أمن مولاي رشيد … الحرب على الجريمة

حملات شاركت فيها الفرقة الوطنية والولائية أطاحت بجانحين إنجاز مصطفى لطفي – تصوير أحمد جرفي ليلة غير عادية شهدها مقر المنطقة الأمنية مولاي رشيد بالبيضاء، إذ تقاطر عليه عدد من سيارات الشرطة، ترجلت منها عناصر بحماس كبير، تبين في ما بعد أنها تنتمي إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والفرقة الجنائية الولائية. التحق بها أفراد شرطة مولاي رشيد، وشكلوا فرقا جمعت بين الشباب وأصحاب الخبرة أوكلت إليها مهمة القيام بحملات أمنية بالمنطقة. في خضم النقاش حول الأماكن التي ستستهدفها الحملة وطريقة انتشار العناصر الأمنية، حل رئيس المنطقة الأمنية عبد الهادي السيبة، مصحوبا بعبد القادر ماحي رئيس الشرطة القضائية لمنطقته، لتفقد العناصر المشاركة في الحملة والترحيب بها، قبل الإعلان عن ساعة الصفر. حرص السيبة على توجيه تعليمات للمشاركين في هذه الحملة الأمنية، إذ شدد فيها على نجاعة التدخلات الأمنية للإيقاع بأكبر عدد من المنحرفين، منبها في الوقت نفسه، أن تتم في إطار القانون، واحترام وتقدير أي شخص اشتبه في أمره، وتفتيشه بطريقة بعيدة عن أي شطط أو تعسف. بدا على عناصر الشرطة رضا وتفهم كبيران لتوجيهات رئيسهم، قبل أن ينتشروا بحماس داخل سيارات المصلحة معلنين بداية الحملات الأمنية. بمكان غير بعيد، كان حماني، نائب رئيس الشرطة القضائية لمولاي رشيد وفيضي، رئيس الفرقة الجنائية الولائية، يضعان آخر الترتيبات لهذه الحملة، إذ أشرفا عليها شخصيا، بمرافقة العناصر الأمنية إلى الأماكن المستهدفة، وبعد اتفاق حول جل تفاصيلها، نقلا تعليماتهما إلى باقي العناصر الأمنية، فغادرت سيارات الشرطة المقر معلنة بداية الحملات الأمنية. بداية الحملة ...أول الغيث كانت أول الأماكن التي استهدفتها الحملة الأمنية مقهى شهير بأحد أحياء مولاي رشيد، مخصصا لتدخين الشيشة، إذ تحول إلى وكر للفساد، ومقرا دائما لأفراد العصابات والمبحوث عنهم. أتت العملية الأمنية أكلها باعتقال أزيد من تسعة أشخاص، من بينهم ثلاث فتيات متهمات بتعاطي الفساد. نقل الموقوفون إلى مقر الشرطة القضائية، وعند إخضاعهم للتنقيط وتحقيق الهوية، تبين أن فردين منهم مبحوث عنهما من قبل أمن أنفا وشرطة مولاي رشيد من أجل السرقات الموصوفة وترويج المخدرات. استعادت الحملات نشاطها بعد هذه الوقفة المؤقتة، إذ استهدفت هذه المرة عددا من أحياء مولاي رشيد، وتم إيقاف عدد كبير من المشتبه فيهم، أخضعوا لتفتيش دقيق، قبل مطالبتهم بركوب سيارات الشرطة. كانت ردود أفعال الموقوفين متباينة، إذ في الوقت الذي أبدى البعض تفهما لهذا الأمر، وتقبله بصدر رحب، امتزج لدى آخرين الاحتجاج بالتوسل، لكن تعامل أفراد الشرطة كان صارما في تطبيق القانون، لدرجة أن شرطيا اضطر لتهدئة الوضع، مرددا عبارة «اللي ما داير والوا ما عندو علاش اخاف». عبارة كان لها وقع السحر، إذ عاد الهدوء داخل سيارات الأمن، وهي في طريقها إلى مقر الشرطة القضائية. مقر الشرطة ... خلية نحل تحول مقر شرطة مولاي رشيد إلى خلية نحل، بين كل 10 دقائق تحل سيارة شرطة محمولة بعدد من المشتبه فيهم، وبمجرد إنزالهم تغادر مسرعة لتقديم الدعم والمساندة لباقي العناصر الأمنية في عدد من الأحياء. كان تعامل المسؤولين الأمنيين مع الموقوفين، يكشف عن حس كبير ومستوى عال من المسؤولية، إذ رغم الارتباك الذي بدا على عدد من المشتبه فيهم، تلقوا تطمينات بأن الأمر لن يخرج عن إجراء بسيط للتحقق من هوياتهم قبل العودة إلى منازلهم، باستثناء من ثبت تورطه في جنحة أو جناية. بعد فترة لم تتجاوز نصف ساعة، غادر الفوج الأول من الموقوفين مقر الشرطة، أعمارهم تتراوح بين العشرينات والخمسينات، عمد أغلبهم إلى تحية العناصر الأمنية، كأنها رسالة منهم أنه «عمر داود ما يعاود»، وأن إيقافهم يعود لوجودهم بالمكان الخطأ. صادف مغادرة المشتبه فيهم مقر الشرطة، وصول سيارات أمنية تحمل معتقلين جددا، لمح أحد الموقوفين المغادرين لحظة نزوله من السيارة، فبدا على وجهه ابتهاج، بعد أن أدرك أن رحلته ليس كما صورها في مخيلته، بل فقط إجراء بسيط سيخضع له ويغادر المكان بدوره. حي الفضل ... الظلام تجمعت العناصر الأمنية من جديد بساحة مقر المنطقة الأمنية، وتم الاتفاق هذه المرة بين نائب رئيس الشرطة القضائية، لمولاي رشيد ورئيس الفرقة الجنائية الولائية، أن يكون الهدف المقبل حي الفضل ومنطقة الهراويين، فهاتان المنطقتان، اشتهرتا بارتفاع ملحوظ في نسبة السرقات بالعنف وترويج المخدرات. في الطريق إلى حي الفضل، مرت القافلة الأمنية من طريق يخترق خلاء شاسع المساحة ومظلم، هذا المكان «الموحش» ليلا، شهد قبل أسبوع اعتداءات خطيرة على سائقي الدراجات النارية من قبل أفراد عصابة، إذ استغلوا الظلمة للاعتداء عليهم وسلبهم دراجاتهم النارية، ما استنفر مصالح أمن مولاي رشيد، التي تمكنت في ظرف قياسي من اعتقال المتورطين. بعد قطع مسافات طويلة بين الأماكن المظلمة، يتراءى عن بعد حي «الفضل» بعماراته وبناياته الأنيقة. حي به كثافة سكانية كبيرة، وبنايته تنوعت بين إقامات سكنية ومنازل من ثلاث طبقات، أغلب أصحابها، استفادوا من بقع أرضية في إطار محاربة السكن العشوائي، واستعانوا بمنعش عقاري أو «مول الشكارة» لبناء منازلهم مقابل استفادة الأخير من الطابق الثالث و»الكاراجات»، إلا أن هذه المبادرة انتهت بمشاكل وشكايات أمام الشرطة، بعد أن وجد «مول الشكارة» نفسه بعد بناء المنزل، مقصيا من الاستفادة من نصيبه، ووصل الأمر إلى حد التهديد بالاعتداء عليه. أول ملاحظة تثار لحظة الوصول إلى حي الفضل، غياب الغطاء الحديدي لعدد من البالوعات، إذ تعرضت للسرقة من قبل مجهولين، ويرجح أن المتهمين باعوها لتجار المتلاشيات، غير آبهين أن جريمتهم قد تتسبب في مخاطر للمارة وسائقي الدراجات النارية خصوصا بالليل. رغم شساعة هذا الحي، لوحظ غياب أي مقر للشرطة. علق شخص ساخرا أن منعشا عقاريا أشرف على بناء عدد من الإقامات السكنية بالحي، تهرب من بناء مقر للشرطة، حسب الاتفاق مع المسؤولين المحليين، متحججا بنفاد السيولة المالية، ورغم ذلك، يؤكد المتحدث، تواطأ معه المسؤولون، وسلموه رخصة السكن. بمكان منزو، أثارت عناصر الشرطة تحركات مشبوهة لثلاثة أفراد، طاردتهم في الحين، وتمكنت من اعتقال أحدهم. كانت المفاجأة مدوية، عندما حجزت لديه سيفا يتجاوز طوله المتر، رغم أنه ما زال قاصرا. كان الموقوف ورفيقاه، يترقبون قدوم شخص لسرقته والاعتداء عليه، إلا أن الحضور الأمني أفشل مخططهم. تنسيق ولائي داخل سيارة حماني، نائب رئيس الشرطة القضائية لمولاي رشيد، ظل فيضي رئيس الفرقة الجنائية الولائية، على اتصال مباشر برئيسه عزيز كمال الإدريسي، يطلعه على كل صغيرة وكبيرة، وظروف الحملة، ويتلقى منه تعليمات من أجل أن تؤتي الحملة نتائجها المرجوة، في وقت كان حماني بدوره يطلع مسؤولي مولاي رشيد عبر جهاز اللاسلكي بجميع التفاصيل، وفي كل لحظة يترجلان من السيارة، لتقديم توجيهات إلى عناصر الشرطة وتحديد المناطق الواجب استهدافها. واصل أفراد الشرطة تطهير الأماكن المشبوهة بهذا الحي، إذ أوقف عدد من المشتبه فيهم، وأخضعوا لتفتيش دقيق، ووضعوا داخل سيارة المصلحة لنقلهم إلى مقر الشرطة للتحقيق في هوياتهم. انطلقت سيارات الشرطة الثلاث تجوب أحياء أخرى، فتوقفت أمام «محطة» للدراجات ثلاثية العجلات، تجمع حولها عدد من الشباب، تم إخضاعهم للتفتيش واعتقالهم. أخضع أفراد الشرطة حارسا للسيارات، يحترف بيع سجائر بالتقسيط للتفتيش، تحسبا لتورطه في ترويج المخدرات بكل أنواعها. كانت نتائج البحث سلبية ما دفع نائب رئيس الشرطة القضائية إلى المطالبة بعدم اعتقاله، خوفا تعرض السيارات والدراجات النارية المكلف بحراستها، للسرقة. أثار سلوك امرأة بالحي غضب أفراد الشرطة، إذ نادت بصوت مرتفع على شخص تطالبه بالفرار لتفادي اعتقاله، موقف كشف تواطؤ مواطنين مع الجانحين، وغياب أي تعاون وتقديم المساعدة في مسألة تعد في غاية الأهمية وهي الأمن العام. الحدود الفاصلة مع الدرك واصلت العناصر الأمنية المسير داخل أحياء الهراويين إلى مكان وجود قنطرة تفصل الطريق السيار، علق شرطي «هنا ينتهي اختصاصنا المكاني» في إشارة إلى أن المناطق ما وراء القنطرة تابعة للدرك الملكي، لتصدر تعليمات بالعودة بالموقوفين إلى مقر الشرطة القضائية. قبل انطلاق السيارة، أمر شرطي الشاب «المتكبر» بمغادرة السيارة، مرددا عبارة «ما تبقاش تعاود أو جمع راسك» إذ تبين أن نقله مع باقي الموقفين درس له للتعامل باحترام كبير مع عناصر الشرطة مستقبلا، استوعب الشاب الدرس، وردد عبارة «هادي آخر مرة، الله ارحم الوالدين أ الشاف» قبل أن يغادر المكان مطأطئا رأسه. عادت قافلة الشرطة إلى مقر الشرطة، إذ يتم إخضاع جميع الموقوفين للتنقيط، وتقرر وضع المبحوث عنهم تحت تدابير الحراسة النظرية، في حين أفرج عن الباقي. لحظة مغادرة الموقوفين مقر الشرطة إلى منازلهم، أصدر رئيس الشرطة القضائية تعليماته لعناصره بنقلهم على متن سيارات المصلحة وإعادتهم إلى أحيائهم السكنية، بحكم أن الوقت تجاوز منتصف الليل، وضمانا لعودتهم بسلام إلى منازلهم. الطريق إلى الهراويين اخترقت سيارات الشرطة طريقا غير معبدة ومظلمة. كان المكان مخيفا وطويلا، إذ تجاوزت الرحلة ربع ساعة. كانت سيارة نائب رئيس الشرطة القضائية لمولاي رشيد مصحوبا برئيس الفرقة الجنائية، تهتز بين الفينة والأخرى لوعورة المسلك. ظل التشويق سيد الموقف لمعرفة وجهة هذه الطريق، إلى أن بدت تلوح في الأفق بنايات عشوائية، قبل أن نسمع صوتا يرحب بنا بمنطقة الهراويين. تشكل المنطقة عالما « فريدا» ببنايات عشوائية، وبنية تحتية غير مكتملة الإنجاز. على جوانبها اصطفت العشرات من العربات المجرورة بالدواب ودراجات «تريبورتور»، المحاصرة بركام من الأزبال. فضحت المنطقة فشل مشاريع التنمية التي رفعها المسؤولون، وكشفت زيف شعارات المنتخبين والمسؤولين المحليين. توقفت سيارة الشرطة فجأة أمام جمع من الشباب، خانهم حدسهم في التمييز بين سيارات الشرطة والسيارات العادية، اعتقلت أحدهم، فيما حاول الثاني الفرار إلى منزل عائلته، لكن حنكة باقي العناصر أوقفته، وخلال إركابه سيارة الشرطة، استعطف أفراد من عائلته عناصر الشرطة لإطلاق سراحه، فكان رد الأمنيين أن الأمر مجرد إجراء عاد، سيتم التحقق من هويته وإطلاق سراحه، مشددين على أن طريقة فراره أدخلت الشك في تورطه في جريمة ما. تقبلت عائلة الموقوف قرار الشرطة بصدر رحب، وإن غالبت الدموع شقيقه، الذي حاول إخفاءها عن عائلته والجيران. واصلت عناصر الشرطة حملاتها هذه المرة داخل الأزقة الضيقة، بنظرة ثاقبة، ميزت المشكوك في أمرهم عن باقي المواطنين، إذ لم يتوقعوا هذه الزيارة المفاجئة للشرطة. ظلوا يتساقطون مثل أوراق الخريف، أغلبهم بدت عليه حالة الصدمة. مر شاب أمام العناصر الأمنية بنوع من التكبر والتحدي والتعالي، كأنه يتباهى أمام أبناء حيه أنه لا يخشى الشرطة، أمر لم يرق شرطيا، طالبه ببطاقته الوطنية، قبل أن يأمره بصعود سيارة الشرطة. واصلت الحملات الأمنية صولاتها بالمنطقة، انطلاقا من «دوار دار الحمراء» ووصولا إلى دوار «أولاد العربي». داهمت الشرطة مقهى بالمنطقة، كان به عدد قليل من الشباب، ما أسفر عن إيقاف مبحوث عنهما في السرقات بالعنف وترويج المخدرات. تعرف شرطي على أحدهما، وحاول تذكر لقبه، دون جدوى بعد أن خانته ذاكرته، في حين دافع الموقوف عن نفسه نافيا أن يكون له لقب، مؤكدا أنه «ولد دارهم»، إلا أن التحريات في ما بعد كذبت ادعاءه، فتم نقله على متن سيارة الشرطة.

أمن مولاي رشيد … الحرب على الجريمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عبد النباوي: الدستور يمنعني من الحضور إلى البرلمان

إضرابات احتجاجا على تعنيف أستاذ ورزازات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات