موسم مولاي عبد السلام…روحانية واحتفالية

عشرات الآلاف قصدوا جبل العلم لإحياء ذكرى شيخ المتصوفة عشرات الآلاف من المغاربة والمسلمين من بقاع شتى من العالم يقصدون ضريح الولي الصالح عبد السلام بن مشيش، تخليدا لذكرى هذا القطب الصوفي الذي بصمت طريقته الحركات الصوفية في المغرب والمشرق على حد سواء. صغار وكبار، عرب وغيرهم من المسلمين، «عروسيون» من الشمال والجنوب كانوا على موعد، بداية الشهر الجاري، كما هو الحال كل سنة في مثل هذا التاريخ، مع موسم مولاي عبد السلام بن مشيش. أشعة الشمس الخفيفة تتسلل من بين أغصان الأشجار لتضيء الطرقات المنعرجة المؤدية إلى جماعة ترزوت، في قلب منطقة جبالة. في الطريق، لا تسمع سوى أصوات السيارات التي تمر بين الفينة والأخرى لتكسر الهدوء الذي يميز المنطقة، وتقطع شرودك وأنت تحاول تذكر كلمات أغنية عبد الصادق شقارة عن زوار «شيخ جبالة» الذين «يرتاحون في العقبة». تفكر في سبب اختيار الولي الصالح عبد السلام بن مشيش المكان لخلوته، فتجد ألف سبب وسبب لذلك. فالروحانية تلبس الزائر بمجرد اقترابه من الجماعة، وهو يقرأ بعض الأذكار والعبارات الدينية المكتوبة بالجير على الصخور التي تحد جوانب الطريق من جهة، بينما شموخ الجبال المعزولة يشعرك بعظمة الخالق وهيبة المكان، وينزل السكينة على نفوس جاءت تبحث عنها بعيدا على صخب الحياة المادية في المدن المجاورة. في الطريق إلى «شيخ جبالة»لم تمنع وعورة الطرق المؤدية إلى قرية ترزوت، حيث يرقد جثمان الولي عبد السلام بن مشيش، الزوار من تحمل مشاق الطريق لزيارة ضريح الولي الصالح، وتخليد ذكراه السنوية كما هو الحال كل سنة. الطقس حار، لكنه يظل مناسبا لزوار مولاي عبد السلام والمشرفين على إحياء ذكراه السنوية، والذين اختاروا تغيير الموعد السنوي للاحتفال بالذكرى السنوية للشيخ مولاي عبد السلام إلى فاتح يوليوز كل سنة) بعدما كان موعدها السابق (منتصف شهر شعبان من كل سنة يصادف أحيانا فصل الشتاء، وأدى في إحدى المرات إلى حادث مروري أودى بحياة عدد من الزوار بسبب سوء الأحوال الجوية، كما يؤكد لنا أحد االمنظمين.ثلاثة أيام، هي مدة الموسم السنوي لمولاي عبد السلام، إذ اجتمع الآلاف نهاية الأسبوع الماضي بتزروت، لإحياء ذكرى مولاي عبد السلام بن مشيش، لتتحول حينها القرية إلى مقصد يتوافد عليه الزوار من المغرب والخارج. ورغم افتقار المنطقة إلى البنية التحتية السياحية، لاستقبال هذا العدد من الزوار كل سنة، فإن بعض المنازل البسيطة في المنطقة يتم تأجيرها لتلعب دور المؤسسات الفندقية، ويفضلها الكثير من الزوار الذين يرغبون في مقاسمة السكان المحليين حياتهم البسيطة، وأيضا المساهمة في إنعاش تجارتهم الصغيرة التي تشكل مورد الرزق الوحيد لأغلب السكان، إلى جانب بعض الفلاحات المعيشية، بينما يفضل آخرون شد الرحال مساء للمبيت في الوحدات الفندقية بالمدن المجاورة، سواء تطوان أو أصيلة أو العرائش وحتى طنجة.انطلقت الاحتفالات الدينية بالذكرى السنوية لمولاي عبد السلام الجمعة الماضي، بعد صلاة العصر، من خلال درسين دينيين في المسجد المجاور لضريح الولي عبد السلام بن مشيش، حول الصلاة المشيشية، أشهر الأوراد المنسوبة إلى عبد السلام بن مشيش، والمتوارثة عبر مئات السنين، الأول حول الظروف والمكونات، والثاني حول الكلمات الصوفية في الصلاة المشيشية، ألقاهما عدد من الباحثين في المجال الصوفي، قبل أن يفسح المجال بعدها «للجذبة» والدعاء للشرفاء المشيشيين، في مظهر قد يبدو غريبا على من هو غير معتاد على مثل هذه الأجواء، وليس الأمر كذلك طبعا بالنسبة إلى سكان المنطقة، الذين يرقبون الوافد الجديد وقد يرسمون على وجوههم ابتسامة لطيفة وهم يرون نظرات التعجب والاستغراب في وجهه.