هنا تندوف: “بوليساريو” وعسكر الجزائر … استبداد يولد الاستبداد

النظام لا يريد قيادة أخرى لـ «بوليساريو» غير الذين صنعهم ويثق فيهم ويأمن ولاءهم المطلق بقلم: الفاضل الرقيبي أن يُقال إن "بوليساريو" صنيعة عسكر الجزائر، فذاك أمر لا يتطلب كثير عناء، لتجد له برهانا في تاريخ ممتد من الاستبداد والقمع تشهد به أجساد الضحايا وما علق في ذاكرة هؤلاء من صور التعذيب الذي مارسه ويمارسه أحمد لبطيل ورفاقه ممن ساء ذكرهم، تحت تأطير ضباط المخابرات الجزائرية، في حق سكان مخيمات تندوف التي تعرف جيدا كل قصص الاغتصاب والتقتيل والتعذيب التي ارتكبها لبطيل والبويشير مصطفى السيد وولد البوهالي وسالازار ولفريري وغيرهم، خصوصا في أقبية الذهيبية والرشيد سيئي الذكر. هؤلاء السكان الذين ظلوا لسنين يئنون تحت وطأة جلاديهم في معزل عن العالم الخارجي، ملأت أصواتهم الآن وسائل التواصل الاجتماعي شجبا وتنديدا، معبرين عن بغضهم لهذا التاريخ المظلم، بعدما سقط القناع عن قيادة سرقت آمالهم وعمقت آلامهم وأجهضت حقوقهم وقتلت حريتهم واغتصبت إرادتهم في العيش الكريم بوطنهم. لا يصنع الاستبداد إلا استبدادا آخر، سيرفضه الناس ولو حاول أن يرتدي ثوب طهرانية ثورية مزيفة. هذا هو حال الجزائر وصنيعتها "بوليساريو". في الجزائر، نظام مسلط على رقاب الناس منذ فجر الاستقلال، أصبحت معه كل الخيارات الديمقراطية موؤودة، وكل الأصوات الحرة معرضة للقمع ما لم تجد طريقها إلى المنفى. هو نظام حكم بلاد المليون شهيد برؤساء كراكيز استجلبهم ليضمن استحكامه بمقدرات البلاد، ولو تطلب ذلك عشرية سوداء عاش فيها الجزائريون بين الحديد والنار. وعلى أرض الجزائر، صنع النظام الجزائري نفسه "بوليساريو" منظومة استبدادية مصغرة قائمة منذ منتصف السبعينات، تخوض حروبه الجيوسياسية بالوكالة، وترهن مصائر الآلاف من المحتجزين الصحراويين في أيدي قيادة هربت قوتهم واستغنت من معاناتهم وجعلت من ثورتها المزعومة أصولا تجارية في موريتانيا وإسبانيا وغيرها. أسند عسكر الجزائر مهام تحضير مسرحية مؤتمر "بوليساريو" المقبل، للجلادين أنفسهم، الجاثمين على أنفاس سكان المخيمات منذ 1975، بدءا بتعيين القاتل البطيل على رأس ما سمي "بخلية التفكير" الذي يبين بكل وضوح أن النظام الجزائري لا يريد قيادة أخرى لـ "بوليساريو" غير الذين صنعهم ويثق فيهم ويأمن ولاءهم المطلق، وهو بذلك يسخر كل أدواته القمعية لضمان استمرار جيل جلادي الصحراويين، والتصدى لرياح التغيير خوفا من أن تهب على مؤتمر دجنبر 2019، حاملة أفكارا واقعية، لن تصمد أمامها غوغائية مجموعة لبطيل والبويشير ووعودهما الوهمية. ما لا يعرفه دكتاتوريو المخيمات وأسيادهم هو أن قيم الحرية والإرادة أخذت تسلك طريقها وسط شباب المخيمات، الذي لم يعد يقبل بواقع الانسداد الذي تعيشه المخيمات، بل بات رافضا له، بعد أن اكتشف أن عدوه الحقيقي هو قيادته المفروضة عليه، والتي صنعت لنفسها من الوهم ما تراكم به الثروات على حساب بؤس صحراويي المخيمات. يخفي كل استبداد جبنا وخوفا من قوى التحرر والانعتاق. فمثلما يخاف النظام الجزائري من مظاهرات الجمعة، التي أذعن لها صاغرا لأزيد من أربعة شهور، تخاف "بوليساريو" من كل الأصوات المنادية بالواقعية والإرادات الحرة، ولم تتوان، في محاولة لإسكاتها، في سجن قادة الرأي المعارضين كمولاي أبا بوزيد والفاضل بريكة ومحمود زيدان، لقولهم كلمة حق شقت القبة الفولاذية المطوقة للمخيمات. ما لا يدريه هؤلاء الجلادون هو أن اختطاف وتعذيب وسجن هذه الأصوات الحرة عرى سوءات "بوليساريو" وأزلامها ممن يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان أمام العالم، خصوصا لدى المنظمات الأممية والدولية العاملة في هذا المجال، كما ستفتح على البطيل والبويشير وشركائهما باب جهنم قريبا، من خلال متابعات قضائية أمام عدالة نزيهة غير متحكم فيها من قبل عسكر الجزائر، مع ما يترتب عنها من مسؤوليات جنائية لمقترفي هذه الجرائم ورعاتهم، إذ يؤكد القانون الدولي مسؤولية سلطات الدولة المحتضنة لمخيمات اللاجئين، عما يقع بها من انتهاكات لحقوق الإنسان.

هنا تندوف: “بوليساريو” وعسكر الجزائر … استبداد يولد الاستبداد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مخرج مسرحي يرفض بطاقة الفنان

الصحراء تفكك ألغام نيويورك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات