هكذا حاصرت الصين كورونا

الجيش والتكنولوجيا ووعي المواطنين وقوة الاقتصاد تقهر الفيروس وتحرر البلاد في وقت تسجل الصين يوما بعد يوم أرقاما جديدة "مطمئنة" من بؤرة كورونا، تبدو الصورة أقل تفاؤلا حول العالم، مع تسجيل أعداد كبيرة من الإصابات يوميا مع ارتفاع عدد الوفيات بسبب الفيروس. أعلنت لجنة الصحة الوطنية في الصين، الأربعاء الماضي، أن بلادها سجلت 13 حالة إصابة جديدة فقط بفيروس كورونا، انخفاضا من 21 حالة في اليوم السابق. وأضافت، في بيان، أن العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة يرتفع بذلك إلى 80894 مصابا. وارتفع العدد الإجمالي للوفيات بسبب التفشي بالصين إلى 3237 حتى الثلاثاء الماضي، بزيادة 11 حالة وفاة جديدة مقارنة باليوم السابق. ويفوق عدد الإصابات الواردة من الخارج في الصين عدد حالات العدوى داخل البلاد التي سجلت حالة عدوى محلية واحدة فقط في ووهان، الثلاثاء الماضي. فكيف تغلبت الصين على الفيروس، وطوقته وتحكمت في انتشاره، إلى درجة أصبح عدد الحالات الوافدة عليها، أكثر من المسجلة في إقليم هوبي، بؤرة الفيروس، وأصبحت الصين ترسل فرقها الصحية لمساعدة البلدان الأخرى، وتستعد لتزويد العالم بالسلع والتموين؟ إنجاز: عصام الناصيري الجيش...أهل الاختصاص تدخل الجيش الصيني للسيطرة على الوضع منذ الأيام الأولى لتفشي الفيروس، وتحول الصين إلى بؤرة، ففي وقت لم يكن العالم يعرف معلومة واحدة عن هذا الوباء، واجهه الجيش الصيني على أصعدة مختلفة، أبرزها مواجهة علمية والعمل في المختبرات، ومواجهة ميدانية من خلال السيطرة على الوضع، وتطبيق الحجر الصحي بالقوة وقمع المخالفين للتعليمات، لكن بالمقابل توفير التموين والأغذية لكل فرد داخل الحجر الصحي، ما جعل الجيش الصيني أهم رقم في معادلة القضاء على كورونا. وأهم شخصية صينية في مسلسل القضاء على كورونا، هي الجنرال "تشن وي"، التي استطاعت أن تحصل على أعلى الرتب العسكرية في الجيش الصينى، إذ تخصصت في مجال الكيمياء الحيوية وعلم الفيروسات. "شن وى" وصفت بـ "مدمرة الفيروسات" و"قاهرة إيبولا"، هذه أبرز الألقاب التي حصلت عليها، خاصة أنها نجحت في السابق في القضاء على فيروسي إيبولا وسارس، واستعانت بها الصين أخيرا في الحرب على كورونا الجديد، وتمكنت فعلا من القضاء عليه. من تكون قاهرة كورونا؟ ولدت "تشن وى" فى مدينة "لانشى" الصغيرة في مقاطعة "تشجيانج" الشرقية، وتخرجت بدرجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة تشجيانج في 1988، وتم قبولها في جامعة "تسينجهوا" للدراسات العليا. بعد خمس سنوات، انضمت إلى جيش التحرير الشعبي، وأصبحت عالمة الفيروسات في أكاديمية العلوم الطبية العسكرية. ووفقا لتقارير صحافية، فإنه عندما كانت تشن وفريقها في عزلة لتطوير رذاذ الأنف في 2003، لم ير ابنها البالغ من العمر أربع سنوات والدته منذ شهور. وقال زوجها، "خلال تلك الفترة ، لم نرها إلا على شاشة التلفاز، حيث قفز ابني وقبل شاشة التلفزيون عندما رأى والدته في البرنامج». التكنولوجيا...العصا السحرية طورت شركات تكنولوجيا صينية عدة تطبيقات، تساعد الناس على التأكد من أنهم استقلوا الطائرة أو القطار، الذي كان على متنه مرضى إصاباتهم مؤكدة، بالاستناد إلى قوائم نشرت على وسائل الإعلام الرسمية. ونشرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) صورا لروبوتات ستشارك في الخدمة اللوجستية الطبية، في مدينة "شينيانغ" بشمال شرقي الصين، لمكافحة فيروس كورونا. فعلى سبيل المثال، فوجئ رجل سافر إلى مدينة ووهان، التي انتشر فيها فيروس كورونا المستجد، عندما طرقت الشرطة الصينية باب منزله في مدينة "نانجينغ" وطلبت قياس حرارته. وقال الرجل الذي عزل نفسه في منزله "بنانجينغ" في مقاطعة "جيانغسو" إنه لم يخبر أحدا بزيارته الأخيرة إلى ووهان. ولكن باستخدام بيانات السفر من ووهان، تمكنت السلطات من تحديد هويته وإرسال عناصر شرطة إلى منزله، بحسب تقرير نشرته حكومة "نانجينغ" في إحدى الصحف. وفي "غوانزو" بمقاطعة "غوانغدونغ" الجنوبية، نشرت السلطات رجالا آليين لتوبيخ المارة، الذين لا يرتدون أقنعة واقية، وفق صحيفة "غلوبال تايمز" الرسمية. وفي بكين، ذكرت لجنة مسؤولة عن مجمع شقق يضم نحو 2400 عائلة أنها استخدمت بيانات رحلات الطيران والقطارات، لتعقب سجلات السفر الأخيرة التابعة للجميع. في كل صباح، تبدأ خدمة رسائل شركة الاتصالات، بإرسال مجموعة من التنبيهات، حيث تقول رسالة تلو الأخرى ما يلي "فضلا، حمل التطبيق، واستكمل فحص الصحة اليومي. وستستخدم معلوماتك فقط للوقاية من الوباء ومكافحته".وحين فتح الرابط، تظهر رسمة ممرضة ترتدي قناعا، وتدعوك إلى تسجيل كل معلوماتك، وأن تذكر مسار رحلاتك الأخيرة، ثم بعد ذلك، تسألك إذا ما كنت تعاني الحمى أو الكحة أو صعوبة في التنفس، وفي حال كان الجواب "نعم"، فسيظهر شخص (ممرض) خلال دقائق أمام بيتك، وسيقيس درجة حرارتك، ثم سيطرح عليك الأسئلة، وسيطلب منك قائلا إنه من الأفضل ألا تغادر منزلك لعدة أيام، ويقدم لك ورقة تحتوي على قائمة تظهر فيها أقرب المستشفيات. الكشف عن الحمى في الوقت الذي كانت تبحث فيه السلطات الصينية عن إصابات محتملة، كان التركيز على الكشف عن الحمى، العارض الأكثر شيوعا للمرض. وبينما تعتمد الأحياء والمباني الحكومية بشكل أساسي على أجهزة قياس الحرارة المحمولة، تختبر هيآت النقل العامة أنظمة الكشف عن الحمى عبر الذكاء الاصطناعي والكاميرات، التي تستخدم الأشعة فوق البنفسجية. وفي بكين، يراقب نظام طورته شركة "بايدو" الصينية العملاقة المسافرين في محطة القطارات، باستخدام أشعة فوق بنفسجية وتكنولوجيا التعرف على الوجوه، التي تلتقط بشكل أوتوماتيكي صورة لوجه كل شخص. وإضافة إلى الكشف عن الحمى، سارعت شركات التكنولوجيا الصينية إلى تطوير مجموعة واسعة من الخدمات للمساعدة في جهود احتواء الوباء، بدءا من تحضير عمليات إيصال المواد الطبية عبر الطائرات المسيرة، وصولا إلى تحديد مواقع انتشار الفيروس من ووهان. ورغم أن المدينة خضعت لحجر صحي تام منذ 23 يناير، فإن نحو خمسة ملايين مسافر غادروا ووهان خلال مهرجان رأس السنة القمرية، وفق حاكم المدينة، وهو ما دفع السلطات للقيام بعمليات بحث على مستوى البلاد عن كل من زاروا ووهان أخيرا. قوة الاقتصاد تغلب كورونا أعلن البنك المركزي الصيني تخصيص نحو 170 مليار دولار لمكافحة فيروس كورونا، وزعت بين دعم المتضررين والرفع من قوة النظام الصحي، وبناء مستشفيات وغيرها، إذ رغم تضرر الاقتصاد الصيني في الأشهر الماضية إلا أنه بدأ يستعيد عافيته، ويرتقب أن تسيطر الصين على الاقتصاد العالمي، بعدما تمكنت من السيطرة على الأوضاع. ولم تجد الصين إشكالية في رصد اعتمادات مالية لمجابهة كورونا، إذ تشير أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي للصين بلغ 13.6 تريليون دولار في 2018، بما يمثل نسبة 15.8 بالمائة من الناتج المحلي العالمي، كما أن حصة الصين من الصادرات السلعية في العام نفسه بلغت 2.4 تريليون دولار، بما يمثل نسبة 12.2 بالمائة من إجمالي الصادرات السلعية للعالم. وأكدت الأزمة الإنسانية التي تعيشها الصين بسبب فيروس كورونا على القيمة الكبيرة، التي يمثلها الاقتصاد الصيني بالنسبة للعالم، وكيف تداعت الأسواق العالمية والاقتصاديات الكبرى لما يتعرض له الاقتصاد الصيني، جراء توقف بعض أنشطته الاقتصادية بسبب أزمة كورونا. البورصات في أمريكا والغرب وفي آسيا ومنطقة الشرق الأوسط شهدت تراجعات ملحوظة، وكذلك النفط الذي كان من أسرع السلع التي تأثرت سلبيا في السوق الدولية، حيث انخفض سعر برميل النفط لما دون سقف الـ60 دولارا، بل ذهبت منظمة "أوبك" إلى أن التداعيات السلبية لأزمة كورونا ستستمر بالنسبة لأسعار النفط على مدار 2020. وعي المواطنين رغم أن بعض المواطنين الصينيين رفضوا الالتزام بالتدابير الصحية التي تعلن عنها الحكومة، وتعرضوا للتعنيف نتيجة لذلك، إلا أن الجزء الأكبر من الشعب كان في الموعد، وأبان عن وعي كبير، وهو ما جعل الصين تتجاوز الأزمة. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا للأمن الصيني، يستخدم تقنية الطائرة بدون طيار لتوعية الشعب من مخاطر فيروس كورونا. ويطلق الأمن الطائرة في الشوارع وينبه المارة إلى ضرورة ارتداء الكمامات، ويطلب من آخرين تجمعوا بالتفرق والعودة إلى منازلهم. كما تظهر لقطة وهو يطلب من شابين يدخنان، إطفاء السجائر فورا ووضع الكمامات ومغادرة المكان، إلا أن الشابين لم يلتزما بالتعليمات فأعاد الأمن تحذيرهما حينها استجابا للأمر. وواصلت الصين تخفيف إجراءات الإغلاق في أكثر مناطقها تضررا، حيث تضاءل عدد الحالات الجديدة بعد ظهورها لأول مرة في وسط البلاد أواخر العام الماضي.

هكذا حاصرت الصين كورونا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تنقيط جيد للصرامة المغربية ضد الوباء

مسنون يرفضون الامتثال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات