مصالح حوادث السير… الداخل إليها مفقود

رعب وهلع مرتكبي حوادث السير من تطبيق بنود"مجحفة" للمدونة الجديدة الساعة تشير إلى الخامسة من مساء السبت الماضي. حشد من المواطنين أمام بوابة إحدى مصالح حوادث السير بالعاصمة الرباط. أغلب المتجمعين سائقون عاديون ومهنيون، ارتكبوا حوادث سير مختلفة، وآخرون من أقاربهم وعائلاتهم، جاؤوا برفقتهم لمؤازرتهم أثناء مثولهم أمام ضباط الشرطة بالمصلحة. يتقدم رجل أمن بزي مدني إلى المتجمهرين، وينادي بصوت خشن «بوعزة.م»، فيخرج من بين الحشود رجل كهل، تبدو على ملامحه علامات التعب والعياء. أمره الشرطي بالدخول إلى مكتب الضابط للإجابة على إفاداته بخصوص حادثة السير التي ارتكبها. وبينما كان الرجل يتقدم نحو مكتب الضابط، كان آخر يغادره، والأسى مخيم على سحنته السمراء. وما كاد يدنو من الباب، حتى التفت إلى الوراء، وأطلق تنهيدة عميقة، تشير بشكل حاسم إلى قضائه وقتا عصيبا في الرد على أسئلة الضابط، لتحديد طبيعة مسؤوليته في حادثة السير المرتكبة، التي أصيب فيها متشرد بجروح متفاوتة الخطورة.«لقد طلبوا مني العودة في صباح اليوم الموالي» بهذه العبارة صاح الرجل في وجه أحد أفراد عائلته، ممن كانوا في انتظاره لمؤازرته خشية تعرضه لأي «مكروه». والمكروه المقصود هو الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية من طرف النيابة العامة، لأن قانون مدونة السير الجديدة تضمن بنودا تنص على هذا الإجراء الذي يتخذ من طرف النيابة العامة ما تجاوزت مدة العجز في الشهادة الطبية أسبوعا واحدا.كان الرجل متخوفا على نفسه، أو بالأحرى على مستقبل أسرته الصغيرة في حال وضعه رهن الحراسة النظرية وتقديمه إلى وكيل الملك في حالة اعتقال، وكان، بسبب ذلك، يرتجف بشكل واضح للعيان.رغبة كبيرة أبداها الرجل للحديث عن مدونة السير الجديدة، عندما اقترحنا عليه إبداء موقفه، وقال، بشكل يوحي بأنه أكثر نضجا ودراية مما يوحي به مظهره «نحن لسنا هنا ضد القانون، ولا اعتراض لنا على جميع التشريعات الوضعية، شرط أن تحترم هذا الفرد المغربي، وتضع مصلحته فوق أي اعتبار. وبإمكان أي كان أن يرتكب بدوره حادثة سير دون قصد، فيجد نفسه في السجن بالباطل، خصوصا إذا ثبت أن الحادثة كانت ناتجة عن خطأ غير مقصود. والتشديد في العقوبة، الذي كان يجب أن يتم التنصيص عليه، هو عندما يثبت التحقيق أن مرتكب الحادثة كان في حالة غير طبيعية نتيجة سكر أو تخدير، وليس اعتقال مرتكب كل حادثة سير تجاوزت مدة العجز فيها 6 أيام، مع أن الخطأ وارد دائما. والمفترض هو أن يتم التخفيف ما أمكن من درجة العقوبة في حق من يثبت أنه لم يكن تحت تأثير السكر أو التخدير، أو بدون سوء نية».وأثناء معاينتنا لعملية تحرير محضر استماع إلى سائق مهني متهم بارتكاب حادثة سير نتجت عنها جروح عادية، صادفنا نقابيا في قطاع النقل بالعاصمة الرباط، فاقترب منا عند علمه بمهمتنا وصفتنا، وتطوع للحديث، من وجهة نظره، عن موقف نقابته من بنود مدونة السير الجديدة. وقال المتحدث إن نقابته تسجل بأسف استمرار العقوبات السالبة للحرية بشكل كبير، خصوصا في الحوادث المؤدية عن غير عمد إلى جروح، وغير المرتبطة بأي مخالفة لقانون السير .كما أن ارتفاع الغرامات المالية على المخالفات لا يتماشى مع المستوى المعيشي للمغاربة ولشغيلة قطاعات النقل ولا مع نوعية المخالفة، مضيفا أن ذلك يفسح المجال لمزيد من ابتزاز المهنيين ويزيد من حدة معاناتهم اليومية على الطريق.وندد النقابي نفسه بإجراء توقيف رخصة السياقة لمدة تصل إلى خمس سنوات، معتبرا أن ذلك يشكل للمهنيين توقيفا عن العمل وتشريدا للأسر. كما أن ذلك، حسب رأيه، يحد من حرية التجول وحرية التملك، خاصة حين يتعلق الأمر بسحب رخص السياقة والتسجيل عندما لا يتم دفع الغرامة.وأشار النقابي نفسه إلى سلبيات أخرى عديدة، ومنها تراكم وتعدد العقوبات على مخالفة واحدة، بحيث تجمع بين الخصم من النقط والغرامة والحبس وتوقيف الرخصة والإيداع بالمحجز والمنع من اجتياز مباراة تجديد الرخصة. وهي إجراءات تتخذ في آن واحد .من جهته، أكد سائق آخر، يشتغل موظفا في شركة خاصة، أنه وجد نفسه في مواجهة شخص مخمور اعترض طريقه قرب «الأوداية»، عندما كان عائدا من عمله إلى البيت، ليضغط على الكوابح، في اللحظة المناسبة. ورغم أن الحادثة لم تخلف أي جروح تذكر، فإن المخمور تظاهر بالإصابة، وفقدان الوعي، وجاءت سيارة إسعاف لنقله. ورغم مرور عدة أشهر، دون أن تطرأ أي مضاعفات على المخمور، فإن تلقى استدعاء مفاجئا من الشرطة، يدعوه إلى الحضور لـ»أمر عاجل يهمه»، وعند حضوره اكتشف أن الأمر يتعلق بالحادثة التي ارتكبها.ويقول الرجل، معلقا على إخراج مدونة السير الجديدة دون توفير الشروط المطلوبة «في غياب أي التزام مسؤول وواضح من قبل الحكومة في ما يخص توفير البنيات التحتية والتشوير وصيانة الطرق التي تعاني وضعيتها ترديا مهولا على الصعيد الوطني، وفي غياب أي مقاربة واضحة ومسؤولة للتخليق ومحاربة الرشوة والمحسوبية التي تسود وتنخر قطاع النقل، فإن الآثار السلبية للمدونة الجديدة ستخلف، ولا شك، آثارا واضحة على السلم الاجتماعي وتوسع من دائرة الاحتقان. وطالب بنوع من التساهل في المخالفات والحوادث التي لا ترتكب تحت تأثير السكر أو التهور في السياقة.زيارة مصلحة حوادث السير المشار إليها كشفت بالملموس أن أغلب السائقين المغاربة، بمن فيهم المهنيون، لم يستوعبوا إلى الآن بنود مدونة السير الجديدة، أو على الأقل لم يتقبلوا بعد مضامين نصوصها، نظرا لما يصفونه ب»الإجحاف» و»الشطط» من طرف الذين شرعوا نصوصها. محمد البودالي

مصالح حوادث السير… الداخل إليها مفقود

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سحب رخصة السياقة...الشطط المزدوج

في انتظار تفعيل رقابة القضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات