“البـراءة” تـؤدي فاتـورة حسابـات الكبـار

امرأة بسيدي قاسم تقتل طفلا انتقاما من والده حالات الإساءة إلى الأطفال والإجهاز على حقهم في الحياة، طفت في العديد من الحالات المتشابهة التي سجلت في بعض المدن، ومن ضمنها حالة بمدينة سيدي قاسم، ستظل شاهدة بمرارة على بشاعة الجريمة، التي راح ضحيتها طفل في ربيعه السادس، ويتعلق الأمر بالمسمى قيد حياته «عزيز». خرج الصغير ولم يعد كانت عقارب ساعة الزمان تشير إلى بعيد زوال أحد أيام مارس 2006، عندما تناول الطفل عزيز وجبة الغذاء وخرج كالمعتاد للعب أمام منزل والديه في انتظار قدوم حافلة النقل المدرسي، التي تؤمن رحلته المكوكية ذهابا وإيابا إلى المؤسسة الخصوصية التي يتابع تعليمه الأولي بالمدينة. وما هي إلا برهة حتى توقفت الحافلة قبالة المنزل وأطلق سائقها العنان لمنبهها الصوتي، ما جعل أم عزيز تخرج مسرعة حاملة معها محفظته لتأمره بالإسراع للحاق بالحافلة، التفتت المسكينة ذات اليمين وذات الشمال علها تلمح عزيزها، جددت مناداتها عليه، طلبت من سائق الحافلة الانتظار قليلا إلى حين حضور الطفل، لكن بدون جدوى. انطلقت الحافلة إلى المؤسسة دون أن تقل هذه الظهيرة التلميذ عزيز، وانطلقت معها بالتالي رحلة الأم التائهة في البحث عن فلذة كبدها واقتفاء أثره «زنكة زنكة» و»درب درب» و»دار دار» و»بيت بيت»، فبدأ الحراك والسؤال، وكلما سألت عنه إلا وكان الجواب بالنفي، فلا أحد من الجوار أو الأهل كان يعلم شيئا عن سر اختفائه، ساعتها تملكها إحساس بأن مكروها ما أصابه. لم تكن والدة عزيز تعلم وقتذاك أنها لن تتمكن من استرجاع ابنها الضائع، وأنها لن تستمتع باحتضانه مرة أخرى، بل لم يكن يدور بخلدها أبدا أن كرونولوجيا حياة صغيرها ستتوقف عن الدوران في ذلك اليوم، والشيء نفسه بالنسبة إلى المعني بالأمر، الذي لم يتوقع أن أجله المحتوم سيجعل حياته قصيرة جدا. بدأ قلق الأسرة يتصاعد تدريجيا مع مرور الدقائق والساعات عن تواري الطفل المختفي عن الأنظار، وتوسعت دائرة البحث لتشمل في مرحلة ثانية مراكز الشرطة بالمدينة ومستشفياتها، بعدما وضعت الأسرة فرضية تعرضه لحادثة سير، لكن لا أثر لوجوده. في مدينة صغيرة من حجم سيدي قاسم، لم يكن شيوع خبر اختفاء الطفل ليستغرق وقتا طويلا، إذ سرعان ما انتشر النبأ انتشار النار في الهشيم، ما زرع حالة من الهلع في نفوس السكان وفتح الباب على مصراعيه لنسج خيوط التأويلات والشائعات، خوفا من ظهور سفاح مستنسخ من ذاك الذي كان قض مضاجع أهل مدينة تارودانت. أرخى الليل سدوله على أرجاء مدينة سيدي قاسم الهادئة، وعم ظلام اختفاء عزيز قلوب أفراد الأسرة المكلومة، وأبت الجفون أن تغمض حزنا على أفول نجمه، كيف لا وهو الذي كان شغبه الطفولي يخلق حركية دؤوبة في أركان البيت. مرت الساعات وكأنها عقود وقرون، قبل أن يبزغ فجر اليوم الموالي، الذي صادف(الثلاثاء)، وواصلت الأسرة رحلتها الماراثونية للبحث عن عزيز، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، لتتحول آمال معانقته من جديد إلى آلام ولواعج لا يدرك درجتها إلا من اكتوى بحر لهيبها. عزيز جثة هامدة غير بعيد عن بيت أسرة الطفل المختفي، الواقع بحي طريق طنجة، تسكن إحدى الجارات، التي أثار انتباهها وهي تتفقد أحوال حديقتها المنزلية، في صباح يوم الثلاثاء، وجود كيس كبير تغطيه أكياس فارغة من الإسمنت، أمام هذا الوضع الذي لم تألفه، بادرت صاحبة البيت إلى طرق باب جارتها علها تساعدها على فك هذا اللغز المحير، ترددتا قليلا في بداية الأمر، قبل أن تعمدا إلى فتح الكيس لتصابا بالذهول والذعر، بعدما اكتشفتا جثة الطفل المختفي عزيز. وفور توصلها بخبر العثور على جثة الطفل، انتقلت إلى هناك عناصر الشرطة القضائية، ومعها أفراد الشرطة العلمية والتقنية، الذين باشروا الإجراءات القانونية، فيما نقلت جثة القتيل إلى مستودع حفظ الأموات بالمستشفى الإقليمي بالمدينة، قصد إخضاعها للتشريح الطبي، حيث أظهرت الفحوصات الأولية أنه تعرض لاعتداء جنسي، خصوصا بعدما عاين الطبيب الشرعي آثار جرح في دبر الضحية، الأمر الذي ساد معه الاعتقاد أن الأخير جرت تصفيته من طرف شخص بعدما مارس عليه شذوذه الجنسي. واسترسالا في كشف خيوط الجريمة، التي استأثرت باهتمام الرأي العام المحلي والوطني، ركزت عناصر الضابطة القضائية بحثها في محيط بيت والدي الضحية، إذ تم الاستماع إلى مجموعة من الأشخاص، ضمنهم صاحب محل للبقالة، الذي أفاد أنه شاهد الطفل عزيز حوالي الساعة الواحدة والنصف بعد زوال يوم اختفائه رفقة معلمته(ع.ب). وكانت إفادة صاحب المحل الخيط الرفيع الذي قاد إلى الكشف عن هوية الجانية، والتي لم تكن سوى الجارة(ع.ب)، التي كانت بمثابة الأم الثانية للطفل عزيز، الذي كثيرا ما قضى الليل رفقتها عندما كان يغالبه النوم، حينما كانت تقوم بإعطائه دروسا للدعم والتقوية. اعتراف بطعم الانتقامبعد محاصرتها بأسئلة المحققين، لم تجد المشتبه فيها بدا من الاعتراف بالمنسوب إليها، قبل أن تشرع في جرد تفاصيل الجريمة، مصرحة أنها عملت على اقتياد الطفل إلى مطبخ منزلها، وهناك قامت بخنقه بواسطة قطعة قماش إلى أن فارق الحياة، قبل أن تعمد إلى إيلاج قطعة خشبية عبارة عن(مغرفة) في دبره، في محاولة يائسة منها لإبعاد الشبهات عنها وبعثرة أوراق المحققين. وأوضحت أنها وضعت جثته النحيفة داخل كيس بلاستيكي لتحمله بعد ذلك إلى خارج البيت وتتخلص منه بوضعه بحديقة أحد المنازل المجاورة. وكشف التحقيق مع المتهمة أن قيامها بتصفية الطفل كان بدافع الانتقام من والده، الذي كانت تربطها به علاقة قرابة عائلية وعاطفية، قبل أن يتركها ويتزوج من أم الضحية، ما أجج في قلبها نار الغيرة والانتقام منه. خليل المنوني (سيدي قاسم)

“البـراءة” تـؤدي فاتـورة حسابـات الكبـار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الريال يؤكد تفوقه على البارصا

البحث عن قبر آخر سلاطين بني الأحمر بفاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات