أبو رقراق… هبة تحولت إلى لعنة

نهر العدوتين بخل على 200 قارب صغير وغاب عنه زواره المتنقلون عبر المدينتين مسحة الجمال الأخاذ والهدوء الذي يخيم على مصب وادي أبي رقراق، حيث يرتمي النهر القادم من مسافات بعيدة، في أحضان المحيط الأطلسي ويذوب في مياهه، لا يعني في شيء أرباب 130 قارب صيد تقليدي وحوالي 70 قاربا لنقل مواطنين بين ضفتي الوادي الذين يعانون في انتظار استكمال مشروع تهيئة نهر أبي رقراق، عله يحقق وعودا، منوا النفس، قبل سنين، بأنها سترفع عنهم المعاناة وتقيهم غضب البحر كلما هاجت أمواجه وعكرت صفو مياه نهر يسترزقون من وراء مياهه. «ربما هي لعنة تصيب هذا الميناء، قيل لنا إنه سيكون من أحسن موانئ إفريقيا، بل إنه سيحول إلى قطعة من جنة الله على الأرض، ولا شيء تحقق للآن»، يقول محمد، صاحب قارب لنقل سكان العدوتين «على العكس تماما، كنا في ما سبق في أوضع أكثر أريحية، فيما لا نجد اليوم ما نسد به رمق أفواه تنتظرنا مساء كل يوم». اللعنة التي يقول بحارة نهر أبي رقراق إنها أصابت النهر الفاصل الواصل بين البر والبحر، والفاصل الواصل بين مدينة الرباط ومدينة سلا المجاورة، أصابت حتى مرتادي النهر الذين استعاضوا عن خدمات أصحاب القوارب الصغيرة لنقلهم عبر الضفتين، ولجؤوا إلى البر، إما عبر قنطرة، تعبرها يوميا آلاف العربات من سيارات وحافلات، أو على مثن القطارات. «بالسيف ما الناس ما تمشيش فالفلايك، أنا ونكون غادى نفضل نمشي فالقنطرة وما نجيش للهنا، فأشغال البناء التي تشهدها ضفة النهر المطلة على مدينة سلا ما زالت مستمرة، وأطنان من الأتربة ومعدات البناء مكومة هنا و هناك، كيف للمواطن أن يعرف أصلا بأمر القوارب وأنها مازالت، كما عهدها، تؤدي مهمة نقله بين المدينتين، ما شاء الله وخلاص»، يقول صاحب قارب وهو يحاول فك قاربه من بين عشرات القوارب التي اصطفت في انتظار سائح يرغب بالقيام بجولة في البحر أو بضعة مواطنين ممن يريدون الانتقال إلى الضفة الأخرى. زوارق نقل ونزهة مع وقف التنفيذجريان نهر أبي رقراق الدائم، يقابله جمود وسكون يخيم على عشرات الزوارق الصغيرة التي اصطفت على جنباته زوارق زرقاء اللون مخططة بالأصفر أو الأبيض، وأحيانا الأخضر أو الأحمر، كانت في الماضي من الأيام تنقل، في كل حين، عشرات العابرين من وإلى الرباط أو سلا، بالكاد تنتهي رحلة يجدف خلالها صاحب القارب لثماني أو عشر دقائق على الأكثر، وهو يحمل على متن زورقه من 8 إلى 10 ركاب، كل منهم يدفع مقدارا ماليا لا يتجاوز ثلاثة دراهم، حتى تبدأ أخرى، يحاول خلالها صاحب الزورق ألا يصدم ببعض الزوارق العابرة، التي تؤدي المهمة ذاتها، أو تلك الراسية.ولأجل تأمين الطريق، وتنظيم حركة المرور النهري، عمد أصحاب الزوارق إلى فصل محطة الذهاب عن محطة الإياب، إذ صارت المعابر والممرات تتسع أكثر فأكثر لعدد أوفر من الزوارق. لكن دوام الحال من المحال، فحركة العابرين ما عادت قوية وكثيفة كما في السابق، وما عاد الثمن البخس من ناحية، وقصر المدة الزمنية والمسافة الفاصلة بين المدينتين، من ناحية أخرى يشجع أعداد العابرين على التنقل."أصلا لا توجد طريق تسمح بإيصال المارين عبر الطريق جراء أشغال التجزئات السياحية التي تقام على ضفاف مدينة سلا في إطار مشروع إعادة تهيئة نهر أبي رقراق" يقول محمد بنبرة غاضبة، يصمت ثم يسترسل "أخيرا، توجهنا إلى رئيس وكالة أبي رقراق، وطالبناه بمساعدتنا لاقتناء أضحية العيد، لكن لا حياة لمن تنادي، فنحن لم نعد نملك حتى ما نسد به رمق جوعنا وحتى التعويض الشهري الذي كانت تمنحنا إياه الوكالة (2500 درهم) جراء توقفنا عن العمل إلى حين انتهاء الأشغال تراجعت عنه بعد انقضاء سنة عن أول راتب، رغم أن الأشغال ما تزال مستمرة". يرد عليه زميل له دون أن يتوقف عن إشعال سجارته "غير خليها على الله، لا إله إلا الله، إيلا جيتي تهضر، كاتسما خايب، أما حنا راه واكلين العصا مزيان. عندنا غير الصيف، هو للي فيه شوية ديال الخدمة، كاتصور فيها جوج دريال مع الجواد للي باغي يدير السياحة وكاتمشي تكلس، هادخول ديال المدرسة، ها العيد ها حنا فيه، وحنا مقتولين، النهار لمخير، إيلا ديتي جوج طرقان، كانصورو 25 ولا 30 درهم كاع، شنو نديرو بيها، واش نخلصو الضو لا الما ولا الكرا وغدا منين تصب الشتا؟ السانتيم لكحل ما كانشوفوهش"، يأخذ نفسا ثم يواصل "دابا راه شويا، شكون غادي يقطع عندك فالشتا، دابا حتى الناس مابقاوش كايقطعو، هاد تبنايت والقزدير كايخلي الناس ماعارفينش كاع واش لفلايكات كاينين ولا ماكاينينش".حالة التذمر التي أضحى عليها أصحاب مردها تراجع المدخول اليومي، ففيما كان، في مثل هذه الفترة من السنة يتجاوز المائة درهم يوما "ولينا كانزلو على الله، واش نصورو شي طريق ولا ما نلحقوهاش، ماشي بحال من قبل، كانوا القشالي وكان التيران، دابا ها حنا وقفنا ما بقى عندنا مانديرو..". في انتظار الميناءنهر أبي رقراق، هبة مدينتي الرباط وسلا، الذي يضفي عليهما جمالا ورونقا، يربط بينهما ويفصل، ليعطي كل واحدة منهما هويتها الخاصة والمميزة، وتندمج مياهه في صراع العيش لفائدة الطبقة الشعبية المرتزقة والكادحة وتحقق مياهه وبعض مراكبه التي واكبت تأهيل النهر وضفافه، المتعة لمن تيسرت له ظروف العيش وبحث في النهر وعلى ضفافه عن أوقات استجمام وصفاء ذهني، هو لعنة في عيون بحارة الرباط. أرباب 130 قارب صيد تقليدي ومرافقيهم، البالغ عددهم حوالي خمسة مساعد بحار لكل قارب، تأزمت أوضاعهم أكثر، وما زالوا ينتظرون انتهاء الأشغال بميناء، منوا نفوسهم، بأنه سيحقق لهم قفزة توعية تكف عنهم عناء عشوائية "المرسى" القديمة، وتقيهم الصعوبات التي يواجهونها كلما أرادوا ولوج أو مغادرة مدخل البحر أو "الباب" كما يطلقون عليه."صحيح كنا نعاني العديد من المشاكل في السابق، لأننا أملنا خيرا، بقدوم مشروع إعادة تأهيل نهر أبي رقراق"، يقول حميد، أحد أصحاب قوارب الصيد التقليدي المرابطة قرب ضفاف النهر"، قبل أن يستدرك "لا شيء تغير في حقيقة الأمر، بل ساءت الأوضاع أكثر.. سافرت كثيرا وعملت بمختلف موانئ المغرب من الشمال إلى الجنوب، وبموانئ أوربا والخليج، ولم أصادف ميناء يشبه الذي نحن فيه الآن، أرضيته عبارة عن مدرجات، مع كل حركة جزر تظل القوارب "معلقة" فوق مدرجات إسمنتية، وتتكسر كلما حاول أصحابها إعادتها إلى المياه". يقول حميد "كنا هنا خدامين عاديين، قبل سنوات من مشروع تأهيل نهر أبي رقراق، قبل سنة 2007، كانت لدينا محلات على ضفاف النهر من جهة سلا، ووعدونا، بأنه سيتم هدمها لإحداث واحد من أحسن موانئ إفريقيا، فوافقنا دون مشاكل".يؤكد البحارة إن التصميم الأول لتهيأة النهر تضمن بالقرب من ميناء مارينا، بجانبه مباشرة ميناء الصيد، "نحن طبعا قبلنا، لأنه تبين لنا أن وضعيتنا ستتحسن، قيل لنا إنه سيتم هدم المحلات، على أساس أن يعوضونا طيلة الفترة التي يستغرقها بناء المرسى، ولأننا تخوفنا من أن يتراجعوا بمجرد أن نتسلم التعويض، أخبرناهم أننا مستعدون لانتظار إلى أن تنتهي الأشغال بالمرسى"، يقول حميد، يصمت برهة ثم يواصل "خفنا فاش يعوضو لينا يقولونا ماتبقا تسال والو.. واليوم، كما ترون، نعاني أكثر من السابق، لا نجد حتى محلات نضع فيها تجهيزاتنا ومعداتنا، منا من يكتري محلات بالملاح بالرباط، وصيادو سلا يبحثون بدورهم عن محلات بمدينتهم، ناهيك عن الحرمان من التغطية الصحية ودعم المحروقات..". هجر المغلي

أبو رقراق… هبة تحولت إلى لعنة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عمال الترامواي... ساعات عمل طويلة وأجور هزيلة

الأحزاب الإسلامية المصرية تخوض الانتخابات التشريعية المقبلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات