محكمة عين السبع … قضايا لا تعرف العطلة

ظروف عمل صعبة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وطرائف ومواقف خففت على المعتقلين أحزانهم الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال، بالقاعة رقم 8 بالمحكمة الابتدائية الزجرية عين السبع بالبيضاء، تقدم رجل للبدء في ترتيب ملفات التقاضي، بعدها بلحظات بدأ المتقاضون وعائلاتهم بالتوافد على القاعة، منهم من جاء لمتابعة جلسة محاكمة ابنه أو قريب له، ومنهم من يسعى فقط للاستئناس بقصص جرائم وخلافات لعله يأخذ الموعظة منها. إعداد : محمد بها بعد لحظات ترقب، كسر هدوء القاعة رئيس الجلسة الذي أعلن افتتاحها باسم جلالة الملك، معلنا عن بدء النظر في الملفات المعروضة أمامه رفقة هيأة المحكمة للبت فيها. بالقاعة 8 بدأ رئيس الجلسة في الإعلان عن أرقام الملفات المعروضة أمامه، مناديا في الوقت نفسه على أسماء المتهمين الذين يوجدون في حالة اعتقال وكذا أسماء هيأة الدفاع التي تنوب عنهم وعن الضحايا. وخلال الساعات الأولى من جلسة المحكمة بالقاعة 8 أجل رئيس الجلسة مجموعة من الملفات إلى تواريخ لاحقة لأسباب تتعلق بعدم الجاهزية، أو عدم توفر المتهم على محام ينوب عنه. ملفات كثيرة لا مجال للعطلة أمام كثرة الملفات المعروضة أمام القاضي، الذي اضطر لمواجهة تعبه إلى رفع الجلسات عدة مرات من أجل إعادة الأنفاس إلى الهيأة القضائية للقيام بواجبها على أكمل وجه، وكذا المعتقلين وعائلاتهم الذين كانوا يتصببون عرقا من الحرارة المفرطة التي عمت القاعة. هي ساعات طويلة قضتها الهيأة القضائية والمحامون، بدءا من عرض ملف المتهمين ومثولهم أمام القاضي للاستماع إليهم حتى موعد تأجيل الملف إلى جلسة لاحقة، سبب غياب طرف ما أو منحهم فرصة توكيل محام للدفاع عنهم، وهو ما جعل رئيس الجلسة وممثلة النيابة العامة وكاتب الضبط يواجهون التعب البادي عليهم بسبب كثرة الملفات وطول مدة مرافعات المحامين، وما صاحبه من ارتفاع في درجات الحرارة، التي سيطرت على القاعة وجعلت الجميع يعاني العطش ويتصبب عرقا، وهو ما فطن إليه عون المحكمة، الذي قدم قنينات ماء للمحامين الذين كانوا يرافعون وكذا للهيأة القضائية. طرائف الجلسات رغم مشاهد الدموع والحزن والمرافعات التي تكسر صمت القاعة الرهيب، إلا أن المثل المغربي "كثرة الهم كضحك" يأبى إلا أن يحضر بجلسة المحاكمة لعله يخفف شيئا من الحزن والخوف اللذين يسيطران على الحاضرين بالقاعة. والبداية من خلال إصرار بعض عائلات المعتقلين على إلقاء نظرة وإلقاء التحية عليهم والمناداة باسمهم بصوت مرتفع، وهي السلوكات التي تثير غضب رجال الأمن المكلفين بالحراسة وأمن القاعة، إذ يبدؤون في طرد العائلات التي تخرق قانون متابعة ما يدور في جلسة المحكمة، إلا أنه بعد مرور لحظات يعود الأشخاص أنفسهم إلى المناداة على المعتقلين وتحيتهم، فيعاود رجال الأمن طردهم من جديد، ليتحول المشهد إلى لعبة القط والفأر، وهو ما يجعل بعضا من الحضور ينخرط في موجة من الضحك. وإضافة إلى سلوك المعتقلين وعائلاتهم التي تصر على تبادل التحايا معهم، عرفت القاعة 8 واقعة طريفة، تمثلت في نهوض مجموعة من الرجال الجالسين من المقاعد المخصصة للحضور، وهم ينادون أحد المعتقلين "مصطفى، مصطفى ..." وهو يهم بمغادرة القاعة بعد أن قرر القاضي الإفراج عنه إثر تنازل زوجته عن متابعته في قضية تتعلق بالخيانة الزوجية، الأمر الذي جعل رئيس الجلسة يخاطب أحدهم "سير وجد ليه العشا، راه غادي اخرج هاد الليلة" وهو ما جعل الحضور ينخرط في موجة من الضحك. وإضافة إلى ذلك قامت إحدى الأمهات بمغادرة مقعدها ووقفت لتطالب رئيس الجلسة بمنحها فرصة للكلام، إذ لم تتردد أثناء استماع القاضي للمتهمين في تجاوز المكان المخصص لها والاقتراب من قفص الاتهام، رافعة يدها لإثارة انتباه الهيأة القضائية، رغم أنه ليس من حقها ذلك مادام لم يناد عليها لتقديم شهادتها، الأمر الذي أزعج القاضي وخاطبها "سيري تجلسي ولا ماغادي عجبك حال" وهو ما استجابت له دون تردد، خوفا من إيقافها، ما أثار المتتبعين لطرافة المشهد. حرارة لم يمنع ارتفاع درجات الحرارة التي يعرفها المغرب والتي سيطرت على قاعات المحكمة التي لا تتوفر على مكيفات الجو، عائلات المتقاضين والمعتقلين الذين ينتمون إلى مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية من المجيء إلى المحاكم لأسباب مختلفة، لمتابعة مثول أقربائهم وجيرانهم وأبنائهم أمام هيأة المحكمة. لا يمكن لزائر هذا الفضاء التابع لمنظومة القضاء إلا أن يثير انتباهه تكدس مجموعة من النساء والرجال والشباب في الكراسي المخصصة للعموم لمتابعة أطوار جلسات مثول المتهمين ومرافعات دفاعهم. جرائم القتل أو الاعتداء بالضرب والجرح والاغتصاب وتكوين عصابات السرقة وترويج المخدرات والابتزاز والخيانة الزوجية، كلها أسباب جاءت بنساء ورجال كبار في السن إذ تزاحموا في الكراسي المخصصة لمتابعة أطوار جلسات مثول المتهمين ومرافعات دفاعهم، مضطرين لتحمل الحرارة وتداعياتها على صحتهم في ظل حرارة ملفات عائلاتهم المعروضة على المحكمة. خيانة زوجية ما إن مثل أمام القاضي متهم بالخيانة الزوجية، حتى نادى على ابنيه، مطالبا إياهما بمغادرة القاعة، لأن الموضوع يخص والديهما فقط، وهو ما استجاب له الشابان دون تردد. ولم يتمالك المتهم نفسه وشرع في البكاء بعد مثوله أمام القاضي رفقة عشيقته، مقرا بندمه عما اقترفه من خيانة في حق زوجته، التي كانت بجانبه والتي أعلنت للقاضي تنازلها عن مقاضاة شريك عمرها رأفة بحال ابنيها. وقرر القاضي الإفراج عن المتهم بعد تنازل زوجته عن متابعته، قبل أن يخاطبه "ما تكافيتي حتى مع هادي عاد باغي تزيد وحدة أخرى، هانتا غادي تخرج شوف أش غادير عاوتاني". إنسانية القضاة رغم ما يشاع من أن القضاة لا شفقة لديهم وأنهم مصدر الأحكام التي توجب السجن، وهو حكم قيمة يجعل من المرء يهاب الوقوف أمامهم، إلا أنه من خلال متابعة جلسات المحاكمات التي شهدتها المحكمة الابتدائية الزجرية عين السبع بالبيضاء، يتضح أن القاضي ليس بمعزل عن محيطه، وأن المهمة الجسيمة التي أوكلت إليه للفصل بين المتقاضين ومعاقبة المتورطين لم يتجرد من إنسانيته. ومن الأمور التي تكشف الجانب الإنساني للقاضي الذي يأبى إلا أن يظهر بشكل عفوي من خلال سلوك رئيس الجلسة، الذي رغم هيبته وحدة أسئلته، فإنه يتعاطف مع الماثلين أمامه ويحاول التوصل إلى الحقيقة من أجل إحقاق الحق وإنصاف المظلوم، فرئيس الجلسة ما إن يمثل أمامه متهم دون محام يسأله إذا كان يتوفر على دفاع وما إن يجيبه بالنفي، حتى ينصحه بضرورة تنصيب محام ويقرر تأجيل البت في قضيته إلى جلسة أخرى يكون فيها مصحوبا بمحاميه للترافع عنه. وليس هذا فحسب، فبينما عانى من بداخل القاعة 8 ارتفاع درجات الحرارة بفعل عدم التوفر على مكيفات هوائية، تبنى رئيس الجلسة بمجرد تسلمه قنينة ماء لإرواء عطشه من قبل عون المحكمة، سلوك الإيثار بتنازله عن شرب الماء وأمر العون بمنحه لإحدى المعتقلات، وهو السلوك الذي شد انتباه من بداخل القاعة.

محكمة عين السبع … قضايا لا تعرف العطلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصب باسم وزيري الداخلية

الحبس لمحدث الفوضى بمستشفى

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات