الهروس: تكريم الاجتهاد الفقهي المالكي للمرأة (الحلقة الأولى)

مضمونة الحقوق مكرمة وفاعلة في مجتمعها في ظل الفقه الإسلامي المالكي (الحلقة الأولى) بقلم: الدكتور جواد الهروس * لاشك في أن المرأة هي الركن الركين في مؤسسة الأسرة، وإليها تستند باقي الأركان لتتكامل كلها وفق نظام متناسق، يؤهلها للاضطلاع بدورها الاجتماعي والتربوي، ويكفيها فخرا أن خصص لها الشارع الحكيم سورة بالقرآن، هي سورة النساء التي تطرقت لكثير من الأحكام التشريعية التي تتعلق بحقوقها. كما يكفيها فخرا في بلدنا العزيز وعبر عصور انسلخت أن الفكر الاجتهادي الفقهي المالكي تصدى للممارسات المنحرفة والمضرة بها، التي لا يمكن أن نجد لها في ميزان الشرع مستندا. من بين الممارسات المنحرفة ضد المرأة، حرمانها من الميراث والاعتداء على أملاكها ومهرها وإكراهها على الزواج أو عضلها عنه وسوء استعمال بعض الرجال لحق القوامة عليها، وغيرها من التصرفات غير المقبولة شرعا التي أفرزها فساد الأخلاق والجهل بالدين ومقاصده وانحراف السلوك عن درب الشريعة، ما حدا بفقهاء المذهب وقضاته الأجلاء إلى أن يقفوا موقفا صارما تجاه هذه الممارسات والسلوكات الرعناء، رفعا للظلم والحيف الذي قد يطولها وتكريما لها، بل أفرد لها بعض فقهاء المذهب مؤلفات بديعة في ما يتعلق بشرفها ونسبها كمؤلف إسماع الصم في إثبات الشرف من جهة الأم لمحمد الكفيف المراكشي المعروف بالضرير (ت 807 ه)، ولابن مرزوق الحفيد (842 ه) مؤلف بالعنوان نفسه ، ومؤلف إزالة اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قبل الأمهات لمحمد العابد بن أحمد بن الطالب ابن سودة المري ( 1359 ه) . ومجمل القول إن المرأة مضمونة الحقوق مكرمة وفاعلة في مجتمعها في ظل الفقه الإسلامي المالكي، ولا يمس كرامتها ولا ينال من حقوقها إلا لئيم متجبر، ففي تراثنا الفقهي صور شتى عن رفع المظالم ودفع الضرر عن المرأة، وإحقاق حقوقها من قبل قضاة و"نوازلي" المذهب المالكي المغاربة، ومن ذلك ما أفتوا به من أن " المرأة الشريفة لا يلزمها إرضاع ابنها إن قضى العرف بذلك "، وما اشتهر عنهم و أفتوا به من استقلال ذمتها المالية، ومن أنها لا يلزمها العمل في مال الزوج ولا خدمته، ومن حقها أن ترفض ذلك، كما لها أن تقبله بإرادتها وتختلف آنذاك أحكام ما تناله من هذا العمل بحسب حالات عملها، والوقت لا يسعف لتفصيلها. ولاشك أن هذا الاجتهاد وفق المقاصد الشرعية أصبح لازما على القضاة الأخذ به، خاصة في ما يتعلق بحقوق المرأة العينية والأسرية المقتبس مجملها من الفقه الإسلامي عموما، ومن مقتضيات الفقه المالكي خصوصا، وتأسيسا على ما أقرته المادتان الأولى من مدونة الحقوق العينية و400 من مدونة الأسرة اللتين جعلتا منه مصدرا تشريعيا تكميليا في كل ما لم تتطرق إليه هاتان المدونتان. هذا ما سأحاول توضيحه من خلال عرض بعض صور تكريم المرأة في الاجتهاد الفقهي المالكي رابطا الماضي بالحاضر بعرض نماذج مشرقة من الاجتهاد الفقهي والقضائي المغربي (ومن ذلك نماذج لاجتهادات فقهاء وقضاة تازة). أولا : اجتهادات في مادة الحقوق العينية متعلقة بموانع الاستحقاق في مواجهة المرأة : فصل فقهاء المالكية أحكام الحيازة تفصيلا دقيقا فاشترطوا مجموعة من الشروط إذا اجتمعت سقط حق المحوز عليه في المطالبة بالشيء المحوز، ومنها انتفاء المانع. كما ذكروا مجموعة من الموانع والأعذار التي تحول دون المطالبة بالحق، حيث إذا كان سكوت المحوز عليه عن المطالبة بحقه راجعا لمانع أو عذر منعه من ذلك، فإن حقه لا يسقط مهما طالت مدة الحيازة، وبالتالي لا يمكن الاحتجاج من قبل الحائز بالحيازة ضده، لأن الحيازة إنما تنفع مع عدم وجود الأعذار و الموانع ، وتوفر شروطها، و هي وضع اليد والتصرف والنسبة والادعاء والحضور ببلد الحوز والعلم بالحيازة وبملكية المحوز، والسكوت من غير عذر أو مانع دون منازعة ومرور مدة الحيازة ، فإذا توفرت هذه الشروط فإن حق المحوز عليه في المطالبة بملكيته يسقط، وتصبح دعوى الاستحقاق غير مسموعة. ومن بديع ما ذكره المالكية في هذا الصدد من الأعذار والموانع، والتي لا تصح معها الحيازة، أن المحوز عليه امرأة محجوبة ذات زوج غيور يمنعها من الخروج من منزلها إلا للضرورة القصوى، فلا تقابل أحدا ولا تعلم مصير أملاكها، وهذا العذر يبقيها على حقها ولو طال الزمن، ولا يمكن للحائز أن يحتج بالحيازة في مواجهتها. والحكم نفسه يطبق على البكر غير المعنسة الممنوعة من الخروج إذا كانت لها أملاك وحيزت عليها، فلا يسقط حقها بطول الزمن إلى أن تعنس وتقوم بإدارة ممتلكاتها أو توكل من يقوم عنها بذلك وتطلع على ما يجري بخصوصها من تصرفات، فإذا ارتفع العنس صحت الحيازة بمرور مدتها . وإلى ما ذكرت أشار الفقيه القاضي علي بن عبد السلام التسولي التازي بقوله : ( أو كان المحوز عليه امرأة ذات زوج غيور عليها شديد الضبط لـها مانــع لها من الخروج، فإنه مع وجود واحد من هذه الأمور غير ساكت ولا يسقط حقــه). وكذلك الأمر بالنسبة إلى النساء اللائي لا يعطين شيئا من الميراث ولا يطلبنه حياء من إخوانهن، فـإن حقهن لا يسقط مهما طال الزمن، خاصة إن كن في بلد لا تنتصف فيه البنات ولا يعطين حقوقهن فهن على حقهن متى قمن. جاء في الدر النثير : سئل الشيخ أبو الحسن الصغير عن رجل توفي وترك ابنا وبنتا وأملاكا، فبقي الابن يغتل الأملاك على عين أخته مدة ستين سنة ثم ولده من بعده على عين أولادها بعدها، ولم يغير أحد منهم مدة كثيرة أيضا، وربما كان الابن باع بعض الأملاك على عين البنت، فهل هي حيازة؟ فأجاب: إن كان يدعي نقل الملك منها بشراء أو صدقة أو عن والدها في حيازة، وإن لم يدع ذلك وإنما كان يتصرف دون دعوى فلا تنفع. وبالإضافة إلى ما سلف ذكره إذا كان المحوز عليه امرأة وكانت غائبة وقت الحيازة عليها فإنها تبقى على حقها ولا تنفع الحيازة عليها، وغيبتها تعتبر دائما غيبة بعيدة ولو قصرت كمسافة اليوم أو أقل، فيكون لها متى حضرت المطالبة بحقها. * باحث في الفقه الإسلامي والقانون

الهروس: تكريم الاجتهاد الفقهي المالكي للمرأة (الحلقة الأولى)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ملاك: خطوط حمراء تعيق الإبداع

طنجة: وكلاء يشوشون على المرابط

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات