من أوراق سنة شيعت إلى مثواها الأخير

عثرنا على هذه المذكرات مكومة ومدفونة في ثقب بحائط التاريخ وأغلب الظن أنها كتبت ليلة احتفالات 2011 أكتب إليكم في رمقي الأخير. ها زائر الموت يدنو، رويدا، من أهذاب الروح. أراه طيف شبح يوخز الضلوع مني، فأنكمش في خوفي أكثر. وحدي في هذا المكان المقفر، أعد ما تبقى من ساعات، وأرقب انطفاء مصابيح "أُرزتي" واحدا واحدا، وأنتظر سقوط وريقاتها الأخيرة، كي أصير، بعض تاريخ وبعض تراتيل، وذكرى للعابرين.لا كفن لي في هذه الليلة، ولا مواكب للنائحين.. لا ورود عزاء تنثر على قبر مجهول، أو قصائد رثاء ومشيعين.. لا مناديل للوداع ولا دموع.. فما أقسى أن يستفرد بك الموت، فتُسرق وحـيدا بلا شهود.أيام وساعات ودقائق مرت مثل برق ليلة ماطرة. كأني لم أكنْ، أو كأنه الأمس فقط. أتذكرون، وقتها، أشعلتم الشموع وأضأتم السماء بفوانيس الفرح، وانتشيتم بأنخاب وكؤوس من معين، ورقصتم حتى الساعات الأولى من الصباح احتفالا بحلولي بين ظهرانيكم. فرحتُ كما فرحتم وأصابني بعض من جنون الغرور، فمشيتُ غلا في جنائز زميلاتي، لكن ها أنتم تشيحون، اليوم، عني، وترتمون في أحضان أخرى مثل، عشاق علب الليل.كنتُ البنت العاشرة في ألفيتكم هذه، من أجل ذلك ربما، حشوتم صناديقي الملونة، بما يكفي من أحلام وأمان وانتظارات وهواجس ولوائح مطلبية وسيناريوهات (هكذا تسمونها إذا أسعفتني ذاكرتي الدائخة).حلمتُ، منذ يناعة أظافري، أن أكون سنة الرهانات الكبرى والأحلام المؤجلة.. أن أمد قطع الرغيف للجائعين وأروي ظمأ العطشى في جنوب الروح.. أزرع بذور الأمل، هنا، في حدائق اليائسين، وفي باحات المظلومين أطرح بعض بذور العدل والمساواة، أشذب أشجار الزيتون من كل الشعارات الفارغة، وأحمل أكياس الأوكسجين حتى لا تختنق الأرض أكثر بسبب غازاتكم السامة، لكن خاب ظني.لم أعرف أن حالتي ستسوء إلى هذا الحد، وتصيب الثقوب جسدي من شظايا الحروب والدمار وتسيل الدماء جارفة على أطراف أوطانكم، وحين تهجعون إلى منصات خطاباتكم تبتسمون أكثر، لتألفوا قصائد للغزل في السلام والأمن والحرية، وبخفة السحرة تخرجون من قبعاتكم بعض حبات ديمقراطية منتهية الصلاحية توزعونها، بسخاء، على الأفواه الجائعة.أغمض عيني، يمر الشريط سريعا، فلا أرى غير مجانين بشعور منفوشة، يعضون على ألسنتهم المتدلية، وهم يقودون حافلة العالم إلى الهاوية.في الطريق، مشاهد العراقيين يذبحون مثل النعاج باسم الحرية والديمقراطية، وإسرائيل تنهض في الساعات الأولى من الصباح لترمي القنابل المسيلة للدماء والحمم فوق سفن نشطاء للسلام كانوا يحملون علب الدواء لأطفال غزة، والكراسي المتحركة للشيوخ والمعطوبين. في أفغانستان، مازالت أمريكا تأخذ شعبا أعزل بكامله رهينة، حتى يظهر بن لادن، أو لا يظهر لا يهم. وفي هايتي يموت الناس تحت الزلزال وكثير من الفساد، وفي سماء روسيا الكثير من الحرائق، وفي اسلندا سحابة دخان، وسيول وفيضانات وغرقى في عز الحر في الهند وباكتسان وأندونيسيا، وفي جنوب إفريقيا قرروا في سنتي هذه أن يخربوا آخر معاقل الأبارتايد بكرة مستديرة.ولأنكم كما أنتم، كان لا بد أن تنتهي سنتكم بفضيحة عري فاضحة، نزع فيها "ويكيليكس" ما تبقى لكم من أوراق توت، فصرتم عراة مثل قرود، كلما "تسلقتم" إلى أعلى، كلما انفضحت مؤخراتكم.وصيتي الأخيرة أن تكتبوا سيرتي بما يليق بنفاقكم، حتى ترضوا غروركم أكثر... وسلامي الحار إلى كل المغبونين. أعدها للنشر: يوسف الساكت

من أوراق سنة شيعت إلى مثواها الأخير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الرجاء بخريبكة لترتيب البيت

العثور على جثة محام في "كابانو" بالمحمدية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات