الحق في التقاضي الأسري العادل

غياب المساواة في مسألة النفاذ المعجل ما بين قضايا النفقة والرجوع إلى بيت الزوجية (3/3) بقلم: الدكتور جواد الهروس * لا بأس من الإشارة إلى أن التطليق للغيبة أقره الفقه الإسلامي لأن الزوج قديما هو الذي كان يغيب عن الزوجة إما للتجارة أو للحج أو غيرهما، ولم تكن غيبة الزوجة عن زوجها لمدة طويلة متصورة إلا استثناء، أما في الوقت الحاضر فقد تغيرت الأمور وصارت المرأة باعتلائها للمهن والمناصب الرفيعة محتملة للغيبة من أجل التكوين أو العمل بالخارج وغيره من الحالات الواقعية، كما أن حالات لا حصر لها معروضة على المحاكم خاصة بمتزوجين من عاملات بدول أجنبية غادروا من غير رجعة لمدد تختلف باختلاف الحالات، وهو ما يجعل هؤلاء الأزواج في وضعية لا يحسدون عليها، والواقع العملي كذلك (والواقع لا يرتفع كما هو مقرر) يظهر لنا كثرة القضايا الرائجة بالمحاكم المتعلقة بالضرر الحاصل للأزواج من طرف الزوجات، والذين يضطرون معها إلى سلك مسطرة التطليق للشقاق، كما أن الإخلال بشرط من شروط الزواج يمكن أن يقع من الزوجة في مواجهة زوجها، كما يمكن أن يقع الإيلاء والهجر منها لأسباب وبدونها، وبالتالي ـ وإحقاقا للحق وتكريسا لتحقيق المساواة التي ترومها مدونة الأسرة ـ لا مبرر للتشريع لفائدة المرأة دون الرجل والعكس صحيح، ولم تعد مثل هذه النصوص التشريعية مستساغة ولا مقبولة، وكما قال الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو (القانون يجب أن يكون مثل الموت لا يستثني أحدا). 3 ـ غياب المساواة في مسألة النفاذ المعجل ما بين قضايا النفقة، وقضايا الرجوع إلى بيت الزوجية ( وإن كان الأمر يتعلق بمقتضى مسطري مقرر في الفصل 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية )، وعليه يجب التنصيص على شمول الأحكام المتعلقة بالرجوع والإرجاع إلى بيت الزوجية بالنفاذ المعجل، على غرار أحكام النفقة خصوصا في حالات وجود أطفال صغار، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بالزيارة وصلة الرحم، التي يجب أن تصدر مشمولة بالنفاذ المعجل، مراعاة للمصلحة الفضلى للطفل الذي تضمن له صلة الرحم مع أبويه الاستقرار النفسي المطلوب. 4 ـ والأمر نفسه يمكننا قوله بخصوص ضرورة إعفاء الأزواج في بعض الحالات من أداء الرسم القضائي، على غرار الإعفاءات التي خولت للمرأة في ظهير الرسوم القضائية، وفي ذلك طبعا تسهيل للوصول إلى العدالة وإتاحتها لجميع مكونات الأسرة. ثانيا ــــ خرق مبدأ الحياد في بعض مواد مدونة الأسرة: هذا الخرق واضح في بعض حالات التطليق للشقاق التي نصت عليها مدونة الأسرة، لا شك في أن التعدد نوع من أنواع الزواج وغاية الزواج كما نصت على ذلك المادة 4 من مدونة الأسرة هو إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين، وليس هدم كيان هذه الأسرة، فالفقرة الخامسة من المادة 45 أعطت للمحكمة الحق في تطبيق مسطرة الشقاق بشكل تلقائي، في حال تمسك الزوج بالتعدد ولم توافق عليه الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق، وهو مقتضى غريب طبعا بأن يطلب الزوج التعدد وهو نوع من أنواع الزواج، فتوجه المحكمة الدعوى نحو التطليق، رغم أن القضاء مطلوب كما هو مقرر وهو ما سلف ذكره. والأمر نفسه ينطبق على حالة التطليق للشقاق بعد رفض مقابل الخلع من طرف الزوج (المادة 120)، وعلى حالة عدم التمكن من إثبات الضرر وتوجيه الزوجة لسلك مسطرة التطليق للشقاق كذلك. ثالثا ـ خرق مبادئ التقاضي العادل في بعض الإجراءات المسطرية (عدم التنزيل السليم لمقاصد وروح مدونة الأسرة) 1 ــ كما هو الشأن في اشتراط حصول التبليغ قبل تنفيذ أحكام النفقة : الحق في التقاضي الأسري العادل يقتضي بل يلزم بالتنزيل والتطبيق السليم والأمثل لمقتضيات مدونة الأسرة: إلا أن العمل الإجرائي ببعض المحاكم يعرف اضطرابا ملحوظا على مستوى التطبيق (بهذا الخصوص) كما هو الشأن في حالات النفاذ المعجل القانوني والقضائي (خاصة في أحكام النفقة) حيث تلزم (بعض المحاكم) طالبي التنفيذ بضرورة التبليغ قبل مباشرة إجراءات التنفيذ باعتباره مقدمة أساسية من مقدمات التنفيذ، وترجع الإنابات من هذه المحاكم بملاحظة عدم إثبات تاريخ التبليغ على السند التنفيذي، وهذا ما ينزع عن هذه الأحكام صبغتها الاستعجالية بل ويضرب عدالة التنفيذ التي تعتبر الغاية المرجوة من التقاضي في الصميم، ولذلك وجب التنصيص في المادة 191 من مدونة الأسرة على استثناء أحكام النفقة من مقتضى وجوب التبليغ قبل الشروع في التنفيذ. 2 ــ وكما هو الشأن كذلك في مسألة إرجاء اليمين الشرعية وتأخيرها إلى حين سلك مسطرة التنفيذ (الفصول 86 و444 و527 من ق م م) رغم حضور الأطراف بالجلسة، وهذا الأمر فيه إجحاف بحق المرأة وخرق لمبدأ الحق في التقاضي في أجل معقول. وإن كان الأمر يتعلق بالإشكال الواقعي المتمثل في كثرة القضايا بأقسام قضاء الأسرة، وعدم إمكانية دراسة جميع الملفات الكثيرة المعروضة عليهم قبل الجلسات الأولى لكي يتأتى لهم معرفة لمن ستوجه هذه اليمين. 3 ــ العدالة المسطرية والتنزيل السليم لمقاصد مدونة الأسرة يقتضي كذلك ضرورة إعمال السلطة التقديرية في إثبات امتناع الزوجة من الرجوع إلى بيت الزوجية، إلا أن الملاحظ أن محاكم عديدة لا تعتمد إلا على محاضر امتناع الزوجات من الرجوع لبيت الزوجية من أجل سلك مسطرة إسقاط النفقة، والحال أن إثبات الامتناع يمكن أن يكون بوسائل أخرى كما لو انتقلت إلى وجهة غير معروفة أو غير ذلك من الحالات . وهو ما قرره المجلس الأعلى سابقا في قراره عدد594 الصادر بتاريخ 14/12/2005 ملف عدد 163/2/1/2004 ) والذي جاء فيه : ( إذا خرجت الزوجة من بيت الزوجية بغير إذن زوجها ولم يقدر على عودها إليه لا بنفسه ولا بالحاكم، فإن ذلك يكون أشد أنواع النشوز فتسقط به نفقتها ـ والمحكمة لما ثبت لديها أن الزوجة المطعون ضدها مقيمة بدولة إسبانيا أي خارج بيت الزوجية بالمغرب وبغير إذن زوجها، وقضت بالرغم من ذلك بنفقتها، وفي حين أن هذه الحالة من حالات التعذر التي لا يقدر معها الزوج على ردها وموجبة لإسقاط النفقة عليه، تكون قد خرقت قواعد الفقه ولم تعلل قرارها تعليلا سليما، مما يستوجب نقضه ) انتهى القرار . والحكم نفسه ينطبق على اشتراط محاضر الامتناع من أداء النفقة من طرف الزوج لسلك مسطرة إهمال الأسرة من طرف الزوجة، فالأولى الأخذ بكل ما من شأنه إثبات هذا الامتناع كالمحاضر الإخبارية التي تفيد انتقال المنفذ عليه (الزوج) إلى خارج أرض الوطن، أو إلى وجهة غير معلومة. خاتمة: من خلال هذا العرض الموجز يتضح بأن مجموعة من مواد مدونة الأسرة أصبحت تشكل عبئا على المتقاضي الأسري، حيث أهدرت وخرقت بعض المبادئ الحقوقية الهادفة إلى إرساء قواعد العدالة، ومثلنا لذلك بمبدأي المساواة وحياد الجهة القضائية، مما يستوجب تعديلها والرجوع إلى الأصل بإقرار عدالة موضوعية وإجرائية لجميع أطراف الدعاوى الأسرية، وإلا ستبقى هذه المواد متسمة بعدم الدستورية لأنها تمس بدور القانون والقضاء باعتباره حاميا لحق التقاضي العادل، ذلك الحق ذي العلاقة الوطيدة بالنظام العام، والذي ينعكس إيجابا وسلبا على مدى الثقة والطمأنينة لدى المتقاضين في القضاء. * باحث في الفقه الإسلامي والقانون

الحق في التقاضي الأسري العادل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ادعاءات تجسس تستنفر أمن مراكش

عامل في الداخلية يستولي على مليار

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات