لماذا يخشى الغرب على ريادته الحضارية؟

البعد الاقتصادي وفائض الثروة حاضران بشدة في القلق الغربي إزاء الصحوة الإسلامية ليس الانفجار الديمغرافي الإسلامي فقط هو ما يقلق الغرب في ظلّ صحوة إسلامية متزايدة تجتاح المجتمعات الإسلامية. ما يقلق الغرب أيضاً هو الدور المتنامي للعالم الإسلامي في حركة الاقتصاد العالمي، سيما حين نقارن هذا الدور بما كان عليه الحال منذ مائة عام مضت في الوقت ذاته الذي تراجع فيه بشدّة إسهام الغرب. فبعد أن وصل الغرب إلى ذروة نجاحه في قيادة الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، إذ كان يسهم بنسبة 70في المائة من مجمل الناتج الاقتصادي العالمي، هبط إسهامه إلى 30 في المائة بعد الصعود المذهل للصين وقوى شرق آسيا الجديدة. صادرات إسلامية وفي المقابل، فإن العالم الإسلامي الذي لم يكن يتجاوز إسهامه أكثر من 3في المائة في العام 1950 أصبح يسهم اليوم بنسبة 12في المائة، بحيث بلغت صادرات الدول المنتمية للعالم الإسلامي ما يقرب من 2 تريليون دولار في السنوات الأخيرة. وما يثير قلق الغرب أكثر هو تراجع إسهامه في الناتج الصناعي العالمي مقارنةً بالصين واليابان والهند وباقي الدول الصاعدة المنتمية لحضارات أخرى. فالغرب الذي كان يستأثر بنسبة 84في المائة من مجمل الناتج الصناعي العالمي عقب الحرب العالمية الأولى تدنّى إسهامه ليصل إلى 25 في المائة فقط.يختلف تفسير قلق الغرب بشأن تراجع دوره في حركة الاقتصاد العالمي بحسب حالتيّ القوى الآسيوية الجديدة والعالم الإسلامي. ففي حالة القوى الآسيوية الجديدة يصل القلق الغربي إلى حدّ الفزع. فالنموّ الاقتصادي الجامح للصين والمجتمعات الآسيوية الأخرى يزوّد حكوماتها كما يرى صمويل هينتنجتون بالدوافع والمصادر لكي تصبح أكثر قوة في تعاملها مع الدول الأخرى. ويعتقد الآسيويّون أن نجاحهم الاقتصادي جاء نتيجةً للثقافة الآسيوية التي يراها بعضهم أرقى من ثقافة الغرب المتفسّخ ثقافياً واجتماعياً بحسب رؤية البعض. كان قادة سنغافورة مثل غيرهم من القادة الآسيويين فخورين بما أنجزوه على الصعيد الاقتصادي. وفي لحظات الشعور بالزهو الوطني ينزلق اللّسان أحياناً. لهذا لم يتردّد الزعيم السنغافوري "لي كوان يو" في المقارنة بين قيم الثقافة الآسيوية التي هي كونفوشية بالأساس، مثل النظام والانضباط والترابط الأسري والعمل الجاد والجماعية والتواضع، وقيم الغرب المتمثّلة على حد قوله في الفردية والغرور والانغماس في المادية. والزعيم الماليزي مهاتير محمد كان يؤكّد بدوره أن قيم الانضباط والعمل الجاد كانت بمثابة القوّة الدافعة للنموّ الاقتصادي والاجتماعي، وأن هذه القيم تنبع من فلسفة ترى أن الجماعة والدولة أهم من الفرد.نعم يعتقد الغرب أن هذا التفوّق قد يستمرّ لبضعة عقود أخرى في القرن الحالي لكنه يدرك أيضاً أن تعاظم الدور الاقتصادي للقوى الآسيوية لم يوقظ فقط نموذجاً ثقافياً مختلفاً وهوية آسيوية موغلة في القدم، بل إنه يغري ببناء قوة عسكرية، وهذا مصدرٌ إضافيّ للقلق الغربي كشفت عنه إحدى فقرات الوثيقة الجديدة للأمن القومي الأميركي التي أعلن عنها في العام 2010 في ما يخصّ الحالة الصينية على وجه التحديد. قلق غربيتجربة التاريخ تؤكد أنه ما من قوّة اقتصادية تهيمن على العالم أو على منطقتها إلا ويصبح لها نموذجها الثقافي الذي يروّج لها وذراعها العسكرية التي تدافع عن مصالحها. ولهذا الصعود الآسيوي والتراجع الغربي على صعيد الإنفاق العسكري أرقامه الدالّة، فقد هبط الإنفاق العسكري لحلف الناتو بحوالى 10في المائة من منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينات في الوقت الذي زاد فيه خلال الفترة نفسها في دول شرق آسيا بنسبة 50 في المائة. ويبني الغرب على هذه المؤشرات تقديرات كثيرة لعلّ من أبرزها أنه في العام 2020 ستكون هناك سبع قوى غير غربية من بين أقوى عشرة أنظمة في العالم، بينما لم تكن هناك عقب الحرب العالمية الثانية سوى قوة واحدة غير غربية هي ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي .ولئن بدا الغرب مستنفراً، شديد القلق إزاء صعود القوى الآسيوية، فإنه أقل استنفاراً وقلقاً في الحالة الإسلامية. فالعالم الإسلامي ما زال أضعف وأقلّ شأناً من أن يمثّل قلقاً لدى الغرب. لكن حيازته مصادر الطاقة وما يمتلكه من فوائض مالية هائلة وحالة الصحوة الدينية التي يعيشها.. هذه كلّها معطيات لا يملك العقل الغربي تجاهلها، وهو الذي لا يترك شيئاً للصدفة ويحاول استقراء المستقبل ابتداءً من إرهاصات الحاضر مهما بدت صغيرة لا تكاد ترى بالعين المجردة. فمنذ مائة عام مثلاً، حيث كان الفقر والبدائية والتخلّف ملامح عامة لمجتمعات عربية إسلامية ترعى الإبل والغنم أو تمارس الصيد أو تستغل موقعها الجغرافي وسط العالم في بعض أشكال التجارة أو السياحة، لم يكن هناك ما يخشاه الغرب من الإسلام أو العروبة. ألم تكن بريطانيا يوماً أحد المتحمسين (أو بالأقل غير الممانعين) لقيام الجامعة العربية في منتصف أربعينيّات القرن الماضي؟ أما اليوم فقد تبيّن للغرب أن الأصولية الإسلامية قد استفادت من الثروة واستخدمت وسائل التكنولوجيا الحديثة لكي تصبّ جام غضبها على ما اعتبرته هيمنة غربية وغطرسة بلغت أحياناً حدّ الإهانة ومحاولة الإذلال من جانب إسرائيل خصوصاً، والغرب على وجه العموم. عن مؤسسة الفكر العربي (خاص)

لماذا يخشى الغرب على ريادته الحضارية؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حسون وأخنوش ينافسان في تارودانت وتزنيت

دلالات فوز يمنية بجائزة نوبل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات