شهداء حرب الصحراء … الملف المنسي

أسر وأرامل ثلاثين ألف شهيد و700 مفقود يعانون التهميش أعادت الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومـفقودي وأسرى الصحراء المغربية ملف الشهداء والمفقودين إلى الواجهة، ونفضت الغبار عن ملف لم ينل حظه من سياسة جبر الضرر والتعويض الذي يفرضه ملف اجتماعي يهم من سقطوا في ساحة الدفاع عن الوحدة الترابية، ووهبوا حياتهم فداء للوطن. إعداد: برحو بوزياني (تصوير عبد المجيد بزيوات) انطلقت المبادرة سنة 1999، حين التأم ثلة من أبناء وأسر الشهداء والمفقودين في حرب الصحراء بسيدي سليمان، لتأسيس إطار جمعوي للدفاع عن الملف الحقوقي والاجتماعي لأسر حوالي ثلاثين ألف شهيد وحوالي 700 مفقود من العسكريين والمدنيين، و2400 أسير في سجون بوليساريو فوق التراب الجزائري. وبعد عشرين سنة من التحرك من أجل إقرار حقوق هذه الفئة، لم يعرف الملف الإنساني لأسر شهداء حرب الصحراء غير التسويف والتماطل، لتتعمق مأساتهم، وتزداد معاناتهم مع ضيق العيش وضعف المعاشات الهزيلة، وغياب التأمين الصحي، ما اضطر العديد من الأرامل إلى اللجوء إلى العمل في الضيعات الفلاحية والمعامل، بل وصل الأمر ببعضهن إلى العمل خادمات في البيوت، في حين لم يستفد أبناؤهم من الحقوق من قبل مؤسسة المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية، ومؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين، في الجوانب المتعلقة بالسكن. ورغم النضالات التي خاضتها الجمعية من خلال الوقفات الاحتجاجية المختلفة أمام مندوبيات مؤسسة الحسن الثاني والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومقرات الولايات والعمالات والمسيرات الاحتجاجية بالرباط، ومراسلة جميع المسؤولين والأحزاب والفرق البرلمانية، إلا أن جميع الحكومات تنكرت لهم طيلة العقود الأربعة الماضية. يحكي ابراهيم الحجام، رئيس الجمعية بحرقة شديدة، وهو الذي واكب ملف هذه الفئة منذ تأسيس الجمعية، وترافع حول ملفاتها المطلبية لدى مختلف الجهات رسمية ومدنية، كيف تنكر الجميع لتضحيات آبائهم، وهم الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن ينعم الوطن بالسلم والأمن، ويستكمل وحدته الترابية. يقول الحجام "لم يكن مسموحا خلال سنوات الحرب الحديث عن ملف الشهداء في وسائل الإعلام، باعتباره ملفا عسكريا حساسا، ولم يفصح عن العدد الحقيقي للشهداء، والذين قدر عددهم بثلاثين ألف شهيد، وعاشت الأرامل وأسر الشهداء أوضاعا اجتماعية صعبة بسبب المعاشات الهزيلة التي ظلت تصرف لهم، والتي لم تعرف زيادة طفيفة إلا بعد ضغط الجمعية". والأغرب من ذلك، يقول الحجام، إن آلاف الأسر حرمت من التأمين الصحي دون سابق إشعار، في الوقت الذي ظلت الاقتطاعات مستمرة من معاشاتهم الهزيلة، ولم يستعيدوا الاستفادة من خدمة التغطية الصحية إلا بعد تأسيس مؤسسة الحسن الثاني لقدماء العسكريين. ورغم الأوضاع الصعبة التي عاشتها أسر الشهداء، بعد وفاة ذويها، ومعاناة أفرادها مع الأمراض المزمنة، وتفاقم البطالة في صفوف أبنائها، بعد تخلي الدولة عنهم، لم تجد صرخات الجمعية ونداءاتها المطالبة بالإنصاف آذانا مصغية من قبل مختلف الحكومات، رغم تغير ألوانها السياسية. يقول الحجام