حدود الحق في المعلومة

على المغرب أن يحدو مثل الدول الديموقراطية التي سنت قانونا خاصا بها ينظم الحق في الوصول إلى المعلومة بموجب الفصل 27 من الدستور الحالي، أصبح للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيآت المكلفة بمهام المرفق العام، وأصبح للالتزام بالسر المهني مفهوم ضيق بل وبات يشكل استثناء بعدما كان في الماضي القريب جدا قاعدة عامة في الوظيفة العمومية وبعض المهن الحرة.في السابق، كان مبدأ السرية في تدبير شؤون الدولة المهيمن، وذلك في إطار بيروقراطي صارم تتم بمقتضاه متابعة كل صحافي وغيره سرب معلومات أو وثائق لديه لم تكن محل إذن أو ترخيص مسبق، وبالتالي يؤاخذ ويعاقب الموظف وكل من يدخل في حكمه بالتبعية مع الذي يكشف عن معلومات تتعلق بالفساد الإداري أو المالي.ولعل من مظاهر ما سلف، نذكر الفصل 18 من قانون الوظيفة العمومية الذي يلزم كل موظف بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها، كما يمنع عليه كليا اختلاس أوراق المصلحة ومستنداتها أو تبليغها للغير بصفة مخالفة للنظام ما لم يرفع عنه هذا المنع الوزير الذي ينتمي إلى سلطته الموظف المعني بالأمر.ومن الناحية الجنائية، يعاقب كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى ســرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القـانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، وذلك بالحبس من شهر إلى ستة اشهر طبقا للفصل 446 مـــن القانون الجنائي.ويرجع أساس دسترة الحق في الحصول على المعلومة العمومية إلى تظافر عدة جهود وطنية ودولية عبر جمعيات ومنظمات حكومية وغيرها لمحاربة الفساد بجميع مكوناته وأشكاله، وذلك من أجل تكريس ثقافة الشفافية والمحاسبة في تدبير الشؤون العامة للبلاد والعباد للوصول إلى مستوى أعلى من التطور الديموقراطي، وتحقيق النجاح في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.وتعتبر دولة السويد الأولى في العالم التي أصدرت قانونا سنة 1776 يعطي للمواطنين الحق في الحصول على المعلومات المودعة أو الممسوكة لدى الهيآت الحكومية، وتبعتها في ذلك عدة دول إذ وصل عددها حاليا إلى ما يناهز التسعين من بينها دول عربية كالأردن (قانون 2007) بعدما كفل دستورها لسنة 1952 حرية الوصول إلى المعلومات للمواطن الأردني، وتبعها في ذلك كل من اليمن والبحرين.وتتفق التشريعات الأجنبية الأخرى كلها على مبدأ حرية الحصول على المعلومات والحق في ذلك، وعلى سبيل المثال: الهند (2002)، الولايات المتحدة (1967)، أستراليا وكندا ونيوزيلاندا (1982)، اليابان (1999)، جنوب إفريقيا (2001)، المكسيك (2002) باكستان (2002)، بل إن هذه الدول تتقاسم بينهما نقطا مشتركة تخص تعريف المعلومة والملزمين بتسليمها، ثم في ما يتعلق بواجب النشر للمعلومات، ثم تحديد الاستثناءات وطريقة الطعن بالاستئناف عند الامتناع أو رفض منح المعلومة، فضلا عن سنهـــا لجــزاءات الإخــلال بالحق المذكور.وقد تطرق القانون الإنجليزي (30 نونبر 2000) على الحق في الوصول إلى المعلومات التي بحوزة السلطات العمومية لكنه يضع استثناءات قسمها إلى نوعين: استثناءات نسبية أو مشروطة وأخرى مطلقة. فالاستثناءات النسبية تلقي على عاتق السلطات واجبا بفحص ما إذا كان منح المعلومة يخدم المصلحة العامة أكثر من حجبها، بمعنى استعمال معيار المصلحة العامة، وفي هذه الحالة فإن السلطة المعنية تفرج عن المعلومة أو الوثيقة، أما إذا كان الكشف عنها يضر بالمصلحة العامة فإن السلطة المعنية تخبر طالب المعلومة بسبب حجبها، إلا إذا كان الإخبار في حد ذاته يشكل كشفا للمعلومة.وتنص المادة 6 من القانون الفرنسي الصادر في 17 يوليوز 1978 على الاستثناءات المشار إليها أعلاه بناء على التمييز بين نوعين من الوثائق:- الوثائق الإدارية التي لا يمكن تسليمها لأي أحد، لأن الاطلاع عليها أو تسليمها يضر بالمصلحة العليا للبلاد (أمن الدولة وأمن الأشخاص، الأسرار المحمية بالقانون بصفة عامة).- الوثائق الإدارية التي لا يمكن تسليمها إلا للمعني بالأمر إذا كان تسليمها يضر بحياته الخاصة.وبناء عليه، تبقى للمغرب محطة أخرى يضع بموجبها قانونا ينظم الحق جوهرا ومسطريا، بمعنى آخر عليه أن يحدو مثل الدول الديموقراطية الأخرى التي سنت قانونا خاصا بها ينظم الحق في الوصول إلى المعلومة، وبواجب النشر الملقى على كاهل المؤسسات العمومية المعنية، وإن ذلك يقتضي ما يلي:- تحديد مضمون الحق والتعريف بأطرافه وبالمعلومة. - مسطرة التمتع بالحق من خلال تنظيم شكليات الطلب وآجاله ورسوم الأداء إن اقتضى الحال. - الطعن في المقرر الإداري بالرفض أو الامتناع أمام جهة إدارية أعلى أو عرض المسالة عليه كجهة استئنافية دون الإخلال بحق الطاعن أو المتضرر من اللجوء إلى القضاء الإداري.ومن نافلة القول أنه في سنة 1982 قضت المحكمة العليا في الهند أن الوصول إلى المعلومات الحكومية هو جزء جوهري من الحق الأساسي لحرية التعبير وإبداء الرأي إذ جاء في قرارها:أن مبدأ الحكومة المفتوحة هو بمثابة انبثاق مباشر من الحق في المعرفة، والذي يبدو مفهوما ضمنيا من حق حرية التعبير والرأي الذي تضمنه المادة 19. وبالتالي، فإن مبدأ كشف المعلومات المتعلقة بأداء الحكومة يجب أن يسود وأن التكتم هو استثناء لا يبرر إلا عندما تستدعي أقصى متطلبات المصلحة العامة ذلك، ويجب أن تكون منهجية المحكمة تقليل مجال السرية قدر الممكن بما يتوافق ومتطلبات المصلحة العامة مع الأخذ في الاعتبار دائما أن الكشف يخدم أيضا جانبا هاما من المصلحة العامة".وبالرجوع إلى الفصل 27 من الدستور المغربي، فإن الاستثناء الوارد على حق الحصول على المعلومات هو ما ينص عليه القانون، سيما ما يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد والحريات والحقوق التي يضمنها الدستور ومصادر المعلومات، وبالتالي فإن التشريع المرتقب في هذا المجال هو الذي سيرسم حدود ذلك.وفي هذا الإطار، يعاقب القانون رقم 03-07 المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات إذ يعاقب الفصل 3-607 منه كل من دخل إلى مجموع أو بعض النظام المذكور عن طريق الاحتيال، أو حتى الدخول فيه عن طريق الخطأ وهو غير مخول له حق دخوله، بل إن العقوبة تضاعف وتشتد عندما يتعلق الأمر بمعلومات تخص الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو أسرارا تهم الاقتصاد الوطني (الفصل 4-607).وخلاصة القول أن حد السر الوظيفي أو المهني يجد بما تضمنه الفصل 27 أعلاه من الدستور وبمعنى آخر أن الأصل هو الإباحة في نشر المعلومات العمومية لدى كافة المرافق العامة طبقا لمبدأ الشفافية وعملا بمبادئ الديموقراطية التي من بينها مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار الذي لا يتأتى إلا بالحصول على المعلومة.ولحماية الشهود والمبلغين عندما يتعلق الأمر بمعلومات تثبت الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو غسل الأموال، فإن القانون رقم 10-37 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2011 حدد عدة تدابير لضمان الحماية اللازمة ومنها عدم الكشف عن هوية الشاهد مثلا، بل إن المادة 9-82 من قانون المسطرة الجنائية المعدلة بمقتضى القانون رقم 10.37 منعت أية متابعة للمبلغين سواء تأديبيا أو جنائيا على أساس إفشاء السر المهني إذا كانت الجرائم المبلغ عنها تم الاطلاع عليها بمناسبة مزاولتهم لمهامهم. بقلم: مصطفى أشيبان, دكتور في الحقوق

حدود الحق في المعلومة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ربع النساء المعنفات من البيضاء

متقاض يطعن زوجته داخل محكمة الأسرة بالقنيطرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات