أكثر اللحظات اليومية حبا عند خالد، هي حينما ينزع حذاءه، الذي لا يرخي قبضته على أصابع رجليه، لأكثر من 12 ساعة في اليوم. يظل واقفا أمام عمارة عالية في شارع عبد المومن بالبيضاء، وعهد إليه أن يكون دائما في حالة تأهب، لأنه رجل أمن خاص "سيكيريتي"، ومهمته مراقبة عشرات بل مئات الأشخاص، الذين يتوافدون يوميا على مكاتب شخصيات مهمة وبعض الشركات، الموجودة داخل العمارة. عندما يتحدث عنه معارفه، يصفونه بالغموض، لأنهم لا يستطيعون أن يستوعبوا أنه متزوج وأب لطفلة، ويسكن في البيضاء، ويستعمل وسائل النقل يوميا إلى عمله، فيما يصرح لهم أن راتبه لا يتجاوز 2000 درهم. ويقسم خالد راتبه إلى ثلاثة، نصف راتبه الشهري يذهب إلى جيب أبيه الذي يشرف على شؤون المنزل، ويؤمن له المبلغ غرفة نوم، يسكنها رفقة زوجته وابنته، بالإضافة إلى الأكل والأمور المنزلية الأخرى، بينما يقتسم النصف المتبقي مع زوجته، للاستجابة إلى حاجياتهما الشخصية. يلقبه المستخدمون في مكاتب العمارة التي يحرسها بـ "الصحراوي"، لأن أصوله من الصحراء، لكنه غادر موطنه في سن العاشرة، رفقة أسرته نحو البيضاء، وكان تلميذا في المستوى الرابع ابتدائي حينها، وبمرور الأعوام وجد خالد نفسه عاطلا، بعدما حصل على الإجازة في شعبة الدراسات الإسلامية، بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، وارتمى في أحضان الأمن الخاص، رغم ظروف العمل القاسية والراتب الشهري الهزيل، لأنه اكتوى بنار البطالة لسنوات. كان خالد في سنوات البطالة يساعد أباه، في محل أعشاب، لكن بعد تجاوزه الثلاثين قررت أمه تزويجه من فتاه من نواحي كلميم، وأصبح مجبرا على البحث عن عمل يدر عليه بعضا من المال لمساعدة أبيه، وتغطية حاجياته الشخصية. يعامله مستخدمو العمارة الذين يعرفون قصته بنوع من الشفقة، لكنه يقابلهم بشجاعة، ويعتبر أن ظروفه أحسن من كثيرين، وأنه راض بقدره. ويتنقل خالد يوميا بين شارع "عبد المومن" وحي "الولفة" على متن دراجة هوائية، ويستعملها في جميع تحركاته. ويبقى الشيء الوحيد الذي يقض مضجع خالد، هو عدم توفره على التغطية الصحية، بسبب رفض الشركة التي تشغله التصريح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويعبر عن مخاوفه بالقول، إنه معرض يوميا لحادثة سير لأنه يستعمل دراجته الهوائية كثيرا. عصام الناصيري