واستمرت الأجواء الروحانية نفسها في اليوم الثاني من «ثلاثية الموسم»، بالدروس الدينية والأذكار والأمداح النبوية، استعدادا لما يعرف محليا ب»طلعة مولاي عبد السلام». بالنسبة إلى سكان المنطقة، هو اليوم المنتظر كل سنة، الذي يستعدون له كاستعدادهم ليوم كبير، من أجل الاحتفال والتبرك. لقاء "عروسيي" الشمال والجنوباجتمعت الوفود في يوم الاحتفال الأكبر استعداد لطلعة مولاي عبد السلام. في هذا اليوم، يلتقي الشرفاء العلميون المشيشيون، الذين يمثلهم النقيب عبد الهادي بركة، بممثلي شرفاء القبائل الصحراوية من الركيبات وماء العينين والعروسيين بأزيائهم التقليدية الصحراوية، والذين يرتبطون بعلاقة عمومة مع الشرفاء العلميين في الشمال، في صورة تحمل الكثير من الدلالات. وانطلق العروسيون من قبائل الشمال والجنوب في اتجاه ضريح مولاي عبد السلام، ومن أبناء الطرق حاملين الأعلام، في تقليد سنوي متوارث منذ مئات السنين. وأشرف الحاجب الملكي إبراهيم فرج، في اليوم نفسه، على تسليم هبة ملكية للشرفاء العلميين حفدة مولاي عبد السلام بن مشيش، إذ جرى تقديم الهبة الملكية في الضريح بحضور، إلى جانب إبراهيم فرج، عامل إقليم العرائش وعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية.ممثلو القبائل الصحراوية، من جهتهم، أكدوا أن هذه المشاركة هي لتمتين روابط الدم بين شرفاء الشمال وشرفاء الجنوب، وترجمة الروابط التاريخية بين هذين المكونين من مكونات الشعب المغربي، كما أعرب نقيب الشرفاء العلميين عبد الهادي بركة،عن امتنان الشرفاء العلميين للعناية الملكية بالتصوف السني وأعلامه، قبل بدء الدروس الدينية المعتادة خلال الأيام الثلاثة للموسم، وجلسات السماع والمديح. ضيفة مولاي عبد السلام ...لأربع سنوات!في نواحي ضريح مولاي عبد السلام، الصلوات والأذكار والتلاوات تتعالى طيلة أيام الموسم، وحركة الزيارات ترتفع...نسوة يوقدن الشموع وأخريات يجلسن قرب الضريح ينصتن إلى الأذكار ويرددن كلمة آمين بعد كل دعاء «للطلبة» الذين يستجدون من خلاله بعض النقود من زوار توسموا فيهم الجود، وفتيات يعرضن خدماتهن على الزائرات الراغبات في نقش الحناء. في وسط هذه الأجواء الروحانية والاحتفالية، وتعاقب الزوار صبحا وعشيا، تجلس امرأة بجانب المذبح لا تبرح مكانها. لا تثيرها كل هذه الحركة «غير الاعتيادية». ترقب الذاهبين والغادين، وتبادل الابتسامة من يبادرها بالكلام. «ما تصورينيش»، كانت هذه الجملة فاتحة حديثنا الذي تبادلناه، بعدما أكدت لها أن عدسة الكاميرا غير موجهة صوبها. سألتها إن كانت من المنطقة أم لا، فكان الجواب مفتاحا لأسئلة أخرى طرحناها عليها بهدف كشف خيوط قصتها المثيرة.«جئت من الصحراء، من نواحي مدينة العيون. أنا أيضا من عروسيي الجنوب، وأنا هنا منذ أربعة أعوام لا أبرح مكاني»، بهذه الجملة أجابتنا «الصحراوية العروسية»، التي أضافت أنها جاءت إلى المكان تلبية لنداء مولاي عبد السلام. تضيف المرأة أنها كانت ترى مولاي عبد السلام في المنام، سواء في هيأته أو في هيأة أشخاص آخرين يحملون اسم مولاي عبد السلام، فقررت توديع عائلتها بالصحراء، والتوجه إلى ضريح مولاي عبد السلام، الذي لم تزره قط في السابق. «أفراد عائلتي استغربوا الأمر عندما أخبرتهم بقراري المجيء إلى هنا، لكنهم تفهموا الأمر...الان أحدثهم في الهاتف فيضحكون عندما يسمعون لكنتي التي أصبحت مطبوعة بكثير من الكلمات الجبلية...وسيضحكون أكثر لو رأوني وأنا أرتدي هذه الملابس (في إشارة إلى الشاشية الجبلية والتزور، الذي يظهر من تحته جزء من ثوب الملحفة الصحراوية)»، لتضيف أن حالها أصبح أفضل بعد أن جاءت إلى مولاي عبد السلام، حيث تقضي الأيام بجانب الضريح صيفا وشتاء، وشمسا وأمطارا، ولا تبرحه إلا في الليل من أجل النوم في أحد المنازل بالقرية، وهو الأمر الذي لم تكن تقوم به في سنواتها الأولى في «ضيافة» مولاي عبد السلام، إذ كانت تقضي الليل والنهار بجانب الضريح.سألتها عن موعد مغادرتها للضريح، فأجابت بأن الموعد لم يحن بعد...غير أن موعدي كان قد حان. ودعتها وودعت الموسم وسكان القرية على أمل موعد آخر قريب، لتجديد اللقاء مع البساطة في أكثر أوجهها روحيانتة. صفاء النوينو (موفدة «الصباح» إلى جبل العلم)

موسم مولاي عبد السلام…روحانية واحتفالية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إعادة نشر ستة أفلام عن سنوات الرصاص

أرباب المخابز يطالبون بتحيين التعاقد مع الحكومة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات