قبائل تمردت على بطش وجشع القياد بسبب الجبايات ارتبط النظام الضريبي تاريخيا في المغرب بتركيز المخزن لسلطته وسط القبائل، واختبار مدى ولائها للسلطة المركزية وممثليها، وفي الوقت نفسه ضمان موارد قارة للدولة والحكم. وفي هذا السياق قال الباحث عمر الإيبوركي إن ما يطبع علاقة القبائل بالمخزن هو الضرائب التي كان يتم تحصيلها من خلال ممثلي السلطة المحلية في القبائل خاصة القياد، الذين لم يكونوا موظفين بالمعنى الحديث للكلمة بقدر ما كانوا مكلفين بجمع الضرائب من القبائل التي غالبا ما يكونون ينتمون إليها ويوضعون على رأسها. ويضيف أستاذ علم الاجتماع أن الضريبة عبر تاريخ المغرب اتخذت أشكالا وصيغا وأسماء عديدة مثل "لفْريضة" و"السخرة" و"الهدايا" و"الكلف" والخرص" و"المقاضاة" التي تستخلص من واجب فض النزاعات والتحكيم بين القبائل، إضافة إلى "الزكاة" والتي تصنف ضمن الضرائب الشرعية. ويضيف الإيبوركي أن تلك الأنواع من الضرائب استمرت إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر حين قام السلطان الحسن الأول بمجموعة من الإصلاحات تروم معالجة تفكك البناء الاقتصادي والاجتماعي الذي عانت منه الدولة المغربية، وكانت الإشكالية المالية في صلب اهتمامات هذا السلطان من أجل توفير موارد مالية لتمويل مشاريع الإصلاح التي باشرها، فظهرت ضريبة الترتيب التي شكلت تجميعا للعديد من الضرائب المذكورة في ضريبة واحدة، تمت المصادقة عليها ضمن معاهدة دولية ضمت أطراف الدولة الاستعمارية. ورغم أن ضريبة الترتيب حافظت على النمط نفسه في تجميعها، إلا أنها لقيت معارضة شديدة من قبل العديد من القياد الذين رأوا فيها نوعا من انتزاع بعض من اختصاصاتهم والحد من نفوذهم المبني على أسلوب استخلاص الضرائب من خلال إثقال كاهل القبائل ومعاقبة المتخلفين عن أدائها والرافضين لها. وأوضح الإيبوركي هذه النقطة قائلا إن الضرائب كانت تخضع للزيادة، فما إن يستحدثها المخزن حتى يضيف إليها القائد نسبة والمقدم نسبة وكذلك الخراصون والأمناء، حتى تتحول إلى عبء ثقيل يثقل كاهل القبيلة والأفراد لدرجة أن أحد الإثنوغرافيين الفرنسيين قال إن "الضربات لا تنقطع" بشكل يدفعهم إلى التفكير في التمرد على السلطة المركزية من خلال مقاومة طغيان وبطش وجشع ممثليها وهو الأمر الذي حدث مع العديد من القبائل منها حاحا والشياظمة ودكالة والرحامنة وغيرها. وتابع صاحب كتاب "الظاهرة القائدية، القائد العيادي الرحماني" أن ضريبة الترتيب التي ظهرت مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تطلبت إحداث مؤسسة الأمناء كما أن إدارة الحماية الفرنسية تدخلت من خلال ممثليها من ضباط ومراقبين، لتسحب البساط من تحت القياد الذين تغولوا عبر ممارساتهم وهم يستخلصون الضرائب وهو ما جعل بعضهم يقود حركات تمرد. وأكد الباحث أن العلاقة بين المخزن والقبائل في ما يتعلق باستخلاص الضرائب كانت مؤشرا على مدى امتثال هذه القبائل للسلطة المركزية، وهو ما جعل الكثيرين يفسرون أن تمرد القبائل معناه رفضها لهذه السلطة، وهو الأمر الذي يحاول الإيبوركي تفنيده استنادا إلى شهادات تاريخية ترى أن التمرد كان على بطش القياد وليس ضد السلطان، كما أشار إلى ذلك العلامة والمؤرخ المختار السوسي. عزيز المجدوب