إن الأيتام حرموا من صفة مكفولي الأمة، والتي تخول لهم حق الاستفادة من تعويض سنوي يقدر بـ 15 ألف درهم، وإعطائهم الأولوية في مناصب الشغل بالمؤسسات العمومية، كما حرموا من الحق في السكن، وعدم تحفيظ المساكن المسلمة إلى بعضهم منذ أوائل الثمانينات. رحمة: هزالة المعاش أرغمتني على العيش مع أخي تحكي رحمة الظريف، أرملة بتطوان، بحرقة وألم، عن وضعيتها الاجتماعية بعد استشهاد زوجها العسكري سنة 1987، ليترك لها ابنة لم يكن عمرها آنذاك يتجاوز سنتين ونصف السنة، عانت الكثير بعد وفاة زوجها، حيث انقطع مصدر عيشها الوحيد، لأزيد من سنة، اضطرت معها إلى مغادرة بيت أسرة زوجها لتلتحق بأسرتها رفقة ابنتها، من أجل التكفل بدراستها، لكن ضيق بيت الأسرة، اضطرها بعد فترة إلى كراء مسكن في حي بعيد بـ 700 درهم، عانت خلالها شظف العيش وتحمل مصاريف تمدرس ابنتها الوحيدة. ومع مرور السنوات، تقول رحمة، وجدت نفسها عاجزة عن مسايرة مصاريف الحياة، بالمعاش الهزيل الذي كانت تتقاضاه والذي لم يكن يتجاوز في البداية 1550 درهما، بسبب كلفة التنقل والتمدرس والعلاج، في غياب أي دخل، وقد اضطرت ابنتها لمغادرة الدراسة، بسبب غياب إمكانيات لتحمل المصاريف، رغم أن أملها كان هو إتمام دراستها. تتحدث رحمة بحرقة، وهي تستعيد شريط السنوات الأولى لفترة ما بعد استشهاد زوجها في ساحة الشرف، دفاعا عن وحدة الوطن، في غياب أي سند أو معيل، بل لم تستفد حتى من سكن كما هو حال عدد من الأرامل، أو حتى رخصة نقل، رغم الاتصالات والرسائل التي وجهتها إلى العديد من الجهات. "لقد وجدت في الجمعية إطارا لاحتضان مأساتي، إلى جانب أسر وأرامل، نناضل من أجل تسوية أوضاعنا والاهتمام بنا بعد استشهاد أزواجنا"، تقول رحمة في حديث مع "الصباح" وهي تحكي بحرقة وحسرة ما كانت تردده ابنتها "لم نستفد من هذه الدولة أي شيء، رغم استشهاد والدنا في سبيل الوطن. وها أنا أعيش لوحدي رفقة شقيقي بتطوان، دون كرامة ودون أي رعاية أو اهتمام من الحكومة". أسرة من سبعة أفراد بدون معيل أو معاش قال نور الدين بنعبو، ابن الشهيد حسن بنعبو، العسكري ابن الخميسات الذي سقط في حرب الصحراء بعد المسيرة الخضراء، إن الأسرة المتكونة من سبعة أفراد عانت الكثير بعد وفاة والدها، بسبب غياب دخل قادر على توفير شروط العيش الكريم. استشهد والده، يوم 24 نونبر 1975، لتتحول حياة الأسرة إلى جحيم، ظلت الأم تعاني في صمت من أجل تربية أبنائها السبعة، وكان المعاش الهزيل الذي لا يتجاوز 1500 درهم يقتسم مع الجدة، قبل أن توافيها المنية. يحكي نور الدين العاطل عن العمل، رفقة إخوته الستة بألم كيف كانت السنوات الأولى صعبة على الأسرة، بسبب عدم القدرة على تدبر أمور العيش، حيث كانوا يكترون بيتا في مكناس، قبل أن يستفيدوا من سكن في دور الشهداء بحي البساتين، يعيشون فيه اليوم في غياب أي دخل إثر انقطاع المعاش بعد وفاة والدتهم بسبب مرض عضال. يقول نورالدين "لقد حرم أفراد الأسرة من حنان الأب، في سن مبكرة، وتعمقت معاناتهم، حيث غادروا فصول الدراسة، ولم يتمكنوا من امتهان حرفة تدر عليهم دخلا، وهم يعيشون اليوم دون دخل، في غياب أي اهتمام من قبل الجهات المسؤولة، ولم يجدوا سوى دعم الجمعية المعنوي، منذ التحاقهم بفرعها الجهوي بمكناس. مطالب لجبر الضرر حرصت الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية، على توثيق مطالبها في مذكرات مرفوعة إلى السلطات والأحزاب تطالب الدولة بإنصاف هذه الفئة من خلال مطالب تعويض أسر الشهداء والمفقودين ماديا ومعنويا، وجبر الضرر الذي لحقهم، ومراجعة معاشات الأرامل، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتكييفها مع ارتفاع مستوى المعيشة . كما تطالب الجمعية بإلغاء المواعد الطبية في المستشفيات العسكرية والعمومية لأرامل الشهداء، وتوفير التغطية الصحية لأبناء الشهداء، ومجانية العلاج في المستشفيات العسكرية والعمومية والخاصة، مع تشغيل أبناء الشهداء حاملي الشهادات، واعتماد حلول بديلة تتماشى ومطالبهم. ولمساعدة الأسر على توفير شروط العيش، تطالب الجمعية بتمتيع الأرامل وأيتامهن برخص مأذونيات النقل والمقالع وبقع الأسواق والأكشاك وبطائق مجانية النقل في القطارات، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء الشهداء، وتسريع معالجة ملفاتهم لدى مصالح الصندوق المغربي للتقاعد . كما تطالب الجمعية بإلغاء القانون الحالي لمكفولي الأمة، وتعويضه بآخر يضمن الكرامة والعيش الكريم للمكفول لهم ولأسر الشهداء، وتطبيق الأوامر الملكية القاضية بتوفير السكن اللائق لأسر الشهداء، وتوفير كل الرعاية المادية والمعنوية لهم . المفقودون... بين الحياة والموت خلفت حرب الصحراء فقدان المئات من العسكريين والمدنيين، بسبب الألغام أو سقوطهم في معارك الدفاع عن حوزة الوطن، أو تعرض بعضهم للأسر من قبل عصابات بوليساريو دون أي يعرف لهم مصير. ويشكو أعضاء الجمعية من سياسة التعتيم حول ملف المفقودين الذين قدرت جهات رسمية عددهم بـ 452 مفقودا، في حين تذهب الجمعية إلى وجود حوالي 700 مفقود، استنادا إلى تقارير فروعها عبر التراب الوطني. هذه الفئة من المفقودين أضحت في منزلة بين المنزلتين (حي/ ميت)، وباتت مصدر اضطرابات نفسية خطيرة في صفوف زوجاتهم وأبنائهم، في ظل الفراغ القانوني، في ما يخص وضعية المفقود، وهو ما حرم ذويهم من الاستفادة من الحقوق المخولة لهم، بدعوى أن ذويهم مجهولو المصير. والمثير في ملف المفقودين، يقول الحجام، هو حرمان 601 أسرة مفقود من تعويضات التأمين، بعد إخبارهم باستشهاد ذويهم بتاريخ فاتح يونيو 2001، بمخيمات تندوف، وتسليمهم شهادات الوفاة، تفيد أن ذويهم وافتهم المنية في مناطق نفوذ مغربية أثناء مزاولتهم لمهامهم العسكرية، رغم إعلان الدولة لفقدانهم لأكثر من عشرين سنة. كما أخبر فوج ثان من عائلات المفقودين بتاريخ 31 ماي 2015 يضم 184 حالة استشهاد. وظلت مصالح الصندوق المغربي للتقاعد تقتطع من رواتب المفقودين إلى غاية الإعلان عن استشهادهم، في الوقت الذي كان هؤلاء الشهداء في نظر المسؤولين يزاولون مهامهم ووظيفتهم في سلك القوات المسلحة الملكية، لكن لم يتم احتساب المعاش، إلا بناء على تاريخ الاستشهاد، وعلى أساس السن القانونية للإحالة على التقاعد.

شهداء حرب الصحراء … الملف المنسي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"بسيج" يطيح بخلية إرهابية بكلميم

128 ألف عنوان في معرض الكتاب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات