الهوامل والشوامل : إنه الربيع التركي… «باشْ تقتل باشْ تموت يا مَلاَك الموت»…

مَثَلٌ شعبي مغربي دارج ينصرف معناهُ، غالبا، إلى تنبيه مَن يتوسلون أسلوباً في معاملة غيرهم إلى أنهم -هُم أنفُسهم- سيصيرون عُرضة للمعاملة بالأسلوب عينِه حين »تدور عليهم الدوائر». وهو مَثَلٌ شديدُ الانطباق على تركيا، اليوم، أو قُلْ على حكومتها وحزبها الحاكم ورئيس وزرائها! ف «الربيع العربي»، الذي أرادتْه حكومة أنقرة أداتَها لاختراق المجتمعات العربية والإمساك بمصيرها، وللصيرورة قوة إقليمية كبرى ذاتَ نفوذ ، زارها في عقر دارها على حين غرّة، وهزّ اطمئنانها الوهمي إلى استقرارها والوثوق بقوّتها، وكشف عن المقدار المخيف من الاستبداد الثاوي في نظامها السياسي الحاكم، والكمية الهائلة من الحيوية واليقْظة في المجتمع التركي المدافع عن حرياته ومكتسباته في وجه الحكومة المتربصة بها. وما قَطْعُ الأشجار، هنا، سوى المقابِل الرديف لإحراق الشهيد البوعزيزي جَسَدَهُ، كان لابدّ من هذا الفعل الأضحوي في تونس – وأخواتها العربيات – لتندلع الانتفاضات، كما كان لابدَّ من اغتيال الطبيعة (= الأشجار ) في ساحة تركية حتى تنفجر احتجاجات الناس على المستهترين بالبشر والشَّجر!نجحت تركيا العدالة والتنمية في انجاز برنامج اقتصادي واجتماعي طموح بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. كانت أمريكا حريصة على تظهير «إسلام تركي”» حداثي، متحالف مع الغرب ومتماه مع قيمه الاقتصادية، لتردَّ به على «إسلام معادٍ» للحضارة. ولذلك راهنت على “العدالة والتنمية” حصاناً في السباق، وقدّمت له المساعدات كافة، بعد أن نجحت في ترويضه طويلاً، وإخراجه عن خطّ قائد الحركة الإسلامية في البلاد، نجم الدين أربكان، الذي لم يتوان -منذ ذلك الحين من نهاية القرن الماضي – في اتهام تلامذته (وعلى رأسهم أردوغان وغول وأوغلو... ) بالعمالة لأمريكا. لكن هذا النجاح التنموي – الذي صنعه الدعم الأمريكي في تركيا نظير صنعه إياه في تايوان وكوريا الجنوبية لتطويق الصين – تَلاَزَمَ مع إخفاقات سياسية عدّة في ميدان الحريات العامة وحقوق الإنسان، كما في ميدان السياسة الخارجية لتركيا.اشتدت قبضة النظام على مفاصل الدولة، فنجح – بمساعدة الولايات المتحدة – في تحجيم دور المؤسسة العسكرية في السياسة الداخلية، وفي الإمساك بالقضاء والنَّيل من استقلاليته. وأتبع ذلك بسياسة التضييق على المعارضة وعلى حرية الصحافة، واعتقال الصحفيين والكتاب المعارضين للنظام، والتنكيل بالحركة الوطنية الكردية وتجاهل مطالبها ورفضه الاعتراف بمجازر الأرمن واعتذار الدولة عنها بشجاعة، وسلوكه سياسة تمييز عنصري (=مذهبي) ضد العلويين في تركيا – الذين يشكلون قرابة خُمس السكان – بما في ذلك حرمانهم من الوظائف العليا في الجيش والدولة، والتضييق على نشاطهم الديني لمخالفتهم تقاليد المذهب السنّي الحنفي... الخ! وهي سياسات استبدادية استجرَّت موجاتٍ من الاحتجاج الشعبي الداخلي ضدّ نظام حكم «حزب العدالة والتنمية»، وإدانات دولية: خاصة من أوروبا ومن المنظمات الحقوقية الدولية. ومع أن حزب أردوغان ادّعى العلمانية، وحاول إيهام الرأي العام باحترامها والتزام مبادئ الجمهورية ومؤسّسيها (مصطفى كمال أتاتورك)، إلا أن نطاق التضييق عليها زاد في العامين الأخيرين إلى الحد الذي امّحت فيه الفروق بين العلمانية و»تطبيق الشريعة الإسلامية»! فبات توجُّسُ قسم كبير من المجتمع التركي عظيما.ولقد انبعثت مبكرا النزْعات الامبراطورية العثمانية لدى حكام تركيا، فما تحرج رئيس وزرائها مرة في الجهر بها حين وصف محازبيه بـ «أحفاد العثمانيين». ولعله لا يعرف مقدار ما يُحدثه اسم العثمانيين من الشعور بالرثاء لدى المحيط العربي والإسلامي: الذي كان يبغي أردوغان مخاطبة مشاعر أهله، فهم ما صدّقوا أنهم تحرروا من نير حكم العثمانيين حتى جاءهم مَن «يبشرهم» بهم (وبئس البشارة)! والنزعات تلك هي ما قاد النظام التركي إلى محاولة فرض وصايته على المصير العربي من خلال رعاية حركات “الربيع العربي” وقواها الإخوانية، بمعية حَليفه القَطَري الصغير الذي لا يملك من موارد الدور إلاّ المال! وكان تورّطه المتزايد في الأزمة السورية، وأدواره التخريبية في هذا الباب، ومنها فتح حدوده لإدخال المقاتلين والسلاح إلى العمق السوري، وإيواء المعارضين واستضافة مؤتمراتهم وقواعدهم العسكرية، شديدَ الإيذاء للسوريين ووحدة وطنهم، لكنه كان -أيضاً- شديد الإيذاء للشعب التركي الذي يبدّد النظام ماله ومقدراته في مغامرات ايديولوجية وامبراطورية خرقاء لن يأتيه منها مثقال فائدة!لعلّ الأوان آن ليدفع النظام الرجعي الاسبتدادي في تركيا ثمن عدوانه على الحريات والحقوق المواطنية والقومية المهضومة في الداخل، وثمن استهتاره باستقرار الشعوب وسيادات الدول في الجوار الاقليمي. ومَن كان بيتُه من زجاج ليس خليقا به أن يرشق الناس بالحجارة! عبد الإله بلقزيز: مفكر مغربي

الهوامل والشوامل : إنه الربيع التركي… «باشْ تقتل باشْ تموت يا مَلاَك الموت»…

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سبعة آلاف مغربي يعانون الحيف بسبتة ومليلية

مهرجان فاس... موسيقى عريقة وتلاقح ثقافات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات