بنيعيش: استقلالية الطبيب الشرعي ذات أهمية قصوى

رئيس مصلحة الطب الشرعي بابن رشد قال لـ الصباح إن اعتماد الأقدمية بدل الكفاءة يخلق مشاكل داخل القطاع أكد هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى ابن رشد بالبيضاء، أن الطب الشرعي يمر بفترة حرجة بعد أن لم يعد أحد يرغب في هذا التخصص، وأضاف بنيعيش أن الأحداث الأخيرة التي عاشها المغرب تفرض تحقيق استقلالية الطبيب الشرعي عن وزارتي الداخلية والعدل في انتظار إرساء دعائم الديمقراطية... ما ذا نقصد بالطب الشرعي؟الطب الشرعي هو باختصار الطب في علاقته بالقانون، فكلما كانت هناك رغبة في تفسير معطيات تخص صحة الإنسان أو مواد علمية أو بيولوجية مرتبطة به، ويكون هذا التفسير ضروريا للقاضي من أجل الحسم في ملف بين يديه يلجأ إلى الطبيب الشرعي. ماهي طبيعة التكوين الذي يتلقاه الطبيب الشرعي؟ أو بصيغة أخرى كيف تصبح طبيبا شرعيا؟الأمر يتطلب بداية الحصول على دكتوراه في الطب العام، وبعد ذلك يمكن لمن اختار هذا التخصص أن يدرس أربع سنوات أخرى في إطار نظام الإقامة الذي يتم بمباراة، غير أن المشكل المطروح اليوم أن عدد الأطباء الذين يلجؤون إلى هذا التخصص يقل سنة بعد أخرى، لأن وسائل العمل غير مشجعة والأفق محدود جدا في هذا المجال.واليوم في المغرب لا يوجد سوى 13 طبيبا شرعيا مكونا تكوينا أكاديميا، أما الآخرون فيعملون بالأقدمية، هذا في الوقت الذي يوجد في بلد صغير مثل تونس 40 طبيبا شرعيا، و150 طبيبا في الجزائر.ويعتبر مركز ابن رشد الوحيد الذي يتوفر على مصلحة لإجراء التشاريح الطبية، أما باقي المستشفيات، مثل مراكش ووجدة وفاس والرباط...فإن التشاريح لا تجرى في المراكز الاستشفائية بل في مكاتب حفظ الصحة لغياب مصلحة جامعية للطب الشرعي.المشكل الأكبر هو أننا في المغرب بعد أن نكون طبيبا مختصا في التشريح الطبي، ونعينه بمستشفى من المستشفيات لا يجد الفضاء لممارسة ما تعلمه. لماذا لم يعد هناك إقبال على تخصص الطب الشرعي؟ المشكل هو غياب التحفيز وشروط العمل، فبعض الأطباء يعينون في مستشفيات لا تتوفر على مصلحة للطب الشرعي، وبالتالي لا يقومون بأعمال التشريح، وآخرون لا يقومون بأعمال الخبرة الطبية، بناء على اجتهاد خاطئ لمديرية المنازعات بوزارة الصحة، التي اعتبرت أن الطبيب موظف، ولا يمكنه أن يجمع بين الوظيفة والتسجيل في جدول الخبراء، على اعتبار أن الخبرة هي مهنة، وهذا خطأ كبيرا لأن الخبرة الطبية ليست مهنة بل وظيفة يقوم بها طبيب تلقى تكوينا في ذلك، ويقدم من خلالها خدمة للدولة وليس لمرفأ خاص.وانطلاقا من هذا الاجتهاد فلا يمكن القيام بخبرة إلا إذا كان الطبيب مسجلا في جدول الخبراء، مع وجود استثناء، إذ يمكن تعيين خبراء من خارج الجدول، غير أن المشكل أن الطبيب الشرعي أصبح هو الاستثناء وليس القاعدة، رغم انه تلقى تكوينا في المجال وهو المؤهل أكثر من غيرة للقيام بالخبرة الطبية. هذا الاجتهاد لا نجد له مكانا في دول مثل فرنسا أو الجزائر أو مجموعة من الدول الأخرى، حيث الطبيب الشرعي غالبا ما يكون خبيرا لدى المحاكم لأنه يخدم العدالة وليس شيئا آخر.وقد ربطنا الاتصال بوزارة العدل التي أخبرتنا أنها لا ترى مانعا من تسجيل الأطباء الشرعيين في جدول الخبراء شرط الحصول على ترخيص من الإدارة التابع لها. ما هي الشروط المطلوبة للتسجيل في جدول الخبراء؟بالإضافة إلى الشروط العادية (سجل عدلي بدون سوابق، و25 سنة، والتقييد في جدول الأطباء...) فإن هناك غيابا لشرط يؤكد حصول المترشح على تكوين في مجال الخبرة، وبالتالي يمكن لأي كان، شريطة أن يثبت أقدمية عشر سنوات، أن يسجل في جدول الخبراء.فالقانون يتحدث هنا عن كفاءة بالأقدمية وليس كفاءة بالتكوين، والسؤال الذي يطرح هنا كيف تسجل شخصا خبيرا في مسالة ما لم يسبق له أن درسها، وبالمقابل تمنع آخر من التسجيل في جدول الخبراء وهو الذي يتوفر على تكوين معمق في الميدان؟ ألا ينعكس هذا على بعض الخبرات التي تكون أحيانا متناقضة رغم أنها أجريت حول الشخص نفسه؟بالتأكيد، وهناك العديد من الأمور الخطيرة التي تحدث بسبب غياب التكوين، والسبب أن أغلبية الأطباء المسجلين في جدول الخبراء لم يتلقوا تكوينا. فالشرط الوحيد هو الأقدمية في مزاولة مهنة الطب (عشر سنوات) وأنا أعيب وضع مثل هذا الشرط، وأعطي مثلا لأفسر الأمر بكاتب ضبط قضى عشر سنوات في المهنة، فهل هذا كاف لنخول له رئاسة الجلسات؟ والأمر نفسه ينطبق على الأطباء العاملين بمكاتب حفظ الصحة الذين يزاولون هذه المهمة بالأقدمية، إذ يمكن أن يبنوا نتائج بناء على معلومات خاطئة ولكنهم يعتقدون أنها صحيحة. تحدتث عن مشاكل مرتبطة بعدم التكوين في الخبرة الطبية هل يمكن أن تعطينا بعض الأمثلة؟المثال الأشهر يتعلق بالأمراض المهنية، فأسهل ما يمكن أن يفعله العامل اليوم هو أن يتقدم بشكاية إلى المحكمة لطلب تعويض عن مرض مهني، معززة بشهادة طبية مسلمة من طبيب تتحدث عن مرض له علاقة بالأمرض المهنية، لكن حينما يعرضونه علينا يتبين أن المرض الذي يعانيه المصاب لاعلاقة له بالمرض المهني سواء من قريب أو بعيد. متى يتم اللجوء إلى خدمات الطب الشرعي؟ هناك طريقتان للجوء إلى الطب الشرعي، فالضحايا من تلقاء أنفسهم يمكن أن يلجؤوا إلى المصلحة للمعاينة والمطالبة بشهادة طبية، خاصة في حالة الاعتداءات والحوادث (حوادث السير والشغل). والحالة الثانية تكون بناء على انتدابات أو خبرات قضائية، خاصة بالنسبة إلى ضحايا الاعتداء الجنسي حتى يكون التعامل قانونيا. هل يمكن الطعن في تقرير الطبيب الشرعي؟أي تقرير يمكن الطعن فيه، لكن يجب التمييز بين تقرير تشريح وتقرير الخبرة الطبية، فالأول الذي يجرى على جثث يكون من الصعب إعادة إجرائه في حال الطعن فيه، في حين أن تقرير الخبرة الطبية يمكن أن يتم إنجازه مرة واثنين وثلاث...لكن المشكل الأهم من هذا أن القضاة ليس لهم أي رقابة على الأطباء الذين يجرون التشريح، لأنهم غير مسجلين في جدول الخبراء. يطالب البعض باستقلالية أطباء التشريح الطبي، في ظل بعض القضايا الحساسة التي يعرفها المغرب اليوم، والتي غالبا ما يكون فيها تدخل الأطباء محل انتقاد. الاستقلالية مهمة، ويجب أن تكون في اتجاه بعض رموز السلطة المتورطة في بعض الحوادث، ولتحقيقها يجب أن يكون الطبيب غير مرتبط بوزارتي الداخلية والعدل، هذا أحسن سيناريو خاصة في الدول التي ما زالت تشق طريقها لإرساء دعائم دولة الحق والقانون. أجرى الحوار: الصديق بوكزول

بنيعيش: استقلالية الطبيب الشرعي ذات أهمية قصوى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أدوار متكاملة بين الطب الشرعي والشرطة العلمية

أدوار رئيسية للطب الشرعي في فك ألغاز الجرائم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات