نساء الربيع العربي… الجنس الناعم يريد

ضحين من أجل إسقاط الأنظمة وخرجن خاويات الوفاض في مراحل تشكيل الحكومات الانتقالية لابد أن مشهد تلك الشابة، المائل لون بشرتها إلى السمرة، وهي ترفع يدها عاليا حاملة ورقة من دفتر محاضرات، مازالت عليها آثار الطي، وكُتب عليها بلغة فرنسية وخط أنيق «بن علي ارحل»، وخلفها جحافل المحتجين من كل الفئات العمرية ومن كلا الجنسين، ما زال عالقا بأذهان الكثير من الذين تابعوا مسلسل انهيار أقوى الأنظمة البوليسية في المنطقة العربية، والذي ظل جاثيا على صدور التونسيين لأزيد من عقدين من الزمن.المشهد رغم بساطته، كان يجسد واقعا عميقا على أرض واقع ثورة الياسمين، التي انطلقت شرارتها يوم 17 دجنبر من سنة 2010، بعد إحراق محمد البوعزيزي جسده. إن تلك الصورة تؤرخ، عن استحقاق، للدور الوازن والفاعل الذي لعبته نساء بلاد تونس في معركة التحرير والخلاص من نير الاستعباد الذي طوق به نظام بن علي وأزلامه رقاب التونسيين، مستعينا في ذلك بأعتى نظام بوليسي عرفه تاريخ الدولة التونسية والمنطقة العربية.حناجر التونسيات، وعلى غرار الرجال، صدحت بكل قوتها «ارحل يا بن علي»، علاوة على صدحهن بمطالب الحرية والكرامة والديمقراطية.. وبدورهن قدمن أرواحهن وأجسادهن قرابين في سبيل إسقاط طاغية قصر قرطاج وحاشيته من عائلة ليلى الطرابلسي وضباط البوليس السياسي سيئ الذكر... في طلائع المسيرات التي اجتاحت شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس كانت النسوة تحتل أماكنها في صفوف الثوار، ولم يقتصر الأمر بتاتا على العاصمة لوحدها، بل إن مختلف ربوع بلاد تونس متواضعة المساحة شهدت مسيرات احتجاجية تطالب بإسقاط النظام وحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي).الإعلامية التونسية، مبروكة خضير، كتبت في أحد مقالاتها المتابعة للثورة أنه «في لحظة من لحظات الثورة اضطرت نساء القصرين، حيث سقط عدد كبير من الشهداء، إلى الخروج لدفن الشهداء، لأن الشباب والرجال كانوا مستهدفين من قبل ميليشيات نظام بن علي، ومن خرج إلى المقابر منهم مصيره أن يُقنص...».ثلاثة وعشرون يوما كانت كافية لتنتصر تونس برجالها، ونسائها، على الدكتاتورية وتشرع في رسم معالم نظام ودولة ما بعد الطاغية، لكن، وكما تأتي، أحيانا، الريح بما لا تشتهي السفن، جاءت ثمار ثورة الياسمين بما لا يرضي تطلعات وطموح التونسيات، فأول حكومة انتقالية، والتي شكلها محمد الغنوشي، الوزير الأول في عهد بن علي، يوم 15 يناير الماضي، يوما واحدا بعد فرار زين العابدين بن علي، لم تتضمن سوى ثلاث نساء (مفيدة التلاتلي في وزارة الثقافة، وليليا لعبيدي وزيرة لشؤون المرأة، وفوزية الشرقي كاتبة الدولة في التعليم العالي)، من أصل 39 وزيرا..كانت تلك أولى الصفعات لنساء الثورة التي أشعلت شرارة ربيع عربي عصف بأنظمة متسلطة وهز عروش أخرى، والبقية تأتي. الإقصاء لم يكن هذه المرة بقرار تعسفي وسلطوي، بل كان بأسلوب لا هو بالديمقراطي ولا بالدكتاتوري، وإنما عن طريق توافق سياسي بين القوى السياسية في الساحة التونسية، في ما يشبه "تنكرا" لما بذلنه في سبيل إنجاح الثورة..الأمر لم يتغير حتى بعد إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة "تصريف أعمال" (في انتظار تشكيل لجنة تأسيسية ووضع دستور جديد للبلاد) برئاسة حمادي الجبالي (عن حزب النهضة الإسلامي الذي حقق انتصارا كبيرا في انتخابات 23 أكتوبر الماضي)، إذ لم تضم هذه سوى خمس سيدات، وزيرتان وثلاث كاتبات دولة من أصل أربعين وزيرا...معالم الأمور، وإن كانت قد بدأت تتبدى، على الساحة السياسية التونسية، فإنها في أرض الفراعنة، التي أسقط شبابها ورجالها ونساؤها نظام حسني مبارك الذي حكم البلاد لأزيد من 30 عاما، مازال يلفها الغموض والوضع أكثر سوءا في ليبيا التي لم يستقر بها الحال بعد، إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن للإسلاميين حظوظا واسعة في حصد ثمار الديمقراطية التي أفرزتها ثورة 17 فبراير، كما كان الأمر مع الإخوان المسلمين والسلفيين في مصر...بلدان الربيع الأخرى والتي عرفت بدورها "زلازل" سياسية (البحرين، الأردن، عمان، سوريا...) الصورة بها ما تزال أكثر غموضا، وحتى البلدان التي نجت من عين العاصفة، المغرب مثلا والكويت، لم تمنح لنساء الربيع العربي حظا من كعكة الثورة، ففي المغرب لم تضم حكومة بنكيران سوى وزيرة واحدة، أما في الكويت فإن النساء لم يفزن ولو بمقعد واحد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي تصدر نتائجها أيضا الإسلاميون... محمد أرحمني

نساء الربيع العربي… الجنس الناعم يريد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شقراء "20 فبراير" تواجه معارضي الحركة

3 أسئلة: نساء جميلات أصبحن يقدن المسيرات الاجتماعية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات