تمرد مصالح

< كيف تقرأ حركات التمرد داخل الأحزاب، وهل يعتبر ذلك مؤشرا على أزمة الديمقراطية؟ < هي بالتأكيد أزمة ديمقراطية داخلية، من حيث عجز الأحزاب عن ضبط وتأطير الاختلاف، وهي مسألة مرتبطة بطبيعة الثقافة السياسية السائدة في أغلب الهيآت، وكيفية اتخاذ القرارات، والتي لا تبنى من القواعد، بل تفرض من الفوق، دفاعا عن مصالح خاصة لأغلب القيادات الحزبية. وعوض أن تسود ثقافة سياسية تؤمن بالاختلاف، وتخضع التنظيم لآليات الديمقراطية، تعبيرا عن حاجة موضوعية، تشكل القيادات بناء على الولاء والمصالح، وبثقافة العشيرة والقبيلة والعائلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى كاريزمية الرئيس والزعيم، والذي لا ترد له كلمة، وهو صاحب القرار السياسي والمالي والإداري، في غياب ثقافة التدبير الجماعي، أو الإيمان بالاختلاف، ويتحول الحزب في هذه الحالة إلى ملكية خاصة لأشخاص بعينهم. < أخذ التمرد شكل حركات تصحيحية، عوض أسلوب الانشقاق الذي طغى في عقود سابقة. لماذا عجز قانون الأحزاب عن ضبط عمل الهيآت السياسية؟ < أكيد أن ظهور الحركات المسماة تصحيحية من داخل بعض الأحزاب، يرتبط في العمق بضعف الديمقراطية الداخلية، وعدم الاحتكام إلى القوانين التي يضعها الحزب في مؤتمراته الوطنية. وأمام درجة الاحتقان والعجز عن تحقيق انتظارات مختلف الأطراف وقضاء مآربها، تظهر مثل هذه الحركات التي تدعي التصحيح، لكن تظل محتشمة وضعيفة، ولا تصل إلى مستوى التأثير في الهياكل التنظيمية للحزب، والتي تظل تحت قبضة القيادة والزعيم. والملاحظ على بعض هذه الحركات أنها تظل مرتبطة بمصالح شخصية، أكثر من التعبير عن حاجة موضوعية للدمقرطة والتغيير، ولذلك تفتقد إلى القوة التنظيمية والديمقراطية التي تمكنها من فرض آرائها، وتبقى مجرد مناورات تهدف إلى تحسين الموقع، وغالبا ما تظهر بعد الاستحقاقات التنظيمية (المؤتمرات) والانتخابات المختلفة التي تحلف صراعات حول التزكيات والتدبير المالي. < اختارت بعض الأحزاب إقرار العمل بالتيارات، لاحتواء الاختلاف وتنظيم التعدد. كيف تنظر إلى هذه التجربة في تعزيز الديمقراطية الداخلية؟ < اللجوء إلى أحزاب التيارات هو أسلوب ينتمي إلى ثقافة أحزاب اليسار، المؤمنة بالتعدد والاختلاف، وسعيها إلى ضمان مساحات أوسع للتعبير الحر عن كل الآراء، مهما اختلفت مع القيادة. إنه أسلوب مرتبط بالمشروع السياسي والفكري لأحزاب اليسار، وكان يتم من خلال صياغة أرضيات تعبر عن وجهات نظر أصحابها، وتناقش علنيا داخل الحزب، بل وتجد مساحات حرة للنقاش داخل المؤتمرات الوطنية لضمان حضورها في الأجهزة الحزبية حسب مبدأ النسبية. وأعتبر أن هذا الأسلوب في تدبير الاختلاف، تحول في بعض الأحيان إلى جواب ظرفي على بعض الأزمات الداخلية من قبل بعض الأحزاب، لكن مع ذلك يبقى أسلوبا صحيحا، لأنه مبني على مشروع فكري وسياسي يؤمن بالاختلاف والتغيير، وبالتالي يقتضي ضمان التنافس بين أكثر من وجهة نظر عبر وثائق وأفكار تناقش بشكل ديمقراطي داخل الحزب برمته. لكن الأحزاب التي لا تمتلك هذه الثقافة الديمقراطية، فلا يمكن لما تسميه حركات تصحيحية أن ينتقل إلى مستوى التيار المؤسس على أفكار ورؤية سياسية متكاملة، ولا تعدو أن تكون مجرد صرخات من أجل مصالح ضيقة لأفرادها. * أستاذ باحث ومحلل سياسي أجرى الحوار: برحو بوزياني

تمرد مصالح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أبو الذهب: التكوين سلاحنا لمحاربة الجريمة

رسالة من رئيس جزر القمر للملك

مقالات ذات صلة