صرح فيه بأسماء الشهود، وأعذر في ذلك كله إلى الوالد وعرفه بما عول عليه وقبله من شهودها، فأباح له الدفع فيهم وأجله في ذلك أجلا ثم أجلا وسجنه في خلال ذلك، وأعلمه أنه لا حمالة له في هذا الباب، فطلب الأب الحضور بين يدي القاضي فأحضر جمعا من طلبة البلد في خلال الأجل والإعذار ، فدفع هذا الأب بمحضرهم وعجز عن الدفع وقال للقاضي افعل ما تراه وشهد عليه برسم، ثم إن الحاضرين رغبوه في تولي العقد فقال أنه حلف بالطلاق ألا يعقده، وأخبر القاضي أبو عبد الله الترجالي بيمينه عدل كان حاضرا له، وهو مع ذلك يقول للقاضي: ما تفعله هو ذلك، ولا تحتاج لأحد، فقال في محضر الفقهاء: افعل ما تراه ليس لي مقال حجة، فقال القاضي للحاضرين: امضوا كما أنتم للفقيه المقرئ أبي محمد عبد الله البطوئي- وكان به يومئذ يسير مرض، فأعرضوا عليه القضية، فإن رأى عقد النكاح عليها وأفتى به، فاعلموني لأعقده، ورغب والدها في أن يمشي إليه وهو يقول ما تفعله هو ذلك ولا تحتاج لأحد: فقال له القاضي : لا بد أن يفتي هذا المفتي وحينئذ تطيب نفسك، فمضوا إلى المفتي فوجدوا عنده استفاضة الضرر، وقال لهم انكاحها صلاح وسداد، ولما ثبت من الضرر والعضل وأفتى بذلك، فرجعوا عنه وكانوا ستة من خيار الطلبة، فكلفهم الترجالي عقدا بما أشار به هذا المفتي، فكتبوه وشهدوا فيه، وهو مع ذلك حاضر يردد قوله الأول. فنظر الترجالي في موجب الحكم فألفى الضرر والعضل، وألفى النص في أن كل واحد منهما كاف في سقوط نظره عنها وإنكاح ( تزويج ) القاضي لها، فأظهر من يجوز كلامه من إسناد النظر إلى بعد العجز. وأضاف إليها رواية البغدادبين التي نص عليها الجلاب وغيره في غير ما ديوان، أن الثيب من زنى يسقط إجبار الأب إياها على النكاح، وهي ووالدها معترفان بذلك. وثم إنه بعث إليها خيار الشهود فقالت لهم إني راغبة في الزواج وطالبة له، ولا لي زوج غير هذا الذي خطبني الآن، ولا أرضى إلا به. وأضاف أيضا إلى ذلك ما نص عليه من أن البنت إذا طلبت من أبيها أن يزوجها وجب عليه تزويجها. ونص على أنه لما سقط عنها نظر أبيها وصار النظر إلى القضاء ورغبت هي في الزواج وجب على القاضي تزويجها درءا وخوفا عليها من الفساد. وقد رافق ذلك شهادة جمع من الطلبة (العدول) على تصريحات المستفتية وإشهاد القاضي على ذلك في سجل كبير، صرح فيه بأسماء الشهود الذين شهدوا بالموجبات وبناؤه الحكم على هذه الأسباب. ثم إنه بعد عقد الزواج تشكى والدها إلى السلطان، فبعث الترجالي وثيقة الحكم إلى الفقيه اليزناسني، فكتب بيده تحت سجل الحكم أنه صحيح جار على الكتاب والسنة، لكون ثبوت الضرر والعضل كاف في الحكم. كما اطلع عليه الفقيه أبو عبد الله السطي وغيره من الفقهاء، ووقع فيه مجلس بحضرة السلطان، حضره الفقيه أبو سالم ابن أبي يحيى قبل مضيه إلى الحج، فحسم أمر النازلة بموافقتها لمقاصد الشرع. وكان أيضا وقف على ذلك الحكم بأمر من السلطان فقهاء تازة الفقيه أبو عبد الله بن عطية مع عبد الله بن عمر المفتي أولا، وعبد الواحد بن أبي زيد الوادي وغيرهم، فلم يجدوا بابا للفسخ. وهو ما جعل أبا المستفتية يشهد على نفسه بإسقاط حقه وطيب نفسه، وكتب ذلك عليه في رسم وبقيت الزوجة مع زوجها مدة ثلاث سنوات . وبعد مدة قام هذا الأب ( ويبدو من خلال استقراء النازلة وحيثياتها أن أحدا ما كان يحرضه ) وكتب للمفتي الفقيه أبي الضياء مصباح اليالصوتي سؤالا محرفا لم يذكر فيه ثبوت العضل ولا ثبوت الضرر، ولا أن الترجالي قد حكم مستندا لتلك للحيثيات والأمور السالفة الذكر، فأفتاه رضي الله عنه بأن الزواج يفسخ، فاشتكى للسلطان أبي سعيد عثمان المريني من جديد معتمدا على هذه الفتوى ، فوعده بأن يعقد له مجلسا يجمع فيه الفقهاء لمناظرة الترجالي. ترأس ذلك المجلس العلمي العلامة أبو عبد الله ابن عطية للنظر في القضية. وكان ممن أجاب فيها أبو سالم إبراهيم بن عبد الله اليزناسني، وأبو الربيع سليمان بن عبدون السريفي... ولم يجد المجلس مستندا يبطل به عقد النكاح... وتوفي القاضي الترجالي وولي بعده قــــــاض آخر واستمر الخوض في النازلة بين فقهاء تازة وفقهاء فاس حوالي عشرين سنة بعد وفاة القاضي، فقد وجد الونشريسي صاحب المعيار تقييدا حول هذه القضية بتاريخ سنة 739 هـ (1338م). ولا يخفى ما في هذه النازلة من اجتهاد وتجديد يراعي تحقيق المصالح ودرء المفاسد التي تحقق الغايات المثلى التي شرع من أجلها الزواج وهو الإحصان والعفاف وتكوين الأسرة تحت رعاية الزوجين وفي ذلك تكريم واضح للمرأة لا يخفى. رابعا : الاجتهاد الفقهي المتعلق بحق المرأة في الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية: من الأعراف و العادات السائدة ببعض المناطق المغربية و خصوصا بمنطقتي سوس و جبالة (غمارة) ، أن الزوجة تأخذ نصيبا معينا من مال الزوج إن طلقها أو توفي عنها، متى أثبتت مساهمتها في تنمية ذلك المال، وقد اصطلح على تسمية ذلك بحق الكد والسعاية أو تامازالت حسب المصطلح الأمازيغي ( المشتق من فعل أزّل بمعنى سعى وجرى). وهذا الحق يخول للمرأة الحصول على نصيب مما نشأ أثناء فترة الزوجية من أموال أو أملاك منقولات كانت أو عقارات بقدر مساهمتها في تنميتها. * باحث في الفقه الإسلامي والقانون

الهروس: تكريم الاجتهاد الفقهي المالكي للمرأة (الحلقة الثالثة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المصالحة تنتصر داخل "البام"

22 سنة لمغربي قتل زوجته بإسبانيا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات